بداية من التسمية التي اختارها الكاتب لتصنيف أو ‘توصيف’ عمله الأدبي، واختياره لمصطلح ‘مجموعة مسرحية’، نجد أنفسنا أمام شكل كتابي مغاير، فما هي دلالة هذا المصطلح؟ ان أفضل طريقة للتعامل مع هذه التسمية هي محاولة قراءة مقطعيها كل علي حدة، ف’مجموعة’ تشير إلي أن هذا الكتاب يحوي عددا ما من النصوص، لابد وأن لكل منها عالمه الخاص الذي يشترك بالضرورة مع بقية النصوص في شيء ما، ليكونوا معا عالما أكبر، من السهل الدخول إليه عبر قراءة المقطع الثاني ‘مسرحية’ الذي يضعنا أمام صورة متخيلة لخشبة مسرح وممثلين وإضاءة وحركة… إلي آخر مفردات وعناصر العمل المسرحي في صورته النهائية بالطبع التي لابد وأن يتضمن العمل الموصوم بالمسرحية إشارات إليها.
مدخل قد يبدو سطحيا، ولكن لا مناص من الدخول عبره نظرا لحساسية هذه الكتابة التي لم يحتويها القاريء والناقد بعد، فالنصوص التي يحويها الكتاب بصفتها المسرحية، تتجاوز مفهوم المسرحية بمعناها المتعارف عليه، والكاتب يصدمنا بهذا الاختلاف من النص الأول المعنون ب’الكرسي الفاضي’: المهدي المنتظر: علي فكرة أنا مش جاي. إظلام مفاجيء، ان هذا نص مسرحي كامل، بدأ وانتهي فيما يقل عن سطر واحد، وتتكرر نصوص كهذا النص بين طيات الكتاب، وان لم تكن كل النصوص بهذا القصر، ولكن المجمل هو 40 نصا مسرحيا في كتاب عدد صفحاته 80 صفحة.
بعيدا عن كتابة التجزئة التي انتهجها الكاتب، وجنوحه نحو ما يمكن تسميته ب ‘الابيجراما’ المسرحية، فإن هناك نصوصا في الكتاب توحي بوجود محاولة من الكاتب للالتفاف حول لغة السرد التقليدية، والاتكاء علي الأسلوب المسرحي لتقديم أجناس أدبية كتابية أخري داخل هذه العباءة، كما نري في نص ‘لمبة منورة’:
ولد يرتدي بذلة كاملة ويغطي نفسه فوق السرير. الولد: بخاف أنام الليل لا ما اقمش تاني، فضل الإحساس ده ورايا لحد ما ظهر تحت عيني سواد’، إن الجملة التي ينطق بها بطل هذا النص هي أقرب ما يكون للشعر، اذا حاولنا قراءتها بمعزل عما يسبقها من إشارات مسرحية، ولكن وجود هذه الإشارات وان كان يساهم في الاجابة علي بعض تساؤلات يطرحها النص، إلا أنه في الوقت ذاته يقوم بخلق وطرح تساؤلات أكثر تقودنا هذه القراءة إلي أن التحايل علي اللغة السردية المتعارف عليها، لم يكن هاجسا لدي الكاتب، بقدر ما كان هاجسه هو الكتابة بصورتها المجردة، عبر هذا الوسط المسرحي الذي يبدو أنه أقرب للكاتب، بدليل وجود 9 مسرحيات تحوي بين شخوصها مؤلفا مسرحيا أو ممثلا أو مخرجا، أو تدور حول عرض مسرحي، ان الكاتب يستعمل هذه الأجواء لتوصيل أفكاره، ورؤيته للمجتمع، راصدا أحيانا ومعبرا ربما بخطابية وصوت عال أحيانا أخري، وربما كانت الفكرة الأبرز وسط هذه الافكار هي فكرة ‘الكرسي الفاضي’ التي تمتد منذ النص الأول الذي سبقت الإشارة إليه، مرورا بالعديد من النصوص:
‘دق الساعة خير’، ‘اللوحة الباهتة’، ‘الكالوس’، حتي نصل للنص الأخير ‘القرار الأخير’ حيث نجد المؤلف كشخصية داخل النص يواجه ممثليه وجمهوره منهيا مسرحياته بإحالة إلي النص الأول في المجموعة:
‘انتوا مستنيين مين؟ ما هو مش جاي، والله العظيم ما هو جاي، وخليكوا قاعدين ، تنويعة مختلفة علي ‘جودو’ صمويل بيكيت، ولكن بشكل أعنف وأكثر صراحة ومباشرة، وباعتراف الكاتب نفسه علي لسان إحدي شخصياته.
‘معترضين’ عشان بقول كلام مباشر وبيخالف القواعد المسرحية المتعارف عليها، وإيه يعني،..
يحاول ‘باسم شرف’ في هذه المجموعة المسرحية تحقيق ما نادي به K.TRowe في كتابه A Theatre in your head ‘مسرح في رأسك’ من خلف قاريء يمكنه اخراج المسرحيات وهو يقرأها، كنوع من القراءة الإبداعية، علي اعتبار أن النص المتطور، أو التقدمي كما أسماه كولين ماك كاب Colin Mac Cabe، يخلق قارئا إيجابيا، وهذه المحاولات من الكاتب لصناعة نص مختلف ينتج بدوره قارئا مختلفا، هي نتاج طبيعي للتطور في الحركة الأدبية والثقافية والمجتمعية بشكل عام، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار ظهور الحركات المسرحية الطليعية دائما جنبا إلي جنب مع الحركات الثورية والراديكالية.
وهكذا، تحاول ‘جزمة’ باسم شرف، أن تركل الأشكال المسرحية السائدة من جهة، وأشكال السرد التقليدي من جهة أخري، مفرغة المساحة حولها، لتظل تجربة طليعية في الكتابة العربية