هؤلاء كانوا أمام المقلة تماماً . كان الوحيد الذي ينتعل حذاءً فيهم هو ” رزق” ، ثانياً كُمّي ثوبه حتى أعلى كتفيه و هو يُسقط الجوال تلو الآخر أمام مكتب ” الحاج ” .
لم يكن مسموحاً لأحد أن يقترب من المكتب ؛ لكّن ” رزق” كان يجلس على الكرسي و أحياناً كان يفتح الدرج أو يغلقه ؛ و درج المكتب هو مكمن هواية “الحاج ” في فرد أوراق النقود و رَصّها فوق بعضها ، أمّا بقية أبنائه ، فكانوا يضعون حصيلة البيع ؛ في كيس عبارة عن جوال مقطوع عند ثلثه التحتاني ؛ و هكذا…….. لن ترى أكثر من أمتار قليلة ناحية اليمين أو اليسار ، لو كنت في أي مكان من هذا الشارع أو في أي بناية من بناياته ، و ستعرف أن الشارع طويل جداً و كلّه انحناءات ، حتى لو كنت واقفاً أمام عمارة ” المكاوي” الواقعة وسط الشارع تماماً .
كانت حركة العاملين في المقلة سريعة ، و انتقالات أيديهم ما بين الفاترينات و كيس النقود
و أيادي الزبائن الممدودة محسومة دقيقة ؛ لا تكاد تراها ؛ كأنّهم يمارسون طقساً إيقاعيا يتسارع بازدياد أعداد الواقفين أمام الفاترينة العريضة ..
جميعهم يعرفونني و يمنحونني ابتساماتهم الساذجة بأسنان صفراء أو بنية ، اعتدت أن أمّد يدي بالربع جنيه ، فيعطيني أحدهم الكيس الورقي المترع بالفول المقشر ، ثم يضرب يده في الفاترينة ليملأ يدي الثانية ، فأبتسم شاكراً .. كنت أستغني عن عادتي يوم الجمعة حين تبدو المقلتان كالسواد و يختفي الصعايدة من المدينة تماماً ، ما عدا ” فكري” القَمّاش” ؛ فقد كان صعيدياً أيضاً لكنّه كان مسيحياً .
– وقفة:-
عندما اقترب ” فكري” القَمّاش واضعاً ذيل ثوبه في فمه ، و هو يسند عصاه الطويلة التي تحمل بضاعته على كتفه ، قال أن زبوناً جعله يفرش كل أقمشته على الأرض ، فأهلكها المطر و الطين ؛ و ظلّ واقفاً ينظر نحو الأرض ، فقلت له : ” الناس مضطهدينك عشان مسيحي يا فكري ” …
فملأت ضحكاته الشارع كلّه ..
– الجمعة:-
يوم الجمعة هو اليوم الوحيد الهاديء نسبياً في الشارع .. فتستطيع سماع صوت “نسرين” الهاديء الرطب و هي تنادي على الخبز الطازج ؛ كل قاطني الشارع يشترون الخبز من “نسرين” و كل العابرين يحّبون وجهها الملائكي و نصف ابتسامتها ، حتى أنّ عمّ ” صدّيق” المكوجي كان يبحلق فيه دقيقة كاملة بعد أن يغلق دكانته ساعة المغربية كل يوم ؛ و يقول أنّ وجهها هو الطازج ؛ و أن الناس يشترون الخبز البارد من أجل نصف ابتسامتها و قولها ” اتفّضل” .
– الولد “رزق” :-
” لم يعد هناك همّ يشغلني”، لم يعد هناك شيء..” .. كانت هذه الجملة تتردد في دماغ “رزق” ، تعلو و تنخفض و تصيبه بالصداع ؛ و كان هذا أكبر همّ في حياته ، ” لم يعد هناك همّ يشغلني ..”؛ أن تتعدد الهموم ، تتكاثر و تحيطه و تمتد على طول طريقه فلا يعود يرى شيئاً من خلالها ، حتى انّه لا يراها ذاتها … ” لم يعد هناك همّ يشغلني ..” ؛ كانت الهموم جيلاتينية تسبقه في كل خطوة ، مع أنه تعلّم أن يتوقع الأسوأ دائماً ، مقروف و حزين بلا سبب ، لا يمسك شيئاً بيده ، كان سروره هستيرياً و ضحكاته صاخبة مُبالغ فيها ، يريد أن يكون ساكناً راضياً و طيّباً يحبه الجميع و يحّب الجميع ، “.. لم يعد هناك شيء …..” كانت أمنيته أن يكون حماراً ، أن يكون مثل “فتحي” ..” فتحي لا يعرف شيئاً سوى الشيشة و البقشيش .. فتحي لا يعرف نسرين مثلي ” ،.. يغتاظ ” رزق” حين تبتسم ” نسرين” لزبائنها ، تمنحهم أسنانها و عينيها ، لكّنه يشتعل حين يشير ” فتحي” لذلك ، كاد يقتله أمس حين قال له أنها مجرد “عاهرة” صغيرة – كاد يقتله فعلاً – . لكّن ” فتحي ” أقنعه أن كلمة “عاهرة ” كلمة مطاطة ؛ و هي تعني بلهجة أهل المدينة ” الفتاة التي تعرف هدفها جيداً ” ؛ ثم قال له أنّ كل النساء ” عاهرات ” حتى أمّه – أمّ ” فتحي” نفسه- ، و سقطت صينية المشاريب من يده .
– وقفة:-
” أمّ فتحي” كانت تنام مع عمّ ” صدّيق” المكوجي عندما كان ” فتحي” في العاشرة ؛ و حين أخبر أباه أن ” صدّيق” أجبره على النوم تحت السرير لينام فوق أمّه هو ، حاصر ” أبو فتحي” زوجته في ركن الغرفة و حطّم عكازه على رأسها ثم رمى نفسه من فوق السطح …
” لم يكن هناك شيء …” قالها ” فتحي” هذه المرّة ثم كنس الزجاج المكسور.
– الحجرة :-
في الحجرة الصغيرة المُغلقة دوماً من الداخل ، ترّبعتُ فوق المكتب البارد ، كنتُ جالساً مثل الكاتب المصري أحوال التركيز في شيء ، قعد ” فتحي” على البلاط يحرق القوالح فوق نار ” البابور” ، و قام ” رزق ” ليشتري خبزاً ؛ ثم عاد بعد ساعة – كانت يده فارغة-.
– عادة :-
أن تجد أحداً جوارك ، يحزن حين تحزن ، يفرح حين تفرح ، يبحث عنك دوماً و تبحث عنه ؛ تفخر أمامه بانتصاراتك فيكون سعيداً ، يأخذك بين ذراعيه و على صدره حين تنهزم ؛ تتكلم له و عنه و به؛ يكون نقطة انطلاقك و وصولك في كل شيء ؛ النقطة البيضاء داخلك ؛ أن تجد أحداً تتنفسه و يتنفسك ، تكون له وحده و يكون لك وحدك و بعده العالم كلّه ….
فقط انظر لعينيه دائماً حتى لا تنساه حين يتركك ، تذّكر عينيه جيداً ثم اِبكِ، اِبكِ لِتُشّكل دموعك حروف اسمه ، ثم جِد أحداً آخر جوارك ، لا يتركك تنفث دخان سجائرك حتى الموت.
– حالة:-
بجوار مكواة عمّ ” صدّيق” سندت ذراعي ، نظرت لأعلى حيث التلفزيون المتهالك يعرض نشرة الأخبار ؛ قال المذيع أنّ مائتي شهيد أشعلوا نار الانتفاضة منذ 28 سبتمبر ، و أنّ ” باراك” يهدد باستخدام القوة إذا لم يتوقف الإرهاب الفلسطيني.. ضغطتُ أسناني ببعضها ثم سحبت نفساً عميقاً و نفخته في قبضتي ، قال عمّ ” صدّيق” أنّه لا ينسى مشهد ” عرفات” و هو يُقّبل يد ” أولبرايت” وزير خارجية أمريكا العام الماضي ؛ فقلت له أن الحكومات شيء و الناس شيء آخر ، وضع ” فتحي” الشاي على المصطبة أمام الدكان و قال : ” الفلسطينيين” باعوا أرضهم زمان و مش عارفين يرّجعوها ، و أجدادنا باعوا أرضنا للإنجليز و يبيعونها الآن للأمريكان .. المصريين طول عمرهم فهلوية .. النهارده نبيع ، وبكره نأمم …..” .
– الليل : –
الليل فارد ذراعيه حتى القمر ، أمّا عمود الكهرباء الوحيد المضيء فيبدو كغروب متأخر، التراب أكوام فوق طبقة الأسفلت المقشورة . أُراقب هذا الليل من بدايته و أتذكر ” فتحي” .. تتخبط الكلمات في رأسي..الناس.. الوعي..الثورة ..” فتحي” .. تروح الحكايات و تجيء .. ” رزق” .. ” نسرين” .. ” أبو فتحي”.. معي عود كبريت واحد و عينين كالجفاف.. أملك نصف علبة سجائر و حذاءً قديماً و جسداً منهكاً .. أنا الجالس بمقعدة باردة و بنطال متسخ من صدأ الساقية ، أمّا هي فراقدة كوحش إغريقي قُتل بغتة . مازال الليل يُشكّل حروفه المبهم حولها و أنا مثّبت عيني نحو فلتر السيجارة المحترق ؛ كان دخان سيجارتي متصاعداً و لا يشبه شيئاً ،أحطته بكفّيّ و ركبتيّ . كنت أصعد سنتيمتراً ثم أسقط على الأرض، كنت أصعد ، كنت أسقط تحت الأرض ، في باطنها…. يحاكمني المُخنثون من الجن و تعشقني أميراتهم ذوات الأثداء اللانهائية .. أشعلتُ عودي الأخير ؛ثم التّفتُ نحو مدىً مغلق .. و كنت وحدي.. نثر الحكايا القديمة اشتعالي .. شحيحٌ يومي .. و انكسار المدى مستحيل.. لم أكن أنظر ناحية المقهى كأنه أعطاني ظهره الملاصق للحقول الممتدة و كأنّها تنفي انحناءات الشارع.
هنا يندر العابرون و السيارات بعد العشاء ، يقف القوادون و العاهرات كل ليلة .. هل أجد ” نسرين” بينهم .. اخترت هذه الزاوية حيث أراهم من جلستي فوق الساقية و هم يدّسون سجائر “البانجو” بين شفاههم ؛ و يبصقون البذاءات على سلّم المسجد الجديد .. ماذا لا تجلس معي يا ” فتحي” .. أم تُفّضل الجلوس وسط الشارع الطويل الذي كلّه انحناءات .
– رجفة :-
لمّا جلستُ على الكرسي المزوي كانت يد ” فتحي” مرتجفة هذه المّرة ؛ وضع كوب الشاي بين يديه ووقف ؛ كان غريباً أن ترتجف و الأغرب أن يتوقف أمامي بعد أن يضع الشاي؛ نزل بفمه جوار أذني و قال لي بصوت مبحوح ” انت صحيح كنت بتوّزع منشورات أول امبارح ؟..”
كنتُ صامتاً .. ” قرأتُ المنشور الملصق على باب المقهى ” .. لم أجبه .. ” الحقيقة أن نسرين هي التي أخبرتني ” أنتِ ثانية يا ” نسرين ” .. كل شيء فيها طازج إلاّ عينيها … الجزء الهارب من شعرها فوق أذنيها .. حتى الايشارب الذي ترتديه لم يكن متماسكاً أبداً ؛ كان شعرها أسوداً و عيناها عسليتين ؛ جسد ” نسرين ” متماسك و أصابعها رقيقة .. لم أكن أشتري منها خبزاً ؛ لكنني اشتريت منها مرّة ” قُرصة بالعجوة” .. ” لا تخف فلن أخبر أحداً .. أنا أيضاً لا أشرب الكوكاكولا ؛ و أكره الأمريكان ..” ؛ تركته و دخلتُ حمّام المقهى ، وقفت مرتجفاً ألعن الجميع .. ” وراء كل مصيبة في هذا الشارع امرأة .. رحمك الله يا أبا فتحي” . هذا الشارع طويل جداً و كلّه انحناءات .. و غرفتي مختفية في انحناءة صغيرة .
– وقفة :-
قالت لي ” نسرين ” : ” معنى مقاطعة البضائع الأمريكية أن أموت ” باغتتني بكلامها فتسّمرتُ…” الدقيق اللي بيتعمل منه العيش اللي معّيشني أمريكي .. أمريكي بس ..” فغمغمتُ قائلاً ” أن الأمريكيين تغلغلوا تماماً في مجتمعاً ” .. كنتُ مندهشاً أنها قرأت المنشور ؛ لم أكن أعلم أن ” نسرين ” تعرف القراءة .. هذا الشارع كلّه انحناءات ..
– ” أبو الأنوار“:-
حين عبرت ٌ الشارع من ناحية ميدان ” الخليفة” كانت بقالة ” العشرة الطيبة ” هي صاحبة الضوء الوحيد في هذا الشارع ، إضاءتها كشفت لي نقرتين مملوءتين بالطين كدت أخطو فوقهما ؛ و لمّا كان الهواء البارد يلسعني كنتُ أشّد بكّفي على عضلات ذراعي فكان القميص المبتل يزيدني ارتجافاً ، في ازدياد انكماشي و خوفي من الظلام و نباح الكلاب فرصة سانحة للعفاريت كي تقرض رأسي أو تدّق على ظهري . ” إبراهيم ” كان ينظر لي بابتسامة ودودة مُحّفزة ، دعاني للاحتماء من المطر داخل دكانته؛ ” العشرة الطيبة ” عبارة عن متر في متر و نصف ، لا تكاد ترى داخلها بضاعة تُذكر و سوف تقع في حيرة حقيقية حين يُلّبي ” إبراهيم” طلبات زبائنه أمامك و كأنه يخلقها في اللحظة؛ ابتسامة ” إبراهيم ” الرقيقة تُخجلني و تُرعبني ؛ فهو يُحّدث الجميع بلطف ؛ و مع ذلك لا تكاد تراه يُحّدث أحداً . كان الجميع يُرددون أنه شاذ جنسياً ؛ فهو لم يتزوج أبداً منذ عرفه الشارع طفلاً يعاون أباه في ” العشرة الطيبة ” .. كل واحد يحكي لك حكاية سمعها عنه ؛ و لكّن أحداً لم يتعرض لشيء حدث له هو شخصياً مع ” إبراهيم” إلى أن جاءت حكاية ” أبو الأنوار” معه؛ و كانت فضيحة ؛ فقد شاهد ” صدّيق” المكوجي “ابراهيماً” و هو يعاون ” أبا الأنوار” في إتمام عادته السرية خلف الفاترينة ، قال ” صدّيق” أنهما كانا جالسين كالضفادع . و لم يعرف أحد ما الذي جعل ” صدّيق” يذهب إلى هذه الناحية في هذا الوقت المتأخر و هو الذي يُغلق دكانته قبل المغربية ؛ ” إبراهيم” أقسم لي أنّ ” أبا الأنوار” كان يطلب نصيحته في مرض منعه من إرضاء زوجته ؛ و لم يجرؤ أحد على سؤال ” أبي الأنوار” أو مجرد التلميح له بما حدث ، فقد كان رجلاً شرّانّياً .
– الخبر :-
اقترب ” أبو الأنوار” من ” إبراهيم ” ثم انحنى بجوار أذنه ، عندما رآهما ” فتحي” ضحك ضحكة صفراء ، ثم وضع صينية الشاي جوارهما و ذهب . قال ” أبو الأنوار” : البت بتاعة العيش طِلعت متجوزة ..”
-“نسرين”……….؟
– ” أيوه .. و مِتطّلقة كمان …..”
– ” تعرف إن عندها خمستاشر سنة ؟” ..
– ” عرفت إنها كانت متجوزة عرفي من واد طالب في الصنايع و لمّا أهله عرفوا إنها حبلت خلّوه يطلقها ..”
– ” و مخّلفة كمان ..؟“
– ” لأ .. ما أهل جوزها ضربوها لحد ما سقطت ….
و ابتلع ” إبراهيم” كوب الشاي مرّة واحدة ثم ربّت على كتف “أبي الأنوار” .
– الإتاوة:-
” أبو الأنوار” يكره كل ضباط الشرطة و المخبرين مثل بقية أهل الشارع ؛ الفارق الوحيد أن اسمه و صورته كانا مُعلّقين في كل أقسام الشرطة. ظَهَر ” أبو الأنوار” في الشارع فجأة منذ عامين ؛ و كان يسكن مع زوجته في غرفة صغيرة جوار غرفتي ؛ فلم أستطع دخول الحمّام من يومها .. كان الجميع يكرهون “أبا الأنوار” ما عدا “إبراهيم” و لكنّهم كانوا يدفعون له الإتاوة كل موسم و كانوا يدفعون الضرائب كل شهر . و يقولون أن الله سينهي عمر الظالم بيد ظالم مثله . و هو يقول لهم كلّ صباح ” ما يضايق الزريبة إلا البهيمة الغريبة ” ثم يضحك حتى يصل صوته لآخر الشارع ؛ و حين مسح بيده على مؤخرة ” نسرين” ضربته بحذائها البلاستيكي على رأسه و فرّجت عليه مخاليق الله أقسم أن يمتطيها وسط الشارع في عزّ النهار .
– وقفة:-
عندما غادر ” رزق” المقلة متجهاً صوب المقهى رمى بعينيه ناحية اليمين ، رأى ” نسرين” ترتدي تييراً رمادياً يُشبه مرايل المدارس ؛ وضعت على شفتيها لوناً أحمراً ثقيلاً ؟، و كان هناك طوق مرشوق في شعرها . لم تكن تلبس الايشارب … كانت ” نسرين” جميلة .
قرّر ” رزق” أن يضرب ” أبا الأنوار” و ليكن ما يكن . ثم عاد للمقلة .
– الأذان:-
اختلط صوت المؤذن ساعة الظهر بصوت صراخ حاد .. توقف اللغط في الشارع ؛ لم يكن هناك غير صوتين – الأذان و الصراخ- هل يكون الجميع نائمين ، هل يعلمون أنه صوت “نسرين” … أيكون ” أبو الأنوار” يُنّفذ قسمه ، صوت “نسرين” يقترب ؛ و أنفاس ” أبي الأنوار” تلاحقني ؛ و ثمة شيء جعلني أُشعل التلفاز و أتظاهر بالنوم ؛ كان المذيع يُعلن آخر الأنباء .. أتظاهر بالنوم .. صوت “نسرين” يعلو صوت الرصاص … كان المذيع مُبتسماً و وراء ظهره صورة مُهتزة لولد قمحي مُلقى على الأرض ؛ أنا نائم ؛ ازدادت ابتسامة المذيع .. تحلّقت مجموعة من العساكر الصهاينة حول الولد .. صوت “نسرين” يقترب أكثر .. ضربوه بالرصاص في ساقه حتى انفصلت عن جسده ؛ ولولة “نسرين” تعلو ….أمسكها و هو يجّز على أسنانه و قال ” اقتلوني يا أولاد الكلاب … و اللّه أنا نائم .. كانوا يلوكون اللبان و يبصقون حوله .. كانت البصقات تقفز من التلفاز نحوي…. امتلأت الحجرة بالنخامة و البصاق الأصفر ..ضربتُ بذراعيّ لأُزيل اللزوجة التي تحيطني ….؛ تلاشى صوت “نسرين” تماماً و ابتلعتُ البصاق حتى آخره………………. نظرتُ من النافذة على الشارع القصير الذي انكمش في انحناءة مظلمة .
…………….
فبراير 2001