وفاء العمير
ــ جفاف يندلع في روحي. قالت له، وهشيم أحسّه في كل مفاصلي. ليست شمس يوليو الحارقة هي السبب، أشعر كما لو كنتُ أرضا قاحلة، أو نهرا بلا مياه، ثمة عدد لا يحصى من الأشواك الحادة تخزني في أعماقي. والوقت مثل سلاسل حديدية صارمة، تطوقني في عنف وصمت، وتشتد حولي في سكون ووحشية.
ـ لم أعد أرى ابتساماتك تضيء شفتيك. قال بقلق.
ـ تسللتْ جميعها، الواحدة خلف الأخرى من فوق شفتي، حصل ذلك في غفلة مني، لم أعرف كيف بدأ الأمر، هجرنني في ذعر.
تهدج صوتها، تهدده عاصفة من البكاء. حين لاحظ ذلك نهض من مقعده، شامخا وصلبا، وقف أمامها، مد ذراعه نحوها، وقال:
ـ هل تسمعين الموسيقى تصدح في الهواء، تصدح بلا نهاية؟
نظرت إليه من خلف غمامة كانت تظلل عينيها ولم تجب. أمسك بأصابع يدها، وهتف قائلا: هيا لنرقص.
كان الوقت ظهيرة، وحرارة شمس القيظ تتأجج في كل الأنحاء، رغم ذلك بدأت ترتعش من البرودة، وشاهدت أيامها الكئيبة التي تحمل دوما وجها متجهما شاحبا، وهي تتساقط كأوراق الخريف. كانت لحظة غريبة تلك حين سمعت كركرة غاية في السعادة تأتي من قلبها الذي لم يكن يوما سوى غرفة مقفلة.
كما لو أنهما صفحتان منزوعتان من قصة مفعمة بالسحر والخيال رقصا، يدور جسداهما فوق البلاط، خطواتهما تنضح بالجمال والرشاقة. يا للروعة، رفرف طائر الدهشة حولهما، وتناثر الفرح مثل قطع الحلوى اللذيذة. اقتربت الحياة منهما ببطء، بوجهها المشع الرقيق، وشاركتهما الرقص، رقصت دون توقف، بغبطة وبدلال وديعين.