هل يحب عمر هذه المدينة ؟!

هل يحب عمر هذه المدينة ؟!
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد عبد المنعم رمضان

دعيت منذ أسابيع قليلة لحضور مناقشة رواية (لا أحب هذه المدينة) الصادرة حديثا للكاتب عمر حاذق, ولكن ولظرف قهرى قد لا تحب هذه المدينة بسببه, أقيم الحفل فى غياب كاتبها!  

  كنت قد قرأت قبل أسابيع أخرى عن هذا الشاعر المصري السكندري الذى حكم عليه مع رفاقه لؤي قهوجي واسلام حسنين بالسجن لمدة عامين بسبب خرق قانون التظاهر على خلفية قيامهم بوقفة احتجاجية أمام محكمة الإسكندرية ضد قتلة خالد سعيد. لاحقا صححت لى أخته المعلومة وقالت لىّ أن الضباط قد أعتدوا وأعتقلوا صديقه لؤى قهوجى أولا وعندما تقدم عمر نحو الضابط يسأله عن زميله, كان رد الضابط أن اعتقله هو الآخر.

  عندما اشتريت الرواية بنفس يوم المناقشة, كانت فكرة الكتابة عن هذا العمل تراودنى, لم أكتب أبدا عن أى عمل أدبى إلا بصفحتى الشخصية على موقع (جودريز), ولكن الأجواء المحيطة بالحدث كانت تشجعنى أن أعرض رواية الكاتب الحبيس للقراء, فإن كان عمر حبيسا فلا يجب أن تكون كتاباته حبيسة هى الأخرى, إلا أن سببان كادا يمنعانى من الكتابة عن الرواية, الأول أننى لا أثق كثيرا فى الأعمال المحفوفة بالأزمات السياسية أو الدينية أو الرقابية, والثانى أننى لم أملك بعد الأدوات اللازمة لنقد عمل أدبى بشكل مدروس وعلمى. أشتعل حماسى مرة أخرى عندما علمت من شقيقته بذات اليوم أنهم يبلغونه فى الزيارات الأسبوعية بتطورات نشر رواياته, حيث أن روايته الأخرى مازالت تحت الطبع, ويطلعونه على الرسائل الإلكترونية, أو المكتوبة, على الآراء الخاصة بعمله, على فيديوهات وصور مناقشة روايته, وعلى كل ما يتناقله الناس حوله أو حول كتاباته. وعدتها أن أكتب له رأيي فى الرواية بعد أن أتم قراءتها. لم أكن متأكدا أننى سأفى بوعدى, ولكننى وعدت. استرحت بعدما تبخر السبب الأول لترددى, وهو الشك بمستوى الأعمال المحفوفة بالضجات حيث أننى استمتعت برواية عمر الآخاذة. أما عن السبب الثانى, فلا يسعنى إلا ان أعتذر لكم وأخبركم أن مساهمتى هذه مجرد رأى شخصى وانطباعى لا يستند إلى أى نظريات نقدية صلبة.

قال حورس لصديقه بافيميوس بنهايات الرواية ” أريد أن نلون الحياة بلون الفرح والمحبة, معا يا أخى.” وكان هذا هو ما يسعى إليه حورس منذ أن رحل عن قريته الصغيرة متجها نحو المدينة الصاخبة, وهى الإسكندرية فى حالتنا, باحثا عن تلوين العالم وتخليده عن طريق رسومه. وعد أمه وأخته بأن يلون حياتهما ويأتيهما بكل أشكال الرفاهية والنعيم, أن يرسم لهما بورتريهات ملونة بعدما يعود, تنطق بملامحهما حتى لا تضل عنهما أرواحهما بعد الممات. وهكذا كان حورس بطول روايته, تحركه عاطفته نحو النساء, عاطفته نحو أمه, ومن بعدها عاطفته نحو (ديونيسيا), دفعته عواطفه تلك فى رحلات طويلة يخوضها مصطحبا جحشه, أو أخيه كما كان يسميه.

  اللعب مع الحيوانات فى رأيي من أجمل الألعاب الكتابية وأعذبها, وقد أجاده الكاتب ورسم تلك العلاقة العميقة بين حورس والجحش -أخيه-  بشكل رقيق حساس, حيث يرافقه الجحش بطول رحلته, يؤنس وحدته, يشاطره أحزانه, ينقذه ويسديه النصائح أيضا.

  يصحبنا حورس معه خلال رحلته بين ثقافات مختلفة, انطلاقا من قريته حيث يعبدون الآلهة الفرعونية إلى المدينة التى يسيطر عليها الإغريق وتابعوهم بآلهتهم التى يكرهها حورس, وصولا إلى احتكاكه بالأقليات اليهودية, ومن بعدها الأقليات المسيحية المضطهدة, وانغماسه فى مجتمعهم السرى حيث جذبته أدعيتهم لما بها من شبه بأدعيته لرع, وجذبته السيدة مريم حيث وجدها شبيهة بأوزوريس. وككل خطوة بحياته, فإن إمرأة أيضا هى من قادته للمسيحية, ديونسيا التى أحبها وأول من رسم لها (بورتريه).  يرى حورس فى صورة السيدة العذراء (بورتريه) لأمه, ومن ثم يبدأ فى التحول من رسم البورتريهات إلى رسم الإيقونات, وهو فن قبطى قديم يصور العائلة المقدسة وحياتها.

  فى أثناء رحلة انتقاله من أديان الفراعنة إلى دين المسيحية يصيغ لنا الكاتب فهم حورس للأديان بشكل مختلف عن السائد والمألوف حيث ظل حورس يعبد آلهة الفراعنة والمسيحية معا فى امتزاج غريب دون أن يشعر بتناقض ظاهر, فيصلى للمسيح ومن بعده لرع, أو لمريم ومن بعدها لأوزوريس, مزج دين أبويه بالدين المسيحى ليصنع لنفسه اعتقادا شخصيا أعم وأشمل.

    بدت بصمة عمر حاذق ظاهرة جدا فى تحولات لغته برشاقة ومرونة ودون نقاط فاصلة, كتدرج الزرقة بالبحور, بين مراحل الشخصية المختلفة, حورس المراهق القروى الساذج ثم حورس الأكثر نضجا ومراهقة وتهورا وجرأة, وصولا إلى حورس المظلوم البائس الحزين بنهاية الرواية. لم يكن تنقل عمر بين مراحل الشخصية المختلفة ظاهرا بالأحداث والأجواء ووعى الشخصية فقط, ولكنه كان واضحا أيضا باللغة والمفردات المستخدمة بكل مرحلة منهم.

 النقطة الوحيدة التى قد أخذها على الكاتب أنه فقد الإيقاع للحظات وبالتحديد بمنتصف الرواية حيث تنقلنا بين عديد من البورتريهات والأشعار بشكل سريع ومتكرر أفقد العمل بالقليل من صفحاته عنصرى التدفق والتشويق اللذين كانا ظاهرين بوضوح بباقى العمل.

   إجمالا, نجح عمر حاذق بروايته الأولى أن يرسم لنا (بورتريه) جميلا ومتقنا لشخصية حورس بتغييراتها, وأن يرسم أيقونة عصرية لتلك الفترة من التاريخ.

 ولكن السؤال الذى لم يفارقنى طيلة قراءة الرواية, إذا كان حورس قد كره تلك المدينة لما تعرض له من ظلم وقهر واستعلاء واحتقار من السادة الإغريق والسكندريين المتأغرقين, لم يحبها لما طال كل من أحبته وأهله من عذاب واضطهاد, فماذا عن عمر نفسه وهو يتعرض الآن لظلم مشابه بنفس المدينة بعد آلاف السنين, فهل لايزال عمر يحب هذه المدينة؟

 

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم