يا “جمالُو”! ..عن هوانا المصري الذي كان !

محمد العمراني
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد العمراني

” وحيث إن الهوى المصري بعضٌ من كياني كما سبق أن أوضحت؛ فقد صبوت إلى أن أصفّي حسابي الجمالي مع هذا المكون الثقافي الذي كيّف ثقافة جيلي وأسهم بحدة في تشكيل مزاجه ونموذجه الحياتي” الكاتب والأديب المغربي الراحل محمد أنقار في حوار أجراه معه الأستاذ محمد مشبال ( مدونة الأستاذ محمد مشبال على الشبكة العنكبوتية).

أثارني، وأنا في الفصل بصدد التمهيد لنص سردي يعود للكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ، ضعف تفاعل المتعلمين مع الأسئلة والمثيرات التي حاولت أن أدخلهم من خلالها إلى عوالم الكتابة السردية لهذا الهرم الأدبي العربي الكبير. فقد دأبت – في وضعيات مشابهة – خلال السنوات الماضية أن أستدعي الثقافة الفنية المصرية عند المغاربة، مع بعض من معجمها – الذي يتداوله الناس في أحاديثهم اليومية – بغرض تسهيل عملية التعريف بالأدباء المصريين ونصوصهم المقررة للدراسة.

ففي حالة نجيب محفوظ مثلا كنت أذكر لهم كثيرا الأداءات التمثيلية لعمله المشهور ب”الثلاثية” ( هو في أصله ثلاثة أعمال: قصر الشوق وبين القصرين والسكرية). وكان هذا العمل قد حقق شهرة واسعة بين أبناء جيلي، (وبين الجيل الذي سبقنا) إذ حُفرت معه مجموعة من أسماء الأحياء والفضاءات القاهرية القديمة عميقا في ذاكرة الناس، ونفس الأمر فعلته بعض شخصياته، لعل أشهرها شخصية “السي سيد” برمزيتها ودلالاتها بالنسبة إلى الثقافة العربية الذكورية في تسلطها وتناقضاتها. 

وهكذا، كان يكفي قديما أن تذكر للمتعلمين أو لباقي الناس تلك الشخصية العجيبة، أو مقاما وفضاء مثل “السيدة زينب” لتضعهم على السكة وتمسك معهم ب-“رأس الخيط” في ما تكون بصدده من درس أو معرفة أدبية متصلة بأرض الكنانة ( خصوصا ما تعلق بأعمال الرواد).

وكان الالتحام يتضاعف أكثر مع المتعلمين كلما تقدمنا في قراءة النص، وتوقفنا عند بعض الألفاظ التي يوردها هذا الأديب أو غيره من معجم اللهجة المصرية، إذ لم يكن المدرسون يحتاجون لشرحها أو توضيحها، نتيجة الألفة المتحققة معها خارج الفصول. فقد كنا نعتبر المكون الثقافي المصري بجميع تفاصيله جزءا أصيلا من شخصيتنا.

ولعلنا نتذكر جملا وعبارات من اللهجة المصرية كان الناس يستعملونها ( خصوصا الشباب) للتعبير عن معان ووضعيات معينة، أو لتصريف حالة شعورية، كتلك المرتبطة بالمدح أو الغزل “كلك على بعضك حلو”، أو للتعبير عن الغضب أو التذمر من سلوك مرفوض أتاه أحدهم “يخرب بيتك”، وغيرها كثير من الجمل والاستعمالات اللغوية.

والجميل في المكون الثقافي المصري أن صداه كان يتحقق عند جميع الفئات الاجتماعية والاقتصادية المغربية، كما عند أصحاب التوجهات الفكرية المختلفة، فكل هؤلاء وأولئك كانوا يجدون ضالتهم في قاهرة المعز ورجالاتها وإبداعاتهم.

ولئن كنا نتحسر على تراجع حضور هذا المكون عند أبناء اليوم في مجتمعنا المغربي، والذين لا ذنب لهم في ذلك، فقد خلقوا لزمان غير زماننا، فإننا – في المقابل – نسجل تمسك فئة عريضة من الناس به، بالرغم من حوادث الزمان وتقلباته.

…………..

*كاتب من المغرب

 

مقالات من نفس القسم