ولكنني أميّة!

موقع الكتابة الثقافي writers 41
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

إلهام مزيود

قرّبتُ منها هاتفي لتقرأ جُملًا متفرّقة، كنت قد جمعتُها عن الحياة هذا ما اعتدت عليه كلّما وجدت عبارةً تؤكّد لي أنّ الحياة قاسية معي ولم تُنصفني بالقدر الذي تطلّعت إليه، فكلّ منّا يحتاج لمن يُطبطب على كتفه ويخبره أنْ معه حقّ، حتّى لو أتت الطّبطبة على شكل عبارات متفرّقة قيلت في مناسبات مختلفة.

لكنني أمية رفعت حاجبها بعد أن أمسكت الهاتف بين يديها، زمت شفتيها، وهي تعيده لي، ورمقتني بنظرة استغرقت ثواني جعلتني أتفرسها كخرقاء.

خمّنت بأنّها لا تجيد استخدام التكنولوجيا. هكذا أخبرتنا المعلّمة صاحبة النظّارات الزّلابية، “أمّيٌّ من لا يفقه استعمال التكنولوجيا”، واسترسلت متباهية وهي تصف حاسوبها الأبيض الذي يعرفُ القاصي والدّاني أنّه صاحب الظّهر المُحدودب والألوان المرهقة.

_ لا بأس. الأمر جدّ سهل، بل أسهل من شرب الماء.

ضحكتُ وأنا أحاول تبسيط أمر استخدام جهاز مثل جهازي، لكنّها لم تضحك ولم تبتسم ولم تحرّك شفتيها إلّا لتبصق على العالم والثّورة الرّقمية، وعلى آخر الاكتشافات وأكثر من سبعمائة لغةٍ عبر العصور، وعلى ثمانية وعشرين حرفا عربيا.

قالت كمن يغتصب ابتسامةً بعد تراشق بين الأحاسيس، ثم يُطبق على شفتيه:

_ أنا لا أجيد الكتابة ولا القراءة.

تناثرتُ شظايا بعدد الكلمات التي مازالت قاصرة في وصف أكثر الأحاسيس إيلاما.

كيف نجت هذه الخرقاء المحتالة من وسائل الدّولة الحثيثة في القضاء على الأمّية…؟

إنْ قالت الدّولة أنها شارفت على القضاء على الأمية فهذا الوجه الشاب كفيل بأن يقلب جميع الإحصائيات.

تفرّست في تقاسيمها جيدا. هي لا تشبه محمد شكري الذي صادق الحروف بعد سن العشرين، ولا تشبه هانا بطلة رواية القارئ التي جعلتني أذرف الدموع حين اكتشفت السر الذي جعلها تتحمل عقوبة جريمة شنعاء كي لا تفضح عارها! هي لا تشبه شيئا أصلًا !

تسكن الجبل وتدوس يوميّا مع حمارها التّراب الذي مات عليه جدّها والكثير من الأجداد ، تقول أنّها أمية، ولا تدري أنّه “وهب حياته قربانا لتنعم بالحرّية والعلم والمعرفة”، لم تدرس هذه الجملة بلا أدنى شكّ الجملة التي تحفظها جميع الأجيال التي أتت بعد الستّين.

كم ضيّعت من لذّة قراءة رسائل حبيبها ؟ أوّل سؤال يخطر على بال عاشقة حالمة.

لقد ارتاحت من هضم واجترار المنهاج المدرسي، سيقول أحدهم أعرفه جيدا.

لقد ضيّعت الكثير سأقول، رسائلُ كافكا إلى ملينا، والرّوايات التي ترجمها صالح علماني وأشعار محمود درويش ورواية السّاعة الخامسة والعشرون والأبراج اليوميّة ووصفات الطّبخ ووصفات تبييض وتفتيح البشرة والأسعار على علب مستحضرات التجميل والنّصوص الدّافئة التي ترجمتها مي عاشور. لم تمض مراهقتها مع قصص جبران خليل جبران وأحمد رضا حوحو. لم تنتظر جودو مع بيكيت ولم تبك سامية في لا تقولي إنّك خائفة، ولم تسافر مع طعام صلاة حبّ ولم تنتش بعبارات نابوكوف وهو يخبر حبيبته أمام العالم المُفرغ من المشاعر، أنّه يحبّ نطقها لحروف العلّة. لم تقرأ نكتا وكذبا على مواقع التواصل الاجتماعي. لم تكتب كلمةً واحدة تجعلها تحلم بأن تكون بطلة قصّة اخرجْ في موعد مع فتاة تحبّ الكتابة ولم تتقيّأ الكلمات المتعفّنة داخل صدرها على الورق. لم تكترث يوما لشريط الأخبار العاديّ وحتى الهامّ غير الهامّ في الأساس…

تكدّرت وأحسست بالعجز، ثم نظرت في عينيها. ابتسمت هي في سذاجة وذرَفت دمعتين حرقتا قلبي، وكأنّها سمعت كلّ ما دار في خاطري !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قاصة جزائرية 

مقالات من نفس القسم