“هند أو أجمل امرأة في العالم” لهدى بركات في الجامعة الأميركيّة في بيروت   

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مهدي عواضة

في أمسية أدبيّة استثنائيّة، استضاف كرسيّ الشيخ زايد الكاتبة اللبنانيّة القديرة هدى بركات في ندوة حواريّة حول أحدث أعمالها الروائيّة “هند أو أجمل امرأة في العالم”، الصادرة عن دار الآداب. وقد شكّلت هذه الأمسية فرصة فريدة للغوص في ثنايا الرواية التي تطرح بأسلوب إنسانيّ عميق تساؤلات حول ثنائيّات الجمال والقبح، الحبّ والنفي، الانتماء والمنفى، وذلك من خلال قصّة هنادي، البطلة التي تمضي في رحلة مؤلمة مشحونة بالعزلة ومثقلة بالحنين.

تتمحور الرواية حول شخصيّة هنادي، الابنة الثانية التي عاشت حياتها في ظلّ شقيقتها الكبرى هند، ولم تحظَ يومًا بما نالته أختها من شهرة وتألّق. غير أنَّ القدر رسم لهنادي مسارًا مغايرًا، فإصابتها بمرض تضخّم الأطراف (الأكروميغاليا) حوّلتها في عين والدتها إلى نقيض أختها المتوفاة، إلى “مسخ” كسر صورة الشبه التي كانت تعِد الأمّ باستعادة ابنتها الغائبة.

تجلّى خلال الندوة كيف ينكسر وهم المرآة في الرواية، وكيف تتلاشى الملامح التي كانت تُعيد للأم ذكرى ابنتها الراحلة هند. وفي مواجهة هذا التحوّل القاسي، تتنكّر الأم لهنادي وتُنكر وجودها، وتُبعدها عن الأنظار. لتجد هنادي نفسها مُغيّبة بين عالمين، بين صخب بيروت وغموض باريس، بينما تُغرِق رياح الذاكرة المتقلّبة كلا المكانين في بحر من النسيان، وتمحو الحدود ليصبح النسيان نعمةً تُسبغها السماء على فراغ هذا العالم. 

ولم تقتصر بركات في روايتها على سرد قصّة شخصيّة مؤثّرة، بل تجاوزتها لترسم، من خلال مصير هنادي، صورةً مُرَكَّبة ومعتّمة لانهيار الوطن. وقد أُشير خلال الندوة إلى أنَّ التشوّه الجسديّ الذي تعانيه هنادي ليس تفصيلًا شخصيًّا فحسب، بل انعكاسًا للمأساة اللبنانيّة الجماعيّة، كما أنَّ حياتها على هامش العالم تجسيدٌ لحالة الشتات والضياع التي يعيشها الكثيرون في زمن التحوّلات العاصفة.

 في مفتتح النقاش، تمّ التساؤل عن الرابط بين ثنائيّة الجمال والقبح على المستويين الجسديّ والاجتماعيّ وعلاقتها بتحوّلات المدن. وقد أوضح هذا التساؤل كيف أنَّ الرواية لا تدرس هذه الجدليّة بشكل أكاديميّ، بل تنبع من تجربة المعيشة في لبنان، حيث يجد المرء نفسه دائمًا في حالة من التأزّم والحدود المشتبكة، ممّا يجعل العلاقة بالوطن أمرًا بالغ التعقيد.

 كما عالجت الندوة ما إذا كانت عزلة هنادي ونفيها، سواء في علاقتها بوالدتها أو في الغربة، تحمل رمزيّة لحالة الشتات التي يعيشها الكثيرون. وعلى الرغم من تأكيد الكاتبة على أنّها لا تنطلق من نظريّات مُسبقة، إلّا أن حضور هذه الأفكار في طريقة التعبير الروائيّ يعكس انشغال الوعي الجمعيّ بهذه القضايا باستمرار، ممّا يجعل مصير هنادي يلامس تجارب إنسانيّة أوسع.

في ختام الأمسية، تمّ التوقّف عند الأسلوب السرديّ المميّز الذي تنتهجه هدى بركات، وقدرتها اللافتة على الموازنة الدقيقة بين السرد العاطفيّ العميق والتأمّلات الفلسفيّة التي تتخلّل ثنايا الرواية، خاصّة في تأمّلات هنادي حول الوجود والفقدان والذاكرة. وقد جرى استكشاف كيف استطاعت بركات تحقيق هذا الانسجام بين الألم الشخصيّ والتساؤلات الوجوديّة، ممّا أضفى على العمل عمقًا إنسانيًا وفكريًا بالغ الأثر.

مقالات من نفس القسم