محمود نجيب
هدئ السرعة.. هناك منطقة سكنية للهموم.
الهم الثقيل يلزم الطريق الحر.
أعتقد أن انتصارنا الأكبر هو ألا نخسر وألا نربح..انتصارنا الأكبر هو أن ننجو..ننجو فحسب..التيار لا يسمح لنا بأن نربح….يكفي أن نوجد لنرد الخطر ونبقي في المباراة إلي أن يصيبنا التعب..التعب..التعب الدي يقتلنا كل ليلة بعد يوم حافل من العمل..التعب الذي يسخر من جرعة المسكن كلما زادت..التعب الذي يقاوم المهدئات في المصحات النفسية..التعب الذى يستنزف الدول المحتلة ويجبرها على الاستسلام فى نهاية الأمر…التعب الذى يستنزف الدول المحتلة ويجبرها على الاستسلام فى نهاية الأمر.
الرأسمالية هي نظام وضع بالأساس ليخبرنا أننا عاجزون مهما كنا مثاليين..بل أن المثالية تزيد من فرصك أن تصبح شخصا مشردا فى نهاية اليوم.
هدئ السرعة..هناك منطقة سكنية للآلام.
احتاج العالم إلي حرب عالمية ثانية حتي يدرك أن الحروب تجلب الدمار..الدمار فقط لا شيء آخر..واحتجت أنا إلي رؤية فتاة مرتين في المواصلات حتي أطلق عليها أنها جميلة..”التانية تابتة” على ما أعتقد..الثالثة إهدار للوقت.
كانت خطوة جيدة أن ينتقل الإنسان من الصيد والكهوف إلي اكتشاف الزراعة والنار..ولكنه بالغ في تعقيد نفسه بعد ذلك..بالغ بشدة..يكفي أنه وضع الديدلاين.
بطاقتي الشخصية انتهت منذ شهر..ذهبت لتجديدها..باعتباري خريجا وأنا كذلك بالفعل..ذهبت بين المكاتب..أتنقل..المسئولة تقول أنت لست على قوتنا..أنت الآن خريج ولست طالبا..لن نوقّع لك أوراقك.
ذهبت لمسئولة الخريجين قالت: بياناتك لم تصلنا بعد..أنت لست خريجا علي قاعدة البيانات بعد..لن نوقع لك أوراقك.
ذهبت إلى الأوراق قالت أكره الإنسان..لانثق فى توقيعه..وافقتها الرأى وأكملت الطريق.
ذهبت إلى الأحوال المدنية أسألها عن حالها قالت بخير..أحوالنا مدنية وليست عسكرية.
هدئ السرعة هناك منطقة سكنية للفشل.
دعنى أعقد مقارنة حساسة بين الأدوية والقرارات..الأدوية تخضع لمراحل متعددة..يتم اختبارها أولا على الحيوانات حتى تقيس مدى فاعليتها..ثم على الإنسان عن طريق التجارب السريرية التى تلزم بالقوانين الصارمة..ثم رقابة أثناء تصنيعها..ثم متابعتها بعد نزولها..القرارات تخضع لمرحلة واحدة..لا يتم اختبارها ولا تجربتها ولا رقابتها ولا متابعتها..الأدوية مملة وتجلب الشفاء..القرارات متهورة وتجلب الشقاء.
ذات مرة أصبت بنزلة برد فى السادسة من عمرى، ولكن لا أعرف لماذا أصررت على الذهاب الى المدرسة حينها..كنا فى رمضان ولا أدري من أين أتى هذا الطفل بتلك الحماسة التى جعلته يذهب الى المدرسة صائما مريضا..أخبرتنى أمى أن عليّ ألا اصوم هذا اليوم ولكنى رفضت..رفضت بشدة..فأعطتنى البسكويت فى حقيبتى الممزقة هذه مخبرة إياى أن البسكويت ليس من المفطرات لطفل مثلى..فرحت كثيرا…وعن اقتناع شديد أكلته أمام اصدقائى الذين يتظاهرون بأنهم صائمين ايضا لأننا رجال أشداء بحركات ايادينا وألسننا التى تثبت صحة صيامنا..تعجب صديقى فقلت له بكل ثقة: إن بسكويت الكراون والشمعدان مباح لمن هم فى سننا فى صيامنا أيها الغبى..وعندما عدت الى بيتى علمت أننى بذلك قد أفطرت وأننى لم أعد صائما فى هذا اليوم..آآآه..يبدو أن فشلى مادة للسخرية منذ الصغر.
هدئ السرعة..هناك منطقة سكنية للحب.
النصف الآخر يشعرك بالأمان..النصف الآخر متوتر..أنت أيضا متوتر..أنتما معا فى أمان..الطبيعى أن توتراً زائد توتر يساوى توترا مضاعفاً..لكن فى الحب: توتر زائد توتر يساوى أماناً..هذا سحر.
أما آن لنا أن نجرب السحر ؟
هدئ السرعة..هناك منطقة سكنية للنهايات.