عاطف محمد عبد المجيد
اعتدتُ
اعتدتُ
أن أعذر الذين يسألونني:
لمَ أسير مُثْقل الخُطى
لأنهم
لا يرون أطنان المواجع التي
أحملها بداخلي.
منذ زمن
يُوجّهون رصاصَهم
باتجاهِ قلبكَ
قلبكَ الذي لا يعلمون
أنّكَ قمْتَ بنقْله مِن مكانه
مُتوقعًا خياناتهم
منذ زمن طويل.
شجرة
أنا
شجرةٌ توزّعُ ظِلّها
على الجميعْ
لكنّها
تسْتاءُ أحْيانًا
مِن عصافير
تستريح فوق أغصانها
ثم تُغادرها
دون رجوع.
صمت
دائمًا ما أفضّل الصمت
ألجأ إليه لراحتي
كاتمًا كل شيء بداخلي
متحملًّا
سخافات آخرين
لو عاتبتهم عليها
لحق لي أن أرميهم بالرصاص
في ميدان عام
لكنهم
رغم هذا
يَصلون بي إلى حافة الانفجار
وقتها
أقول لهم:
“على نفسها جنت براقش”
من فضلك
أيتها الأحزانُ
أنا لستُ مرشدَكِ العام
لستُ إمامك العادل
لستُ قديسًا
أو حاخامًا
ولستُ قائدك الأعلى
كي تلتصقي بي هكذا
لنيْلِ بركتي
من فضلك اعتبريني
إبليسًا
كائنًا سيئ السمعةِ
وابتعدي عني
اعتبريني فيروسًا مُعديًا
إن اقتربتِ منه
ستصابين بهلاكٍ أبدي
من فضلك ابتعدي عني
فلمْ يعد لديّ عمرٌ
كي يضيع وأنتِ بصحبتي
لماذا؟
لماذا
يلومونني على أخطائي؟
لماذا
في كل هفوةٍ
يعتبرونني ارتكبتُ جُرمًا
لا يُغتفر؟
واللهِ يا عزيزي
لا أذكرُ مرة
قلتُ لهم فيها
إنني أنا الله!
حتى
بشكلٍ سيئ جدًّا
سأُنهي علاقتي
بكل الذين أحبهم
ويحبونني
حتى لا يحزنوا لحظةً
حين
يصلهم نبأ وفاتي
سيّان عندي
كثيرون يتلصصون عليّ
يتركون آذانهم قرب نوافذي
يقودهم التطفل إلى معرفة
ما اسمي؟
كم عمري؟
ماذا أعمل الآن؟
وماذا ينتظرني غدًا؟
ما وزن عائلتي اجتماعيًّا؟
كم حجم أرصدتي
وممتلكاتي؟
كذلك يريدون
معرفة كل شيء عني
حتى أفكاري التي
تتجول داخلي
وربما
حركات أعضائي التي
لا يرونها
لكن
سيان عندي
أن يعرفوا كل هذا
أو لا
فقط أريدهم
أن يعرفوا شيئًا واحدًا
ليس عندي أهم منه
لأفخر به:
أنني حبيبكِ أنتِ
تُرى؟
تُرى
ما الذي أفعله
بلحظةٍ واحدةٍ
من السعادة
إذا ما كان مقررًا
عليَّ
أن أدفع ضريبةً لها
عدةَ شهور
من الحزن المقيم؟!
وحدي
وحدي
سأكمل ما تبقى
من حياتي
مطلّقًا الجميع
ومبقيًا
فقط
على ذاتي
قريبًا
قريبًا
سأسافر إلى مكان ما
حاملًا معي
جرة أحزاني
لأتركها هناك
وحيدةً
وأعود
صباح الخير يا عاطف
سأصحو مبكرًا
قائلًا لي:
صباح الخير يا عاطف
وأقبّلني على رأسي
معتذرًا لي بشدة
عما فعلْته بي أمس
بعدها
سأنهض نشيطًا
لأعدّ لي كوب شاي
أحبه بالقرنفل
كما اعتدت
ثم سأجلس طويلًا معي
لأحكي لي
عما يحزنني
ومتجردًا من كل مخاوفي
أفضفض معي كثيرًا
ربما
أتمكن من أن أداوي جراحي
التي طال نزفها ونزيفها
وهكذا أظل بصحبتي
حتى أقول لي مساءً:
تصبح على خير يا أنا
واضعًا قُبلة أخرى
على جبهتي
ناصحًا إياي
ألا أُلقي بالًا
بأي شيء
ألا أفكر في ما حدث لي بالأمس
مرة أخرى.
وحشتني أيها الحزن
دعني وحيدًا
أيها الحزن
خاصة
بعد أن تجاوزتُ الثمانية والأربعين عامًا
دعني “ب الله عليك ”
في ما تبقى
من أيامي
أجرب طعم غيابك
دع لي فرصة لأن أفتقد حضورك
لأن أجترّ ذكرياتي معك
وأنت بعيد عني
دعني يا “أخي” أقولها بضمير:
لقد “وحشتني” أيها الحزن.
جدارية
سأجمع ذكرياتي
التي تؤلمني
جاعلًا منها جدارية
أقف أمامها كثيرًا
حتى أعتاد عليها
وأفقد
شيئًا فشيئًا
إحساسي
بوجودها
فرصة أخرى
ليس أمامي
سوى
أن أمنحني فرصةً أخرى
بعدما أضعتُ وقتي
في انتظار عقيم
فلربما كان لي
أن أعيد اهتمامي بنفسي
أن أضمد جراحي القديمة
التي تزداد رقعتها
يومًا بعد يوم
أن أرحمني
ولو قليلًا
من الانشغال بما لا يفيد
أن أجتث ما يعكر صفو حياتي
مؤكد
بات الآن ضروريًّا
أن أمنحني
فرصة أخيرة
فلربما عرفتُ مرة أخرى
طريق العودة إليَّ
بعدما غبتُ عني
لسنوات طويلة
دون أن يبالي
من الآن فصاعدًا
سأدرب قلبي
على القسوة
سأدفع تحويشة عمري
مقابل كورسات
تجعله ينسى
كونه طيبًا وحنونًا
تجعل منه قطعة صخر
لا يعبأ بأي شيء
لا يتأثر كعادته بأحد
من الآن فصاعدًا
سأفعل المستحيل دومًا
لأجعل منه قلبًا آخر
فقدَ ذاكرته
وراح يتجول وحيدًا
دون أن يبالي
بما يجري
