ورق النتائج لا يصنع جيلاً

البهاء حسين
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

البهاء حسين

أستسلم، أحياناً، لفكرة العقد. أن سنوات عشرة قد تصنع ملامح جيل. أعطى لها أذنى من باب أنها إجراء لا بدّ منه، لكنى، فى حقيقة الأمر، لا أؤمن أن ورق النتائج قد يصنع جيلاً. أعتقد أن الحدث، أو الظرف الواحد، هو الذى يخلق ملامح مشتركة أو وجدان جيل، بحيث يمكن الوصول إلى الدافع العميق الذى يحرك أبناء هذا الجيل للكتابة. خذ النكسة، مثلاً، من، ممن عاصروها واكتووا بنارها، أمكنه أن يفلت منها؟
بالنسبة لى أنتمى لجيل فقد، مع احتلال العراق للكويت، يقينه بالشعار الوحيد الذى كان باقياً يخايله “القومية العربية”، وحين انكفأ إلى داخل نفسه لم يجد “مصره”. فقد كان عصر مبارك، الذى تخرجت في  الجامعة وبدأت حياتى العملية فى ظله، هو وما سبقه وما لحقه من عصور، عصر فساد يغذى النزعة الفردية والحل الأنانى .
وسط فوضى عارمة فى الخارج، وتناحر، بداخلى، بين الأشكال الفنية وجدت ضالتى فى “قصيدة النثر”، بعد سنوات طويلة سلختها مع القصيدة العمودية التى لم تعد تشبهنى، ومع قصيدة التفعيلة بطنينها الذى يعلو ويعلو ولا يعكس ألمى. كنت أبحث عن موسيقى كتيمة قد لا يسمعها القارئ، لكنه يشعر معها بما أريد له من ضجيج. كانت قصيدة النثر وحدها كفيلة بنقل ما بداخلى من جلبة.
تسألنى عما تبقى من جيل التسعينيات؟ وما الذى أسفر عنه مشروعه الشعرى، وهل سقط هذا الجيل من التقويم أم ما زال له تأثيره ؟ والواقع أن هذا الجيل قد تأكد فيما تلته من أجيال. نعم جعل هذا الجيل صوت “قصيدة النثر” صافياً من التقاليد التى خلفها جيل السبعينيات فيمن بعده . تخلصت قصيدة النثر مما يشوبها من صوت عال وقوام ملتبس. أصبحت القضايا اليومية هى القضايا الوجودية. الفرد المطحون، أو الهامش، أصبح بطلاً يحدث الناس عن همومه العادية، بعد أن تخلى عن فكرة الشاعر الرسول أو صاحب الرسالة.
بخصوص التأثير..أستطيع، عن نفسى، أن أميز صوتى فى كتابة من جاؤوا بعدى، أعرف ذلك من رسائل يرسلها لى، مشكورين، كثير من الأصدقاء . إنك لا تسطيع أن تقرأ شاعراً ما بمعزل عن أصوات من سبقوه أو جاءوا بعده . لا تستطيع أن تقرأ جيلاً على حدة . لك آباء لا يمكنك أن تقتلهم، حتى لو أردت ، إنما تستطيع أن تقف على أكتافهم وترى أبعد. وقصيدتك ، حين تكون أصيلة، لا بدّ أن تتناسل فيمن يأتون بعدك . هذه هى سنة الشعر عندما يكتبه رجل يرزح تحت عبء .

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم