حاتم الأنصاري
(1)
”يدايَ في جيوبي
لسانيَ الطويلُ في فَمِيْ..
عَينايَ تُفْعَمَانِ بِاستطارةِ العَمَى
والروحُ يَسْتَنبحهَا العَمَاءُ..
بينمَا
شَلّالُكِ الأسْوَدُ
-خَانِعًا-
عَلى الفَحِيحِ
يَرتَمِي..”
…
يدي في جيبي
وسُعار المنحنيات يستنكِحُ شيئًا ما لا أَسْمعُه
لساني في فمي
والزلزال الذكيُّ المهذّبُ لن تنطلي عليه حيلةٌ قليلةُ الأدبِ وبلهاءُ مثل اليوغا؛ اليوغا التي أبغضها
عينايَ زورقَا كاياك..
يرسوان ببطءٍ قبالةَ سواحل الصيام الأبدي
وأنا مُعْدَمٌ
ومهجورٌ..
ووحيد
مثل عامِ 1926
تضحكني شجرة الفوسفات
تضحكني كثيرًا..
عندما تهزّ ذيلها
ابتهاجًا بهطولِ أمعاءِ سماسرة الشقق المفروشة..
تضحكني وهي تزف أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام بطلِ الناس العاديين
بمناسبة حلول أعياد الاعتيادِ على الاعتيادِ المستديرةِ المجيدة،
ويبكيني سفيرُ النوايا المختلّة
عندما يربت على خصيتيّ
مشجعًا إياهُما على المضي في طريق الوعظِ والإرشادِ
والإغراءِ والتصوّف..
في العادةِ لا أجد أدنى صعوبة في تصفيفِ شلالاتِك السوداءِ الخفّاقةِ الأفعوانية..
بأنفاسِي الأفعوانيةِ الخفّاقةِ العطرة،
وعلى الرغم من أن يدي في فمي وفمي في فمي، لا تُعجزني إدارةُ سباقاتِ الـ200 متر التي تخوضينها ضِدّ العدّاءِ العالميّ العظيمِ إبليس ال رُوخُو في مضاميرِ الشريانِ الأورطيّ المنهَكَة..
فهل تؤمنين الآنَ بوجود نوعٍ ما من الحياة
داخل هذا النوعِ من الموت؟
(2)
“قُلتُ..
هيّا!
يا صغيراتي اللّواتي يفْتَرِسْن الحُلْمَ
حيّا..
أَرَقٌ يَحسُو على مَهْلٍ
مَسَاءً ساخنًا..
-هُفْ!-
فَهَنيًّا
ومَريّا!”
…
تعالي أنتِ وما تيسّرَ من أجسادِكِ المتبّلَة
المبتَلّة
إن بلادنا النامية تحتاج إلى المزيد من الأيدي الناعمة الشَرِهَة
والمزيدِ من السيقان البضّة الثرثارة
وربما لجأتْ إلى استيرادِ شحنةٍ من مناشفِ الحمّامِ الورديةِ التي تُتْقن تشفيرَ قنواتِ المتعةِ والإثارة..
فلا تتلكئِي وتعالي سريعًا
لاسيّما وأني أعرف عنكِ وعن بلادنا النامية الكثير..
فكِلتاكُما حباها المولَى بالمهرجانات الطبيعية التي أساءَ بعضُهم استغلالها؛ إمّا جهلا وإما فسادًا وإما شبقًا وإما حُبّا وإما استملاحا وإما تنطّعا ..
وكلتاكما تشهد كل يومٍ مذابحَ روحيةً رائعةً يرتكبها نجارون يحملون على أكفّهِم أشباحَ مساميرَ تناصيّةٍ صدئة
وكلتاكما تحتفلُ بوسوساتِ بريتون وودز وطوائف المدرّسين الإغريق والأفارقة
وكلتاكما تصيبني بالرغبة واليأس والتحوّل والمللِ والنُحول والجرأة والموت والتجاوز والاشتباه..
وحتى إن كنتِ أقصرَ منها ببضع غابات،
بل وتبدين أخفّ منها وزنًا وأنحف منها خصرًا وأهون منها مصيرًا وأصغر منها مؤخرةً، ولا أنسى بالطبع أن نهديك يقلّان عن نهديها موهبةً ولبنًا وفراهةً وعنصرية؛ وإن كانا يفوقانهما بذاءةً ووحشية..
إلا أنّكِ
-مثلها تمامًا-
لا تجيدين سوى التعرّي في حضرةِ الكرابيجِ/النفحاتِ/الأحاليلِ ذاتيةِ الدفع..
فهل مازلت تؤمنين بوجود حياةٍ أو موت
بعد هذهِ الحياةِ
الحيّةِ الميّتة؟
(3)
“وارتكاسًا
إلى فطرةِ العَسْفِ
-عودًا على ما يعودُ-
تَراخَتْ حِبالُ المَدى
فارتدى
بَذْلةَ الاختلاجةِ
لوّاحةً للبَصَرْ..
قد نَمَا الليلُ
مكتملاً
ثَورةً
في الفِراشِ الحميمِ..
سَرَتْ
كاهتراءِ الصدى
أو قُلْ..
كلمْحِ القَدَرْ!”
…
كحبّةِ عَرَقٍ تغصّ بخطايا المِلْح
يذوبُ الوقتُ خجلا
في كفِّ الغُربةِ الدافئة
تتملّصُ الحكايةُ من شِبَاكها
تمضغُ ذاتها وآخريتها
سيرورةً تنتحرُ بياضًا..
يتعين علينا الآن أن نترسّب في قيعان الحقائق الباردة
متشعبينَ عبر تلافيف مصائرنا
التي لم يكتبها أحد
ولكن
قبل أن نتركَ طفولتنا البريّة وحدها في سلامٍ..
هناك
فوق السطح
وتحت الشمس..
لكي نمضيَ في مهمتنا الجذمورية،
أريد أن أطرح عليك سؤالا أخيرا:
هل كنتِ حقًا تؤمنين بوجودِ حياةٍ
أيِّ حياةٍ
خارجَ هذا النّص؟