وحيد الطويلة..صوت من الحياة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 78
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد عبدالحافظ ناصف 

وجدتنى ملهوفا عليه حين علمت أن قلبه الطيب الذى يتسع لبراح الكون يشكو من كثرة تحمله لهموم من يحب، وحيد الطويلة كائن يصلح ليكون نقطة انطلاق لبدء تآلف واجتماع البشر بعد أن فرقتهم الذنوب، لم أنس صوته الملآن بالدفء والمحبة حين اتصل بى فى نهاية التسعينيات يبلغنى أنه سعيد بصدور مجموعتى القصصية الأولى الفاوريكة، حدثنى عن أبطال المجموعة الذين يحبهم، بدأت أبحث عن أعماله لأعرف عالمه القصصى والروائى الممتع، وجدته يعشق أبطالنا البسطاء  الذين يقابلوننا فى قرانا ومدننا الصغيرة وفى أماكننا الشعبية البسيطة التى نحبها  والتى تمتاز بإنسانية جارفة تشكل فى وجدانك ملامح طيبة أو حزينة، صعب أن تغادرها ببساطة، وأعتقد أنها ستظل طويلا معك.

من أعمال وحيد الطويلة القصصية المهمة التى صدرت أخيرًا عن المجلس الأعلى للثقافة «مائة غمزة بالعين اليسرى» وما بين رائحة الموت التى تطل مع القصة الأولى «الموت بالعرض» لزوج أو خطيب أخته التى يحبها، والغربة التى تنهى المجموعة فى قصة «أجنحة» نجد الأمل يطل من القصتين ومن الغلاف الذى يطل منه طفل ينتمى إلى الطفل المصرى المكافح، كان الأمل  رغم رائحة الحزن والشجن الذى يغلف المجموعة، ويؤكده فى قصته الثانية فى قصة «مقام بياتى»، ففى القصة الثانية تشيع الحياة رغم الموت ويؤكد لأخته فى القصة الأولى أن زوجها  سيعود رغم أنها  تصر فى بداية القصة وبدموع حارة على خديها وصوت متداع مكسور من فرط الخوف على حبيبها  أن حبيبها «لن يعود مرة أخرى»، ينهى وحيد المجموعة بعبارة: «أود أن أقول لها: لا تقلقي، سيعود».

والجميل أن القصة مكتوبة على مقهى لمة الأحباب، فيحدث المفارقة بين أحداث القصة والختام ورؤية الكاتب ومكان كتابة القصة.

وفى قصة «أجنحة» تؤكد الجدة أنها سوف تسأل العصفورة التى تحمل البشرى فى تراثنا الشعبى أن الغائب سوف، رغم أنها هى التى تنكوى بنار ابنها الغائب أكثر من الجميع، ولكن قلبها لا يزال به الأمل، ويؤكد الطويلة الأمل فى نفوس القراء قائلا: «تتمد فى سريرها، تعابث حبات سبحتها الكهرمان، وتطمئننا أنها ستسأل العصفورة فى الصباح»، ومن الأشياء التى تميز المجموعة التفاصيل الدقيقة التى لا يعرفها ولا يستطيع التعامل معها إلا كاتب له خصوصية فى كتابة القصة، ففى قصة «مقام بياتي» وأثناء سير النعش الذى لا يحمله إلا أربعة ولا يتبع الجنازة إلا عددًا قليلًا من المشيعين، تفلت دجاجة من قفص  بائعة الطيور وتنطلق وراءها فلا تهتم بالجنازة أو غيره ولكنها تهتم فقط بدجاجتها الهاربة منها، ويصف بعين دقيقة تحرك المرأة التى تفترش الأرض والتى تكاد تكون ملتصقة بها فيقول: «فقط اكتفت بأن تحرك أقفاص طيورها للخلف قليلا، وأن تتعتع مؤخرتها كأنها تلف الرحى على حفنة ذرة قديمة»، وبالنظر لتلك الجملة نجد أن الطويلة يجيد وصف الموقف وصفا قصصيا شاعرا من خلال أشياء البيئة القروية والشعبية التى يعرفها تماما ويحفظها عن ظهر قلب وتنطلق من لسانه بسيطة متعمقة رائعة تحمل عبق البيئة التى يحبها وأحبها مثله.

ويجيد الطويلة رصد الشخصيات البسيطة والفقيرة بتفاصيلها وأحلامها غير الكبيرة، وتعتبر بالنسبة للقارئ تافهة وقد لا تمثل شيئا له قيمة، مثل  شخصية  عم سيد بطل قصة «ولاعة جاز»، الشخصية التى رآها البطل كبيرة سنا ويبدأ قصته متسائلا إذا كانت هذه الشخصية التى لم يراها إلا كبيرة السن، فيسأل بعمق: هل كانت صغيرة مثل جميع البشر، الغريب أن الطويلة يحصر حلم بطل القصة  فى ولاعة جاز،إضافة إلى عودة ابنها  الغائب الذى ذهب لكى يحضر النصر، فلا يعود بالحلمين؛ الكبير والتافه، ونجد أن تلك  الأشياء البسيطة المؤثرة  تلعب دورا مهما فى أحداث القصة خاصة فى المقارنة بين ما يطلبه البطل ويطلبه الآخرون، ويموت البطل الذى كان مصرا على غسل أموات القرية وحمل نعشها من الجهة اليمني.

ومن مميزات المجموعة أنها تتعامل مع طقوس شعبية راسخة فى وجدان الناس البسطاء من أهل الوطن فى القرى والمدن الصغيرة، تلك الطقوس التى تصاحب كل تفاصيل حياتنا، فى الموت والميلاد وما بينها، فنجده يبدأ قصة «مائة غمزة بالعين اليسرى» قائلا إن السماء تكركب، ويعنى ذلك فى مفهومنا نحن الصغار أن جمل الشتاء يتشاجر مع جمل الصيف، فيسقط المطر بعدها، وفى قصة «عصافير الجنة» يستقر فى وجدان الناس أن الله يبعد الحى عن النائم، فيبعد الديب الحى عن الإنسان النائم، يستفيد الطويلة كثيرا من تلك الموتيفات الشعبية المستقرة فى وجدان الناس ويعيد توظيفها ثانية.

وأخيرا تمتاز نهايات قصص المجموعة بالمفارقة الممزوجة  بالوجع الإنسانى الذى يترك ندوبا فى الروح، لا يغادرها بسهولة، ويجعلك على تواصل مع عالم ممتع تعاملت معه وكنت بالطبع مفردة من مفرداته فى زمن مضى تحبه بالتأكيد.

 

عودة إلى الملف

 

 

 

مقالات من نفس القسم