هنا هذا لم يؤذ الشعر. لهذا أكتب فالعمل يمثل نصوصا تتنافس جمالياتها مع بعضها البعض وخفوت النبرة بصدقية فنية عالية مع ثيمات عدد من القصائد يؤكد الوجودية المحتومة التي تتماس مع حالة رواقية لا يمكن إنكارها. نتأمل قصيدة القيامة: لم أظن / أن تجوالي اليومي / في المدينة / يبعثرني / هكذا / في صور السياح / الكاميرات / اقتبست ملامحي / لتبعثها مجددا / في المدن الأجنبية / فوداعًا إذن / يا وجهي / يا بصمتي البائسة / هوية روحي / التي عادت / بلا غلاف / سأمشي الآن حرًا / خفيفًا / بلا ملامح / بينما هناك / في ألبومات الصور/ تتفتح عيناي / وحدهما.
من تقنياته مثلا كون العنوان أحيانًا يمثل الكلمة الأولي من القصيدة . كمثال قصيدة أريد : خبرا سعيدا / عنك / كي أتأكد / أنني / لم أخربك تماما. وقصيدة كشرطي مرور حيث يكتب: أشير/ للأيام / كي تمر. القصائد القصيرة جدا لديه لا أستطيع تسميتها هايكو. هو أصلا غير ثرثار لكن ظني أن أقصر قصائده لا تقوم علي قانون ما يوصف بالهايكو الذي ليس مجرد لقطة عارمة الكثافة والوجازة .. هذا ما أقصده .
كنت أستمتع بالصور في عمل رهيف يدرك معني عدم اتخاذ قرار باعتساف أي صور أو مجاز .. تأملوا معي: كنت أمسك بها / من صوت تنفسها قاصدا القصيدة الهاربة منه وبإيماءة خفية إلي الحبيبة. هذه العلاقة الشعرية مع العالم لا يجرحها محمد خير في العادات السيئة للماضي، وهو يميل مثل شعراء مصريين حاليين كثر إلي قصيدة ذروة النهاية حيث يسرب لنا جمالا متصاعدا عبر مسيرة قصيدته ضابطا إيقاع ذلك التسريب بما لا يفسد وإنما يعظم قنبلته الشعرية عارمة الهدوء والمدخرة لنهايتها والحقيقة أنه من قلائل يدركون بالضبط متي انتهت القصيدة أو يجب لها أن تنتهي . من أبدع القصائد قصيدة بعنوان الزمن والتي أري عنوانها وحده يفرض تحديا شعريا كبيرا. هنا البداية والنهاية مدهشة ، وبعين الطفل المستذكر للماضي ندرك أن الكرة الأرضية المرفوعة هي نموذج في فصل دراسي وهو بجانب العنوان الجسيم المناصب لأطروحة فلسفية ما يفجر أفقا للابتسام عبر سخرية تستحقها الكلمة / العنوان . لعل سخريته هي أكثر ما يحاول كبحه وهذا اختيار أخلاقي وفني كما نستشعر في نصوص شتي مثل مقايضة الانتقام وغيرها فحتي القصائد ذات العناوين الدالة علي العنف مثل جريمة ” القتل”، الجنون (انظروا إلي الميل لاستخدام المصادر ضمن تعريفات ثيماتية شعرية لتلك الكلمات ) تقدم حالات هادئة في توصيف معانيها وأوقاتا قليلة قد تكون الذات الشاعرة متلبسة بجرم المشاركة في ارتكابات محددة بداخلها وليس مجرد الذات المجني عليها من الآخر / الأخري .
حذوفات الشاعر عالية الحساسية لا شك لأنك تشعر أنه أزاح الكثير ليمنحك هدية بلا شوائب ، متخلصة من أدران وركام كثير كي يترك لنا العادات السيئة للماضي بشعرية أتصور أنه يمكن وصفها أنها بلا ذنوب، ومقصودي أنه لا أثر فيها لكراهية ولو ذائبة.