نور الدين كويحيا
أظنني حفنةَ طينٍ،
أتمسّكُ ملياً بفرصةِ الأقدام.
أظنني خشبةً تعبر النّهر
وكلما وصلت حافةَ النهاية
علِقت هناك.. في المنتصف
بيدِ شجرةٍ مُتدلية،
أو بصخرةٍ تعتبرها هي الأخرى…
فرصةً ثانية.
أظنني أجيد هواية التَّمسكِ بالأشياء…
قبل رحيلها.. وبعد رحيلها؛
فحين تُغادرني الظِّلال
حاملةً معها ذاكرة العتمة
وسكاكين الانتحارات،
-وبعضاً من فتات خبزٍ
أتركه فوق طاولتي
لعل حمامةً زرقاء أو صفراء
تدخل الغرفةَ من ثقبِ الجدار
وتتناول معي عشاءً مُعدًّا بأطرافٍ
اصطناعية…–
أمد يدي نحوها
متمسكاً بجزءٍ منها يشبه القدم
وحين يُفلتُ مني،
أتمسك بالآخر الذي يذكرني باليد…
لكنها دائماً ما تُفلت بغتةً،
حين أدور لأتفحص الطاولة بنظراتٍ عجولة
إن كانت الحمامةُ بأي لونٍ يكسو ريشها
أتت.. أو فرت هي الأخرى قبل تطلعي نحوها.
أفقدُ الأشياء بهذه البساطة،
وهذا علمني الكثير
فمثلاً كل ما يأتي إلي الآن
أو يخصني،
أثبِّتهُ في الجدار بمساميرَ من فضّةٍ:
جاءني الخوفُ عارياً
ثبته في الجدار…
جاءتني الوحدةُ ملتحفةً نار الغصّة
ثبتها في الجدار…
جاءني الحزن المَشبوبُ بالسّقوط
ثبته هو الآخر في الجدار.
لم تعد الأشياء تُغادرني،
بل ما عادت قادرةً -حتى لو حاولت- على فعل ذلك.
أنا هنا،
منذ سنوات
وكل شيءٍ على حاله.
صحيحٌ لم أحز أيةَ أشياء أخرى لتصبح معلقة هناك
وأحدِّق فيها كلما انتابني الشُّعور بالتّرك
لكن، يكفيني ما حصلتُ عليه…
مهما تيبّسَ
مهما سال منه الصّدأ،
ومهما تلاشى وترك بُقعةً تدل على وجوده سابقاً.
المهم في كل هذا أن هناك شيئاً ما في الجدار،
وأن الوحدة لم تعد قاتمةً للغاية،
المهم أنني أنا أيضاً مثبّتٌ هنا في الجدار
ولن أُغادرني حين تسنح لي الفرصةُ
أو حين يلتهمني الضّجرُ ببطءٍ شديد،
كما فعل مع كل ما كان هنا.. وانتهى.