هل علينا جميعا أن نصبح نسويين؟

تشيماماندا
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

نشوى مصطفى

الإجابة باختصار في رأيي لا

وذلك رغم إعجابي الشديد بأفكار تشيماماندا، فيما يخص قضية المرأة. فقد قرأت العديد من الكتابات والأعمال الأدبية النسوية، بداية من قاسم امين، ونوال سعداوي، وأليف شافاك، وإيزابيل الليندي وكانت أفكار تشيماماندا هي الأقرب والأكثر قدرة على التعبير عن القضية.

فما هي إذن نقاط إختلافي مع أفكار تشيماماندا؟

نقطة الاختلاف الأولى هي التسمية

ما هو سبب اختيار مصطلح النسوية بالذات للتعبير عن مواجهة ظاهرة الذكورية في المجتمع؟ خصوصا وأنه المقابل اللغوي للفظ ذكورية. فكيف نطلق على تلك الحركة أسم مشتق بنفس منطق اسم تلك الظاهرة المرفوضة؟

تقول تشيمامندا إن أحد الأشخاص سألها “لماذا كلمة “نسوية” لماذا لا تقولي أنني أؤمن بحقوق الإنسان أو شيئا من هذا القبيل” فكان ردها: لأن الإنسان الواقع عليه الظلم هو أنثى.

صحيح، ولكن هل نرفض الظلم الواقع على الأنثى لأنها أنثى أم لأنها إنسان؟

وهل الأنثى فقط هي المتضررة من ظاهرة الذكورية في المجتمع؟ أم أن الظلم يقع على الرجل أيضا؟

أكدت تشيماماندا في أكثر من موضع على التأثير السلبي للأفكار الذكورية على الرجال

تقول تشيماماندا: “في المدرسة الثانوية يتواعد الصبيان والفتيات للخروج معا. إنهم مراهقون، ولا يملك أي منهم سوى مصروف جيبه القليل، ورغم ذلك المتوقع من الصبي أن يدفع هو الفواتير دوما في إثبات لرجولته، (ثم نتساءل لماذا الصبيان هم أكثر من يسرق المال من ذويهم).

وفي مجتمعنا نسمع عن العديد من حالات الانتحار بين الرجال خصوصا الأباء. والسبب المتكرر هو أزمة مالية أو صعوبة الحصول على عمل أو صعوبة الاستمرار فيه. فلا يجد الرجل أمامه من طريقة للهروب سوى الانتحار، وأحيانا يسبق الانتحار قتل الأبناء بطريقة رحيمة.

كما يحرم الرجل منذ الطفولة من التعبير عن مشاعره الطبيعية كالحب والضعف والخوف، وهو مطالب طول الوقت أن يكون حاسم وقاطع وعملي حتى في حياته الشخصية، ونتيجة هذا الكبت العاطفي فإن أكثر المصابين بأمراض الضغط والسكر والسكتات القلبية والدماغية من الرجال

كما أن الرجل في المجتمعات التي تقلل من قيمة المرأة ولا ترى أي ضرورة للأهتمام بعقلها وتفكيرها وشخصيتها يحرم من شريكة الحياة الصديقة التي تشاركه إهتمامته وأفكاره، كما أن شخصية الأم هي أكثر شخصية مؤثرة في تكوين شخصية الطفل. فيكون تأثيرها في مجتمعنا غالبا تأثير سلبي

نقطة الاختلاف الثانية

هي طبيعة الشخصية المؤهلة للدفاع عن قضية المرأة.

كثيرا ما يؤدي كثرة الشعور بالظلم إلى التعصب والتطرف في الدفاع عن قضية المرأة، وتعترف تشيمامندا بشكل ما أنه يصعب التخلص من عقدة الشعور بالاضطهاد حينما سألها رجل أسود لماذا تتحدثين دائما عن نفسك باعتبارك امرأة؟ لماذا لا تتحدثين عن نفسك باعتبارك انسان؟ فتقول لأن جزء من تجاربي كان بسبب كوني امرأة. وهذا الرجل نفسه عانى من كونه رجلا أسود، وكان يتحدث كثيرا عن ما تعرض له من اضطهاد بسبب لونه. ولكن حتى تقنع الاخريين أنك تدافع عن قضية بشكل موضوعي لابد أن تتخلص من اي إحساس بالظلم

مفهوم النسوية بشكل مجرد من المفترض أن يكون مفهوم إيجابي فهو يعبر عن حركة ترفض التمييز ضد المرأة لمجرد كونها أمرأة، لكن الملاحظ أن المصطلح أكتسب سمعة سيئة وأصبح في بعض الأحيان وكأنه سبة .  فإذا كانت الشخصية النسوية فتاة فهي غالبا معقدة كارهة للرجال . أو هي غير مرغوبة منهم فقررت اعلان الحرب عليهم.  أو لو كان رجل فهو إما رجل غير مكتمل الرجولة أو يدعي التعاطف مع المرأة لأغراض أخرى”التظبيط”

وللأسف إن هذا الانطباع يحمل جزء من الحقيقة لأن هناك بعض الأشخاص تطرفو في الدفاع عن المرأة لدرجة التحيز الأعمي بشكل مبالغ فيه لأسباب قد تكون نابعة من طبيعة شخصية أنانية متعصبة. أو قد تتضمن تعرض بعض منهم لظلم كبير فتشوهت نفسيتهم وأفكارهم وأصبحو غير مؤهليين أن يتعاملو مع القضية بشكل موضوعي و متزن. ويتحول مفهوم النسوية بشكل مجرد إلى تطرف في الدفاع عن المرأة فقط لأنها امرأة وبغض النظر عن موقفها الى نوع من أنواع التعصب الأعمى ولا يختلف كثيرا عن الذكورية

 هناك قصة انتشرت في وسائل التواصل من فترة في أعقاب قضية “متحرش التجمع الخامس” عن فتاة نشرت قصتها مع شخص مشهور يعمل في مجال “اللايف كوتشينج”  ارتبطت به لفترة وأعلنت أنها تعرضت أثناء علاقتها به للاستغلال والابتزاز العاطفي  والتحرش الجنسي وأحيانا الاغتصاب.  تسببت قصتها بالتشهير بذلك الشخص والإساءة لسمعته وخرج بعد فترة بقصة مناقضة تماما يحاول أن  يثبت بها براءته. طبعا من الصعب الجزم بتحديد صحة أي من القصتين. لكن لو افترضنا أن الشاب فعلا تعرض للظلم وافترضنا كذب الفتاه واستغلالها حالة الغضب التي سادت المجتمع تكون هذه القصة فعلا نموذجا لتوحش بعض الأطراف باسم الحركات النسوية، وتحولها لشكل من أشكال التعصب، واستغلال ظلم قد يقع على البعض لابتزاز المجتمع، ومبررا للتغول وظلم الطرف الآخر. وتفسر سبب السمعة السيئة لمفهوم النسوية واستغلال المتعصبين الذكوريين على الجانب الآخر لتلك الحالات وإسقاطها على الفكر النسوي في مجمله

هل معنى ذلك أنه لا يحق للمرأة التي تعرضت لظلم المجتمع واضطهاده لكونها أمراة أن تدافع عن قضايا المرأة ؟ بالطبع لا. ولكن لابد أن تحاول فصل تجربتها وتحاول أن يكون موقفها موضوعي ومتزن وغير متحيز للمرأة في المطلق.

 

نقطة الخلاف الثالثة

هي طريقة مواجهة وتغيير الأفكار الذكورية.

تعتقد تشماماندا في ضرورة التمرد على الأفكار الذكورية وتغييرها بشكل ثوري وهو أمر غير واقعي وغير عملي بالمرة وأحيانا يتسبب بنتائج عكسية ويتحول لرفض ومعاداة للأفكار النسوية في مجملها

فالحل لابد أن يستهدف التغيير التدريجي في الأفكار وهو ما لا يمكن أن يتم بشكل آني. كما لابد أن تستهدف الحلول العملية السريعة أكثر الأثار السلبية تطرفا ويكون لها الأولوية في التركيز على التصدي لها مثل العنف والتحرش والاغتصاب وقضايا الميراث والتفرقة في سوق العمل والوصول لمناصب معينة بجانب محاولة التغيير في الأفكار بشكل واقعي وتدريجي

الخلاصة أن منطق الدفاع عن قضايا المرأة الذي يرفض تعرضها للظلم نتيجة الممارسات الذكورية بشكل صادق وموضوعي هو منطق لا يدافع عن المرأة المظلومة لأنها امرأة بل لأنها إنسان ومن نفس المنطلق يرفض تعرض رجل للظلم أو الاضطهاد لانه غير مسلم أو للعنصرية لانه أسود وهكذا الإنسان الموضوعي ينحاز دائما للإنسان، ويرفض تعرضه للظلم لأنه إنسان بغض النظر عن جنسه أو دينه أو لونه.

وبناء عليه، لا يجب علينا جميعا أن نصبح ذكوريين ولا نسويين.

علينا جميعا أن نصبح إنسانيين.

مقالات من نفس القسم