هاتف

حسين عبد الرحيم: "زووم إن" مرثيتي الجديدة عن فردوسي المفقود "بورسعيد"
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

النهار البعيد.

وكنت قد قررت كعادتي، مع كآبتي الجينية، ألا أخرج إلا وحيدا، حرا طليقا. الدنيا حر، برد، خريف. ربيع، صيف، نهاية شتاء.. لا أعرف، المهم، صعدت الحسر. المتكسر، وخلفي جيوش من التكاتك، وطلة أعقبها بتحديقة فى ساعتي (السيتزن).

الإثنين، الواحد والعشرين من إبريل، ورنة على موبايلي، تطول لثوان عديدة، أقرب الهاتف.

لياتيني صوته المميز. كرنات الفضة

ـ أيوه يا عمو حسين؟!

قلت: لا، أنا محمود ؟!!

ـ وأنا صلاح الوزة، تبن أم حامد شقيق حامد المسافر لبغداد.

ويتوقف الزمن للحظات. وأتوه، فأجتر عقودا فائتة هناك.

أقول. وقد تحشرج صوتي. وانسابت دموعي كسيل. معقباً

ـ أيوه ياعم صلاح، فينك وأم حامد عاملو إيييه، انتو بخير؟

ـ أيوه ولسه فى طلخا

أمي، ماتت وهي تردد اسمك يا محمود، توفاها الله ضريرة، حزنا على حامد، حامد توفى فى العراق سنة تسعين

بعد سفركم ورحيلكم لبورسعيد بخمسة عشر عاماً

ـ نفسي أشوفك. قبل ما أموت، طلخا كلها بتسأل عليك. والحاجة صديقة والعم حسن. شاهدتك فى التليفزيون يا محمود.  

ـ آه التليفزيون القديم الأبيض في أسود

ـ نفسي أشوفك قبل مامووت؟!!

ـ على فكرة، أنا خرجت ع المعاش من زمان، كانوا عينوني فى محلج القطن الغربي،  وسقط الموبايل من يدي، وتذكرته.

صلاح الوزة. المنغولي. صديقي الطيب فى حارة سعيد.

كان عمره أربعون، وكان العام الرابع والسبعين، وأمي تعد للسفر وترك المنصورة. بعد خطاب السادات الشهير عن ما لاقاه الأهل فى مدن القناة، وكيف كان الوزة يسير مختالا، كالقطة الشيرازي، يغني لشادية وفايزة “يامه القمر عا الباب”.

ويسير الوزة، يداعب فتيات حارة سعيد، يهذي، وكأنه يحادث نفسه، سلامتها العيون والشفايف، وقلب سكنه الضي، ودنيا ملهاش ملامح، واخويااا بعييد، وأمي تناغي القمر ليال، حتى شقشقة الصبح.

بنشوة استعدت ماكان، وقلت فى نفسي، وتحجرت الدموع فى مقلتاي مجترا الزمان والشخوص والعمر الفائت، والجيرة هناك.

ـ منزل الكائن، أيا كان.

وبت أسائل نفسي تحت قرص الشمس الأحمر المسلط على أقفية الفقراء فى بلادي.

من أعطي الوزة رقم هاتفي. وهل ما زال يتذكرني. وفي أي وظيفة عينوه، وهو الممسوس.

إبن الله فى الأرض كما كان يردد العم أحمد المراكبي

ركضت بلا هدف، أغوص وسط عربات فارهة تمرق في ظلال أشجار فارعة تصعد رؤسها سماء الله، تناطح السحاب.

أخاطب نفسي همساً. كم من العمر يبلغ صلاح الأن. وهل كانت تلك المكالمة حقيقة. الضوء المبهر مسلطا قبل بؤبؤ عيني. وأنا كدر شبه منوم، أحاول الخروج من زحام النهار. وسط تيارات كاسحة من الغبار المحلق فى الأجواء الكابية قرب حدود المدينة من جهة الشمال. كانت الشمس تغييب فى المحاق، وعين شبه مغمضة. مفتوحة، بين بين. أحاول استيضاح الطريق الطويل، باحثا فى ماهية الفصول، حدقا بخوف وشغف لميناء ساعتي التي تدور عقاربها فى عبث، أجتر شوارع مضيئة. مظلمة. أذان يأتي من البعيد

قباب البازات، أم هاشم. تصرخ بجنبات حارة سعيد. مطاحن دائرة وخلق بالمئات يعبرون فوق قنطرة المراكبي.  العم أحمد القاعد على اريكة الخشب الزان وقد افترش أعوادا من القش المبتل موضوعة تحت قدمية المتورمتين.

أم هاشم تنادي من جديد على شقيقها ونس. المبتور الساق الغائب فى حقول الدلتا الشاسعة. وعيون الكائن الرحال تدور فى دنيا اخرى مغايرة لما مضي وارتكن. الدنيا هس، وهسيس، وصلصلة وشخاليل من نحاس لجحش صغير يسير ببطء على كوبري طلخا. وحبات من البرتقال تنفرط على جسر غير متساو،  شبه مسفلت.  ملتهب وصبي يتقافز ووجهه للسماء وسط شمس أغسطس التي تضرب اليافوخ بالقفا بالصدغين، يجري. صوب قطار ميري، يعبر فوق القضبان الموازية لمصنع السماد الطرق مفتوحة قبل السكة الجديدة وجزيرة الورد وعين الصبي تحدق فى المسارات والسكك والدروب زالأشجار الجهمة الخرساءء تواصل مناطحة سماء الله.

…………….

*من يوميات البناية

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون