أشتاق لملمس يديك الدافئة، لتنهداتك الطويل…لحديثك المتقطع…لعبراتك التي تلتصق بي…لصمتنا الطويل…
المشهد من زاويتي يجبرني على أن أغمض عيناي ولكني لا أستطيع…ربما لهذا السبب أحببتني في أيامك الأخيرة أكثر من أي شي آخر..
_____
أعرف قصتك من البداية حتى النهاية، على الرغم من أن قصتنا لم تبدأ إلا من عشرين سنة، أعرف كيف غادرت قريتك بحثاً عن العلم كما كان يفعل الشرفاء وأبناءهم، وأعرف كيف أحببت حبيبتك الأولى (أم عصام) ، كانت رائحة القهوة التي قدمتها لك يوم الخطوبة لها مذاق خاص….كنت تخبرني بكل هذه التفاصيل وتربت على عيناي لتحجب عني رؤية بعض ابتساماتك، تمنيت أن التقيها قبل أن ألقاك..لأخبرها أنها حصلت على كنز اسمه(أنت)..
في مساء آخر يختلف كلياً عن مساءاتي التي اعتدتها معك…أقرأ شخصاً آخر منك، و لأول مرة أقرأ دموعك…لقد كانت مختلفة تماماً عن تلك التي تذرفها بعد إعياء من نظر طويل إلى كتاب تاريخي أو رسالة قديمة، ولم تكن تشبه دموعك أثناء خلوتنا بسيرة رحيل حبيبتك الأولى، لقد كانت مُرَّة تنبئ عن قهر ممجوج…بعد صمتك الذي استحال فجأة إلى نحيب طويل تخبرني:…وحيدي تركني من أجل صديقته! لقد كان صوتك المتقطع يأزُّ في أحداقي، تمنيت لو تسمح لي بأن أقوم برحلة أخيرة أشظي فيها عينيه قبل أن تذرف دمعة كتلك.
أشاركك كل تفاصيلك…كل ملامحك…كل لحظاتك، إذاً هذا هو الحب! حقاً له مذاق لذيذ يشبه ابتسامتك المتعرجة، لشدّ ما كنت أتألم عندما نغادر بعضنا أثناء سباتك…وبمجرد أن تشرق الشمس أستيقظ من غفوتي بهزة بسيطة من يديك اللتان تتحسسان كل شيء عندما أبتعد عنك قليلاً.
كل يوم قصة، وكل مساء قصة، حياتي بالفعل ممتعة في خرائط حياتك، مواسم الفرح لها وقع خاص تختصرها ابتسامتك الثمانينية، ومواسم الحزن أيضاً لها وقع خاص تختمها بتنهيدة معبرة تفوق تعبير الحروف بالنسبة لي.
قبل عشرين عاماً، لم يكن قد مضى على حبنا سوى عامين، ومع ذلك كنت قد أحببتك لقرون لذا فهمتك عندما عدت بابتسامة مزيفة تخبئ بها حزنك من خبر تقاعدك، ذلك اليوم بدأت عادتك في الحديث الخاص بيني وبينك…انتهت مدة صلاحيتك في عالم البشر ولكن صلاحيتك أصبحت خاصة بي وحسب.
_____________
أفتقدك..أفتقد أنفاسك التي اختفت فجأة، أفتقد نظراتك التي تتأمل ملامحي دون ملل، ويداك اللتان تتقنان فن التعامل مع ابتسامتي الصغيرة، لقد كنت جزءاً منك وأكثر، لذلك كنت تعاملني كآخر قشة حب في هذه الحياة…
أتمنى أن أقترب منك قليلاً مرة أخرى لأهمس لك، لقد فقدت إحدى عيناي بقدم وحيدك، وحيدك الذي جاء من بعيد ليضع ختمه الأخير على نهايتي ونهايتك.
بعيني الواحدة أرى الغطاء الأبيض المسدل على وجهك، كأنه مقصلة لمشهد أخير انتهى قبل أن نقول لبعض كلمة وداع أخيرة، كوب قهوة نصف مملوء وكتاب مذكرات أزرق، وجسد منهك بالتفاصيل والانتظار والشوق، ونظارة ملقاة بإهمال إلى جوار جسدٍ فقد القدرة على إنهاء عبارة أخيرة من رسالة قديمة…
يومها تألمت لأني لا أستطيع أن أحبك كما كنت تفعل، تمنيت لو أني جزء آخر منك لأستطيع أن أنقذ بقايا روحك، ولكني بقيت أحدق فيك كبلهاء تنتظر فصلاً آخر لن يأتي مجدداً…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلهام الحدابي
كاتبة من اليمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة للفنان: محسن رفعت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاص الكتابة