نقد استجابة القارئ العربي (1)

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ممدوح رزق

في الأسبوع الأول أعيد نشر المقالات الثلاثة التي سبق نشرها في أماكن متفرقة من مشروع (نقد استجابة القارئ العربي) على أن أبدأ في نشر المقالات الجديدة من الأحد القادم.

…..

أبوية القارئ (1(

هناك عدة صفحات يمكن اعتبارها الركائز الأساسية لموقع جودريدز: الصفحة الرئيسية التي تعرض أنشطة المشاركين بتسلسل زمني .. الصفحة الشخصية التي توثق فاعلية المستخدم: تقييماته للكتب ومراجعاته وتدويناته … إلخ .. صفحة الكتاب التي تحمل معطيات عديدة مثل الغلاف والنبذة وعدد الصفحات ودار النشر واللغة والتعريف بالكاتب وبإصداراته الأخرى والاقتباسات وذلك على هامش المحتوى الرئيسي الذي يتضمن مراجعات القراء وتقييماتهم بالنجوم، والتي تتحكم تلقائيًا في التقييم الكلي للكتاب الذي يتصدر الصفحة.

هذا النظام الذي يعمل به موقع جودريدز يختلف عن نظام آخر:

ألا تكون هناك صفحة للكتاب بل يظل موقف القارئ منه (التقييم والمراجعة) داخل مساحته الخاصة (الصفحة الشخصية) بالضبط كما لو أنك نشرت غلافًا لرواية في صفحتك على فيسبوك مقترنًا بمراجعتك لها دون أن تنتقل هذه المراجعة إلى فضاء عام يتكوّن من تقييمات قراء آخرين.

ما الفرق بين النظامين؟

يقوم النظام الأول الذي يعمل به جودريدز على إعطاء (حقيقة) للكتاب من خلال انحيازات قرائه، وهذا يفترض أن الكتاب لا يمتلك هوية دائمة التجاوز، وإنما هو شيء نفعي، مؤطر بحدود ثابتة في وعي جامد، ولا تتحدد (قيمته) إلا وفقًا لأحكام مستعمليه، التي بدورها غير قابلة للتراجع أو التحوّل أو لإعادة الإنتاج وإنما تمثل خط نهاية محصن للعلاقة القرائية .. هذه الحصيلة المؤلفة من توافقات القراء واختلافاتهم تجاه الكتاب هي وحدها يقينه المقدس الذي لا سبيل للتفاوض معه.

أما النظام الثاني (الذي لا يستخدمه جودريدز لأنه يتعارض مع السلطة التي يعطيها الموقع وحدها الحق في تكوين الحقيقة أو المعنى النهائي) فهو الذي يوفر للقارئ مساحته الذاتية التي تنمو بداخلها مواقفه التأويلية المتغيرة غير القابلة للسيطرة، ولا يمكن منحها الثقة الكاملة من حيث كونها القرار الأخير القاطع، ولا يضمنها القارئ نفسه. هو نظام أكثر تفهمًا لما يعنيه (الموقف الخاص للقارئ)، أي أنه يخلق (المساحة الإبداعية المستقلة الموازية للكتاب التي ينبغي أن يمتلكها القارئ مثلما كان للمؤلف نفس المساحة عند كتابة النص)؛ فالمؤلف لم يضع كتابه كجزء من حقيقة كتاب آخر بالتشارك مع الآخرين، أي أن كتابه لم يكن (مراجعة وتقييمًا) لكتاب آخر كنوع من المشابهة الشكلية مع منتجين مماثلين للمراجعات والتقييمات، وإنما كان شيئًا ينتمي إلى خصوصيته، حياته، ثقافته، مزاجه الشخصي في زمن ما، رغباته وهواجسه وممارساته التخييلية، وهو بالضبط ما يفترض أن تُعبّر عنه كتابة القارئ دون تبعية لنسق عام يفرض تحويل هذا القارئ (إبداعه) إلى مجرد محرّك صغير من ضمن محركات لانهائية لتشغيل ماكينة المطلق. إنه نفس الفرق الجوهري بين مدونات القراءة مثلا التي تعتمد على الريفيوهات فقط، والنظام الذي يقوم عليه موقع جودريدز.

كتبت قراءات نقدية لأعداد هائلة من الكتب والنصوص، وبالتأكيد لا يوجد خط نهاية في علاقتي بأي منها.أعود دائمًا للأعمال التي كتبت عنها، وأعيد تناولها بمنظورات مختلفة في مقالات ودراسات أخرى فضلا بالتأكيد عن معالجتها في الكتابة الأدبية. نعم، يمتلك القارئ على جودريدز نفس الحرية؛ فهو يستطيع أن يكتب مراجعة تأخذ مكانها ضمن قطيع القراء في صفحة الكتاب، ثم يمكنه أن يكتب فيما بعد ما يشاء من التدوينات عن نفس الكتاب بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أقسام أخرى من الموقع ذاته .. حسنًا، هناك بالتالي أسئلة ضرورية: إذا كان بالإمكان التدوين عن الكتاب أكثر من مرة في أكثر من مكان وبطرق مختلفة لنفس القارئ وفي نفس الموقع: ما هي الحكمة من وجود صفحة مستقلة للكتاب إذن؟ .. أليست الصفحة الشخصية لمستخدم جودريدز هي الأشمل كـ (مساحة ذاتية تستوعب كافة المواقف التأويلية المتغيرة غير القابلة للسيطرة، والتي لا يمكن منحها الثقة الكاملة من حيث كونها القرار الأخير القاطع)، فضلا عن أنها تتفادى بوجودها كفضاء وحيد التعتيم المحتمل بقوة على الزوايا الأخرى للتناول، والذي يفرضه (الموقف الرسمي) أي المراجعة المكتوبة في صفحة الكتاب؟ .. ثم السؤال الأكثر بداهة: مع كل هذا الانعدام للاستقرار، ومع هذه الإمكانية التي لا تتعطل للتغيّر، ولإعادة الكتابة؛ أي حقيقة تعطيها نجوم التقييم إذن؟!.

….

استخدام الحياة (نقد المراقبة والعقاب(

ربما يمكن تحليل البلاغ الذي تقدّم به أحد القرّاء المصريين ضد الكاتب (أحمد ناجي) بسبب فصل من روايته (استخدام الحياة)، نُشر في جريدة (أخبار الأدب) وأدى ـ بحسب البلاغ ـ إلى إصابة هذا القارئ بهبوط في الدورة الدموية بسبب الألفاظ الجنسية وخدش الحياء في هذا الفصل من الرواية، مما ترتّب عليه إحالة الكاتب إلى المحاكمة الجنائية بعد أن رأت النيابة أن (أحمد ناجي) (سخّر أنامله ونفث فيها شهوة فانية ولذة زائلة، وأجّر عقله وقلمه لتوجّه خبيث حمل انتهاكًا لحرمة الآداب العامة وحسن الأخلاق، والإغراء بالعهر، ونشر سموم قلمه برواية أو مقال في صفراء بالية)، الأمر الذي تسبب في النهاية بالحكم على (ناجي) بالحبس عامين، ربما يمكن تحليل هذا البلاغ من خلال دور المقدّس الديني في تكوين الميكانيزمات الدفاعية اللاشعورية داخل الوعي القرائي عند القارئ العربي، وأثر حيل وآليات المقاومة هذه في علاقة هذا القارئ بـ (قمع الكتابة الانتهاكية) وبـ (شبق التماسك الحكائي) وبـ (المعنى الأدبي كلذة تطهيرية للجسد) .. إن طريقة تناول مقدّم البلاغ لـ (عمل أدبي)، والتي دفعته لتقديم بلاغ يحمل هذه الصيغة ضد كاتبه هي نوع من الإستراتيجيات التأويلية التي تستعمل النص الأدبي كفضاء سوسيولوجي مضمون للتخلص من الإثم الذاتي، وكتعويض سهل عن خسائر الضمير. هذا الاستخدام ليس رد فعل أخلاقي ينطلق بشكل أساسي من عقيدة شخصية، بل رغبة لا واعية في إعادة إنتاج ثقافي لما يمكن تسميته بـ (المفاهيم السائدة للفضيلة).

في هذا النمط المهيمن من المقاربات يوظف القارئ جسده شبقياَ كمستثمر سادي يستغل الضعف الاجتماعي للنص ـ أي لا أخلاقيته المعادية لما ينظر إليه كنظام محسوم من القيم البديهية العامة ـ هذا الاستغلال يتولى تثبيت جسد القارئ كعنصر ممارس ينتمي إلى التقاليد التي تكوّن ما يتم اعتباره السلطة الأخلاقية للمجتمع، وليس مجرد تابع أو خاضع لها (عقاب الكاتب بواسطة التعذيب اللفظي كجزاء منطقي يتلائم مع انحرافه السلوكي في الكتابة .. تقويمه وضبط أفعاله بما يتوافق مع “المبادئ السائدة” عن طريق دمج التعذيب اللفظي بمحاولة إجباره على كتابة راضخة لهذه “الأسس الأخلاقية”.. التحريض ضده أي تحذير القراء الآخرين من قراءة أعماله، وتوسيع مجال العقاب ليشمل القراء والنقاد المحتفين بكتاباته، وقد يصل الأمر إلى الملاحقة القانونية .. مراقبته أي تتبع وجود نصوصه داخل الأماكن التي يمكن من خلالها توجيه العقاب والضبط والتحريض ضده على شبكة الإنترنت مثلاً، وتحديدًا مواقع القراءة، وصفحات التواصل الاجتماعي) .. هذا التوظيف السادي هو بكيفية أكثر جذرية توطيد مازوخي لعلاقة جسد القارئ (الذي فاز بكبت جديد عندما تصدى ليقمع كتابة انتهاكية) مع ما يعد بالنسبة له السلطة الأخلاقية للمجتمع، بعد أن ساهم في حمايتها بتقديم جسده قربانًا مروَّضًا لهذه السلطة (أي متخلص من دنس قرائي، ومُكفِّر عن خطاياه السابقة بمحاربة خطيئة لم يرتكبها).. قد يفسر هذا بشكل ما الطغيان التاريخي لما يمكن تسميته بـ (السرديات الآمنة) في الكتابة الأدبية العربية، بما اشترطته كأحكام منظّمة للتلقي مثل: (الموضوع.. المعنى.. الرسالة.. الهدف.. المغزى الدلالي.. الاستفادة.. المتعة الجمالية)، والتي لم تكن هيمنتها راجعة إلى الإجراءات الصارمة للتنميط والفرز والإقصاء (القانون فوق الرسمي)، بل كانت على نحو جوهري ناجمة عن استسلام الكتابة الأدبية الغالب، واللازمني، لأنساق القراءة التي رسخها المقدس الديني.

الخصائص الأنطولوجية للقارئ الإله

ـ يؤمن بوجود قواعد ثابتة للكتابة، متفق عليها، ومفروغ منها .. أنه يحيط علماً بكافة هذه القواعد، ونتيجة لذلك لا يمثل رأيه في عمل أدبي مجرد وجهة نظر، بل حكم عادل منبثق عن تاريخ الكتابة .. يعتبر أن هذه الأساسيات من الممكن حقاً إدراكها كلياً، وأنه ينبغي أن يتطابق حضورها في وعي الكل، كما أن مقاربتها لابد أن تتم بنسق موحد عند جميع البشر، وأن التصورات الناجمة عن هذه المقاربة من الحتمي أن تتخذ طبائعاً متماثلة .. يوقن أن التحرر من هذه القواعد خرافة لا يجب تضييع الوقت في محاولة تصديقها، أما لو كان هذا التحرر (أي التجديد) حقيقة بالفعل فينبغي عليه الالتزام بأنماط محسومة لا يجب تجاوزها .. يرى أن هناك قواعد ثابتة بالطبع، ومن لا يفهم هذا عليه أن يتعلم أو يعالج نفسه قبل أن يقرأ ويكتب، أو يتراجع عن التفكير في القراءة والكتابة وسيكون هذا أفضل.

ـ يحكم على العمل الأدبي الذي لا يروق له بأنه (عمل سيئ)؛ فأي كاتب حينما يقرر كتابة أي نص لابد ألا يحدد له هدفاً يتجاوز إرضاءه هو بالذات، وبناءً على ذلك يصبح عملاً رديئاً إذا لم يحقق هذه الأمنية.

ـ إذا وجد في العمل الأدبي الذي لم يعجبه تناصاً بارزاً مع عمل آخر، أو صلة ظاهرة بمادة فنية أو محتوى تاريخي، أو اشتباكاً مع نظرية نقدية معينة، أو مضامين فلسفية محددة، أو مع أفكار وتحليلات في علم النفس، أو استخداماً لتقنية سرد مقصودة مثلاً فإنه لا يجد مبرراً لبذل جهد في التفكير والبحث ـ ولو باستخدام (جوجل) ـ للعثور على اكتشافات يمكن أن تثمر عن هذه التناصات أو الصلات أو الاشتباكات .. هو يثق تمام الثقة في صحة انطباعاته، وصواب رؤيته التي تتضاءل أمامها أهمية أي إدراكات أخرى .. ثقته في ذاته تجعل الأمور أكثر سهولة بالنسبة إليه؛ فهي تحميه من ممارسات ذهنية شاقة يرى أنه ليس مضطراً لها خاصة لو كان مدافعاً عن الأدب المحترم، المقاوم للقبح والظلم والابتذال، والملتزم بالأخلاق الحميدة .. الكتابة الرافضة للفحش والبذاءة، التي تقدس قيم الحب والحق والخير والجمال؛ حيث لابد لأي كاتب ـ مهما كان جحيمه ـ أن يدهن (روح) هذا القارئ بها، وبالكيفية التي (تُريحه).

ـ عند كتابة ريفيو للنص الذي لا يروق له يجب أن يستخدم تعبيرات كـ (أخفق الكاتب في …)، (لم ينجح الكاتب في …)، (فشل الكاتب في …) لأن هناك ثمنًا ينبغي للكاتب أن يدفعه نتيجة عدم إرضائه شخصياً، وذلك بتوثيق الأسباب التي حرمته من الإشباع في صيغة إدانة تحمّل الكاتب مسؤولية عدم معرفته باحتياجات هذا القارئ بالذات التي ـ دون شك ـ هي نفس احتياجات مجتمعه وتلبيتها .. تضحكه سخافات مثل: (لكل عمل أدبي قانونه الخاص) .. (المنطق الشخصي للكاتب) .. (الدوافع الجمالية للنص) .. بالنسبة له كل هذه اللافتات البراقة مجرد هراء ذائع، وتفاهة طاغية؛ فلا يوجد سوى قانونه هو، الذي لابد أن يكون قانون الجميع، ومنطقه هو الذي لابد أن يكون منطق الجميع، ودوافعه هو التي لابد أن تكون دوافع الجميع، وإلا لصارت الحياة عبثية ليس لها حاكم.   

ـ تعبيرات مثل (أخفقت في التواصل مع هذه الرواية)، (لم أنجح في تكوين علاقة مع هذه القصة)، (فشلت في استيعاب هذا الكتاب) التي يستعملها قراء آخرون هي بالنسبة له عبارات مائعة، رخوة، تتسم بقدر غير مقبول من الدونية؛ إذ أنها لا تتفادى عقاب الكاتب بشكل قاطع ومباشر وحسب، بل وتمرر أيضاً بطريقة أو بأخرى انطباعاً بتوجيه هذا القارئ الاتهام لنفسه باعتباره موصوماً بالخلل الذي تسبب في (غياب الاستفادة)، و(منع التوافق) مع النص، وهو العار الذي لا يمكن ـ بديهياً ـ إلحاقه إلا بالكاتب.

ـ إذا صادف احتفاءً لجمهور من القراء بكاتب ما يعتبره (سيئاً)، أو بعمل أدبي يراه (رديئاً) فإنه لابد أن يمتد بالإدانة التي سبق ووجهها للكاتب أو للعمل الأدبي إلى هذا الجمهور من القراء باعتبارهم فئة من الساذجين والحمقى الذين أثبتوا أنهم (لا يعرفون كيف يقرأون) بعدما أعجبوا بكاتب (لا يعرف كيف يكتب) .. يؤمن بأن عليه واجب مطاردتهم، ومعاقبتهم بالشتائم أحيانأً، وبالسخرية أحياناً، وبالتساؤلات المستنكرة أحياناً، أو بمزيج من كل أسلحة الردع هذه في أحيان أخرى، ليس فقط جزاءً لهم على عدم اعتناقهم ليقينه تجاه ذلك الكاتب، وعجزهم عن إدراك (العيوب الواضحة) في عمله الأدبي، وإنما كدور تنويري ملزم به، ورسالة تطهيرية تحتم عليه التدخل لتصحيح (الحالة الأدبية العامة)، وإنقاذ (المناخ الثقافي) من الرذائل السائدة.

ـ لديه احتياج عظيم إلى المتعة الناتجة عن (الإبداع) في الإدانة سواء على صفحات التواصل الاجتماعي أو مواقع القراءة أو المدونات؛ إذ يشعر بأن وجوده في الحياة يكتسب قوة وقيمة مع كل لحظة يكتب فيها أنه كاد يتبول على إحدى الروايات، أو ألقى بها في القمامة، أو طوّحها من نافذة البيت أو شباك القطار، أو أعطى كتاباً ما إلى بائع الطعمية أو بائع اللب، أو عرضه كهدية مجانية لأي أحد يرغب في الحصول عليه.

ـ إذا واجه تعليقاً أو رأياً مخالفاً بعد كتابة إدانته لعمل أدبي، يريد إقناعه بأنه لا ينبغي تناول الكتابة بتصنيفات الجودة والرداءة، أو بمعايير الصواب والخطأ فإنه يقوم على الفور باستدعاء الرد التقليدي الجاهز وكتابته: (رأيي ليس حكماً مطلقاً، بل مجرد وجهة نظر تعبّر عن ذائقتي الشخصية، التي يمكن أن يتفق أو يختلف معها الآخرون) .. يكتب هذا الرد وعلى وجهه ابتسامة مطمئنة لا تخلو من التهكم تقول: (أنجزت العقاب وانتهى الأمر، لقد وضعت هذا الكتاب في مكانه المناسب).

ـ القراء الذين يتفقون مع يقينه عن عمل أدبي ما أو عن أحد الكتّاب لا يعدون بالنسبة له مجرد  مثقفين حقيقيين، أو إخوة في المعرفة الأصيلة، أو أصدقاء في الفهم السليم بل علامات من الغيب، يعتبر نفسه جديراً بأن تُبعث إليه كي تؤكد له من حين لآخر بأن الحق معه، ولتهوّن عليه مصاعب الرحلة، وتثبّت إيمانه بضرورة الاستمرار فيها، متمسكاً بعزيمته.

ـ أحياناً يجد في نفسه ميلاً لتقديم لمسة رحيمة إلى ذلك الكاتب الذي عاش لحظات قاسية من الانتظار المرعب بعد صدور عمله الأدبي مترقباً بمنتهى القلق والتوتر انتهاء هذا القارئ شخصياً من قراءته حتى يعرف حقيقته ومصيره .. في بعض الأحيان يفتح نافذته، وينظر إلى الكاتب وهو جالس تحتها يبكي، ويخبره بأنه يعلم جيداً أن حكمه كان قاسياً، ولكن عليه أن يتقبله لأنه يليق بحجم الجريمة التي ارتكبها، وأن عليه مراجعة نفسه، والرجوع عن الطريق الفاسد الذي يمشي فيه، وأن يبدأ من جديد مسترشداً بنور هذا القارئ .. يرى أنه مهما كان قاسياً، لا يجب على من (يعرفون قواعد الكتابة والقراءة) أن يكونوا مجاملين لمن (لا يعرفون قواعد الكتابة والقراءة) .. يؤمن بأنها أمانة إلهية .

ـ يعتبر نفسه أكثر البشر استحقاقاً لحمل لقب (ناقد)، خاصة لو كان نشطاً على صفحات مواقع القراءة، لا يقوم بأكثر من كتابة سطور تختزل (المعاني العامة)، و(الأهداف الكلية) للأعمال الأدبية، أو ملخصات لـ (حواديت) الروايات، والمجموعات القصصية، و(أفكار) دواوين الشعر ـ يراها ميزة نادراً ما توجد في أحد ـ وخاصة أيضاً لو كان أكاديمياً، يعلّم الصغار ما هو (الأدب)!.

 

مقالات من نفس القسم