حاوره: إيهاب محمود الحضري
هاني عبد المريد، روائي وقاص مصري، نشر أولي مجموعاته القصصية “إغماءة داخل تابوت” عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2003 وأتبعها بروايته الأولي “عمود رخامي في منتصف الحلبة” عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، فازت روايته “كيرياليسون” بجائزة ساويرس في الرواية عام 2009، ثم فازت آخر مجموعاته القصصية “أساطير الأولين” بنفس الجائزة في فرع القصة القصيرة عام 2013. ينشغل عبد المريد بفكرة الوحدة وهو ما تعبر عنه روايته الأخيرة “أنا العالم” التي يحاول بطلها “يوسف عبد الجليل” أن يصوغ عالمه الخاص كنوع من الهروب من واقعه الذي يرفضه ولا يتعاطي معه، وذلك عبر استحضار الأسطورة التي تساعده في فعل ذلك وهي من ملامح الكتابة عند عبد المريد الذي يعترف: ” أحب هذه اللعبة”.
يوحي العنوان “أنا العالَم” بالنرجسية وكذلك الوحدة.. أيهما قصدت؟
صحيح أن العنوان يشير إلي مفهوم النرجسية وكذلك الوحدة، ولكنه أقرب إلي مفهوم الوحدة. البطل هنا يحاول ابتكار عالمه الخاص بتفاصيله الدقيقة الخاصة به وحده، يعيش داخله وينسج خيوطه بنفسه.
ماذا أردت أن تقول عبر الرواية؟
لست من هؤلاء الكتاب الذي يحدد في أي اتجاه تسير روايته أو يختار شيئاً بعينه ليكتب عنه رواية، وبناء الرواية يكشف ذلك، تجده يبتعد كثيراً عن بناء الرواية الموجهة التي تستهدف قارئاً ما أو تريد أن توجه الرأي العام باتجاه فكرة ما، ولكن ما أردت التحدث عنه هو مفهوم الوحدة، الوحدة التي باتت إحدي سمات حياتنا اليومية، سواء الوحدة التي جاءت كنتيجة بارزة للتطور التكنولوجي الذي جعل كل واحد منا في ناحية بعيدة عن الآخر، أو الوحدة بوجه عام كأنها قدر علي الإنسانية بوجه عام، هذه الوحدة التي تحاول جاهداً طيلة الوقت أن تهرب منها، سواء فعلت ذلك عبر الكتابة أو خلال السير علي التقاليد المتوارثة والمتعارف عليها في مجتمعاتنا، كأن تأخذ خطوة الزواج لتنجب أطفالاً فيتكون عالمك الذي تهرب فيه من عالمك الآخر الذي تقبع بداخله وحيداً ثم تكتشف في نهاية المطاف أن الأمر برمته محض وهم، كل ما نفعله في حياتنا لا يعدو أن يكون محاولات للهروب من الوحدة، كل علي شاكلته وكل بطريقته الخاصة التي تتناسب وقدراته الخاصة وطريقته في التفكير وإدارة الأمور.
يعتبر ملمح الوحدة من الملامح الرئيسة لرواياتك وليس للعمل الأخير فقط…
لقد التفت إلي ذلك مؤخراً، قبل أن أنشر روايتي “أنا العالم“. أدركت أن الأمر يحدث بطريقة لا إرادية ودون قصد مني وكأني أكتشف ذاتي من خلال الكتابة، فأجد نفسي أتحدث عن أشياء لم أكن أظنها تسيطر علي تفكيري بهذا الشكل، وهذه إحدي طرق البحث عن الذات، الكتابة، هذه المحبوبة التي نستطيع بها سبر أغوارنا والتعرف علي ذواتنا، والوصول لمناطق لم تكن معلومة بالنسبة إلينا. لم أكن أعلم أني مشغول بمعالجة فكرة الوحدة إلي هذه الدرجة حتي اكتشفت ذلك. تقريباً لا يخلو عمل لي من التعرض للوحدة ولكن بشكل مختلف في كل مرة، ولكن في النهاية يبقي التناول مختلفاً ولكن الفكرة واحدة لا تتغير.
لماذا تستحضر الأسطورة عادة في رواياتك؟
أحب هذه اللعبة. أن أختلق أسطورة أو أستدعيها من حياتنا المعيشة التي تحتوي في تفاصيل كثيرة منها علي جانب أو منحي أسطوري. نحن نعيش داخل أسطورة حقيقية. الأمر يستهويني جداً، وأغلب قراءاتي في البدايات كانت عن الأساطير ويعتبر كتاب “الأساطير اليونانية” لدريني خشبة من الكتب الأثيرة عندي. هذا لا ينفي فكرة الرغبة في خلق عالم بديل لهذا العالم الذي نعيش فيه وهو لا يبتعد كثيراً عن مفهوم الوحدة.
قلت في حوار سابق إن المبدع “أكبر مدلس“..لماذا؟
هذا صحيح، المبدع يزين لنا الحياة والحياة في النهاية تعج بالشرور التي لا حصر لها، وإن جلست لتتابع الأخبار اليومية ستجد المزيد من العنف والدماء المسالة، وبمجرد أن تجلس لتستمع إلي مقطوعة موسيقية لبيتهوفن مثلاً ستجد الحياة وردية جميلة تستحق أن تعيش فيها، وكذلك إن شرعت في قراءة كتاب مفضل لديك ستجد الأمر رائعاً ولا أزمات علي سطح الكوكب. كثيراً ما يكون الإبداع أحد أنواع الهروب من الواقع، كأنك تلجأ إلي منطقة آمنة، وهذا ليس أمراً سلبياً، بل إننا يمكننا النظر إلي الأمر علي أنه مخرج أو متنفس كي نتحمل العيش في هذه الدنيا.
نعرف في منتصف الرواية أن الطبيب هو من أخبر “يوسف” بطل القصة أن يكتب ليواجه آلامه.. برأيك، هل لا تأتي الكتابة إلا بدافع الفقد والألم والحزن؟
ليس دائماً. في كثير من الأوقات نقرأ كتابات مبهجة، ولكن الأمر قد يكون متعلقاً بشخصية الكاتب في النهاية، بمعني أن يتعلق بالمحرك الذي يدفع الكاتب نحو الكتابة.
ومن أين تأتي تلك الكتابة المبهجة التي تتحدث عنها؟
أنا شخصياً، أجد أن الأمر يسير بشكل أفضل في هذه الحالة. لا أعرف إن كان الأمر يتعلق بي كشخصية كئيبة “يضحك“. في النهاية فإن المسألة نسبية باختلاف الكاتب عن آخر، وحتي في قراءاتي فأنا أفضل هذا النوع الذي يحتوي علي دراما، أما الروايات أو الأعمال الفنية التي تغلفها الرفاهية فلا أتقبلها.
أشرت في الرواية إلي فكرة وجود رقيب يدس الصفحات لبطل الحكاية. كيف تري حرية الرأي والتعبير في هذه الأيام؟
الأمر هنا يتعلق بجانبين، الأول تقني يختص بالناحية الفنية حيث أني في وقت ما، أثناء كتابة الرواية، وجدت الإيقاع صار بطيئاً بعض الشيء ويحتاج إلي عنصر جديد لضبط هذا الإيقاع ففكرت في أن يأتي الرقيب ليدس صفحات بعينها داخل ما يكتبه “يوسف” بطل الرواية، الجانب الثاني يختص بالناحية الواقعية، فنحن نعاني من مشاكل كثيرة مع الحريات. منذ بدأت نشر رواياتي في عام 2003 ومشكلة الرقابة علي الأدب والكتابة موجودة وحتي هذه اللحظة التي نتحدث فيها لم يتغير شيء. أري أن الأمر لا يجب أن يتوقف عندي بل من الضروري ومن الواجب أيضاً أن يكون هذا هو هم كل كاتب لأن الكتابة في هذا الموضوع تعتبر دفاعا عن الوجود، عن وجودك ككاتب. ما حدث مؤخراً مع الكاتب أحمد ناجي يعد خير دليل علي ما أقول وعلي أن الأمر جلل، ولابد من فعل شيء. الدولة لديها مشكلة مع الخيال بشكل عام، عندما يخرج أحد رجال الأعمال الفاعلين مؤخراً ليصرِّح بأن مشكلة هذا البلد تكمن في مثقفيها. الكاتب هو أزمة الحاكم الذي لا يعتبره مصدر أمان أو ثقة بالنسبة له، وبدلاً من أن يستفيد من المقالات والكتب التي تنشر تباعاً، تجده يعتبر ذلك دليلاً علي عداوتك له.
تكتب الرواية والقصة القصيرة. أيهما أقرب لك؟
لا أريد التفريق بينهما، هذا فن وهذا فن، وفي النهاية فإن الفكرة هي التي تختار القالب الذي يناسبها كي تكتب داخله. لديَّ ثلاث روايات وثلاث مجموعات قصصية وكأنني أعدل بينها. لا أكترث لما يحتاجه سوق الكتاب أو ما يطلبه الناشر ويكون رائجاً عنده، أكتب لنفسي وسواء كانت رواية أو قصة قصيرة، فأنا حين الانتهاء أكون كمن ملك الدنيا وتكون سعادتي عظيمة.
ما الجديد عندك؟
أعمل الآن علي مجموعة قصصية قاربت علي النهاية وأظنها تصدر خلال الشهور القادمة، كما أن هناك رواية انتهيت من كتابتها ولكنها لن تنشر الآن. ما زلت أعيش معها وأحاور شخصياتها ولم أنتهِ بعد من مراجعتها، ولكن المجموعة هي التي ستصدر أولاً، هكذا أسير علي عادتي فأنا أكتب مجموعة قصصية ثم رواية ولا أعلم لماذا. حتي الآن لم أكتب روايتين متتاليتين أو مجموعتين تباعاً، ولكن مجموعة تتبعها رواية.