10 يونيو
هيثم الورداني
علاء يجلس بجانبي في السيارة، ويتطلع من النافذة حوله باهتمام. نقف في إشارة. ننعطف يمينا ويسارا. ندخل حيّا ونخرج من آخر. نسلك شوارع تنتهي إلى ميادين. كل ذلك وعلاء يتأمل ما يراه بشغف. ومن حين لآخر يلقي بسؤال ناحيتي، ويستمع إلى إجاباتي غير الشافية دون أن يرفع عينه عن ما يراه. فالتر بنيامين وصف ذات مرة المسافة التي قطعتها السيارة من فندقه إلى محطة القطارات مغادرا مدينة مرسيليا بإنها تشبه تصفح سريع لكتاب المدينة، يقلبه المرء على عجل ثم يعيده إلى مكانه ولا يدري متى ستلتقطه يداه مرة أخرى. في شوارع برلين تناول علاء الكتاب الذي تركه بنيامين في مرسيليا، لكن مع اختلاف بسيط هو أن المدينة التي تمرق تحت نظره الآن كتاب مكتوب بلغة لا يعرفها، لكاتب يهتم به. يقلبها يمينا ويسارا لعله ينفذ إليها، يتصفح مقدمتها، يتأمل فهرسها، يتوقف عند هامش أسفل إحدى صفحاتها، ثم يلقي عليها نظرة حائرة وهو يعرف أن عليه أن يتركها سريعا. علاء يسأل عن طبيعة تجاور الأجيال في المدينة، وهل من الممكن ملاحظة تباين بين ثقافة جيل الشباب الحالي وثقافة الجيل الذي يسبقه. أسئلة علاء تثير انتباهي، فمع كل سؤال يلقيه عليّ ألاحظ كيف يستجيب وعيه لمجال المدينة، فيتحرك حركة صغيرة ساعيا لرسم انعكاس عابر لها، ثم كيف تصطدم هذه الحركة بلغة الكتاب المستغلقة عليه فتخرج على شكل سؤال. لكن إجاباتي عن أسئلة علاء المتلاحقة كانت مشوشة، ولم أفلح في القيام بالحركة العكسية لوعيه، بل كنت ألاحظ أن إجاباتي بها خلط وأنها تفتقر إلى الدقة. وقفت السيارة في إشارة مرور وأشعل علاء سيجارة، وفكرت أنا أن الإجابة عن أسئلته تحتاج في الحقيقة إلى تعريف الموقع الذي أشغله في هذه المدينة التي أسكنها منذ سنوات، وأن الدقة الغائبة تحتاج إلى موقع واضح، وهو ما لا أملكه ولا أرغب في مراجعته. وأكملنا رحلتنا، لكن أسئلة علاء قلّت تدريجيا بمرور الوقت، ربما أدرك أخيرا أنني مترجم سيء فقدَ المسافة اللازمة بينه وبين الكتاب الذي يترجمه، ولفرط استغراقه فيه خرجت ترجمته مشوشة.