هل كنت ضحية حادثة شرف؟

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

في قصة حادثة شرف ليوسف إدريس تتعرض البطلة "فاطمة" للتحرش الجنسي. تمشي في الغيط يظهر لها أحد الأشقياء فجأة. من الصدمة تصرخ وتسقط. يهرب الفتى. 

ليست هذه هي حادثة الشرف ولا حادثة التحرش.التحرش يحدث عندما يظنها أهل البلدة ومعهم أخوها أنها قد اغتصبت. لا تستطيع فاطمة إنكار التهمة عن نفسها لأنهم لا يصدقون .و يكون الحل في الكشف عن عذريتها ” زي الجيش كدة” التحرش هنا معقد. هو إجبار الفتاة على انتهاكها لأجل إثبات براءة لا تحتاجها من جريمة لم ترتكبها. فإما أن ترفض حفظاً لكرامتها وهنا تصبح الظنون يقيناً. أو تقبل الكشف وبذلك تكون خضعت لقانونهم المريض.

 أول مرة انتبهت للعبة الرائعة في القصة بأن حادثة الشرف ليست محاولة الفتى اغتصابها بل إجبارها على إثبات براءتها من التهمة غير الموجودة. كان ذلك في جروب “سياسي” على الفيس بوك عندما اختلف اثنان أحدهما إسلامي والآخر علماني. فإذا بالإسلامي يتهم العلماني بأنه شخص وهمي مزيف وأنه يعرف شخصيته الحقيقية. وعليه أن يتواصل معه على الشات ويشغل الكاميرا لإثبات العكس. طبعاً رفض الفتى كان معناه أن تثبت التهمة غير الموجودة عليه بأنه شخص آخر. رغم أن ذلك لا يعيبه. ولو قبل فهو انتهك بالفعل. خضع لقانون وضعه شخص مريض لقمع معارضيه.

 ثم أدركت أن الموضوع كبير فهو أقرب لفكر محاكم التفتيش فإما أن تعترف بأنك مهرطق يتلبسك الشيطان فتنجو أو ترفض الاعتراف “لأنك برئ بالفعل” حينئذ تقتل وتصادر أملاكك وتوصم عائلتك للأبد. كما أن أشهر حادث انتهاك في تاريخنا هو رفع المصاحف على أسنة الرماح والمطالبة بالتحكيم في الفتنة الكبرى. وهي المسألة التي اقترحها عمرو بن العاص على معاوية “سألقى لهم أمرا إن قبلوه اختلفوا وإن رفضوه اختلفوا” فهو هنا ألقى بمعضلة لعلي بن أبي طالب. لو رفض تحكيم كتاب الله فهو مخالف للعقيدة وسيختلف معه بعض رجاله. وإذا وافق فقد خضع لقانون عمرو بن العاص ووقع في فخه. وسيخسر أيضاً بعض رجاله.وإليكم كمية التحرشات/ الانتهاكات التي نتعرض لها:

 – عندما يختلف اثنان على مسألة دينية فيقوم أحدهما بسؤال الآخر: هل تصلي؟ لو رفض الإجابة لأنها مسألة شخصية او قال لا فالتهمة ثبتت عليه فهو لا يصلي طبعاً وتثبت وجهة نظر الآخر بأنه يختلف معه لأنه –خصمه- إسلامه ليس صحيحاً. ولو أجاب نعم أصلي فقد وقع في فخ التقييم الذي وضعه خصمه واستجاب لضغط التشكيك في دينه وصلاحيته للحديث عنه.

– هل صليت على النبي اليوم؟ هل استغفرت؟ انشرها بقدر حبك للنبي. كل هذه الشعارات لو رفضتها فأنت ضد الإسلام. ولو قبلتها فأنت تثبت وجهة نظر شخص رجعي بأن الإسلام- الذي يراه هو- هو الأعم بين الناس.

– إما أن تقبل بكل ما يفعله النظام الجديد من انتهاكات وقتل وقمع. أو تكون إخواني.

-إما أن تنزل الانتخابات –حتى لو أبطلت صوتك- من أجل إظهار العدد الغفير. وهذا يعني شرعية للنظام الجديد وأنك من ضمن القطيع الذي يسانده حتى لو انتخب الآخر. أو تتحول لخائن لوطنك.

– أما أن ترتدي الحجاب/النقاب/ تلزمي المنزل. أو يتم إهانتك مع كل خطوة في الشارع باعتبارك مشروع مضاجعة. ففعل التحرش ذاته ليس المشكلة إنما القانون غير المرئي الذي يقره الرجال وينفذونه في كل مكان مع أي انثى.

 الفكرة أنك – كفاطمة – خاسر في الحالتين. أنت فقط تختار ما ستخسره . علي بن أبي طالب قتل لأنه قبل ولو رفض كان سيقتل أيضاً. ضحايا محاكم التفتيش إما قتلوا لرفضهم أو عذبوا لتزويرهم الاعتراف… وأنك – كفاطمة- أيضاً قد تحولك التجربة للنقيض. فالفتاة الشريفة بعد انتهاكها تحولت لعاهرة. أي اصبحت الشيء الوحيد الذي لم تكنه والشيء الوحيد الذي اتهمت به.. تماماً مثل من يتحولون عن الدين لأنهم لم يكسبوا بالحديث فيه إلا الاتهام فيكفرون بالمنظومة كلها. أو من يتحولون للإرهاب لأن السلطة بطشت بهم لأنهم مواظبون على الصلاة في المسجد.المهم أن فاطمة بعد تحولها لعاهرة صارت هي الطرف الأقوى الذي لا يهمه أحد. التي تنظر لأخيها مهددة إياه بالفضيحة فيرضخ. والتي لا يستطيع أهل البلدة اتهامها الآن بشيء لا أدري لشعورهم بأنها صنيعة أياديهم أم لأنهم صاروا زبائنها.

 

 

مقالات من نفس القسم