لا أعرف ما تمثله لي تلك النصوص، لكنني كنت أكتب كنوع من التنفيس أو العلاج النفسي. وأذكر أنني كنت حين أهمُّ بالكتابة، أشعر أنّ شيئاً عالقاً بصدري يؤلمني، أو ربما غصة تسد حلقي لا تهدأ إلا بعد اكتمال النص. حين أعيد قراءة نصوصي أشعر أنهم أولادي يشبهونني، بحكايتي مع أبي وأسرتي التي لا تعترف بالأنثى، بحكايتي مع وطن أحاول أن التمس فهمه بطريقتي، بحكايتي مع حبيب ليس للنسيان ولا للهرب.
«دون أثر لقبلة» كان رسالة مني لكلّ هذا العالم بجماله وقبحه وصخبه وهدوئه، لأقول له إنّي هنا أفعل ما أريد وأراك مثلما أحب أن أرى. الكتابة كسرت الكثير من الحواجز بداخلي ومنحتني قوة للاستمرار في الحياة واكتشافها من جديد. الشعر بالنسبة إليّ ليس وسيلة للتعبير عن الحياة بقدر ما هو نوع من أنواع الحياة وطريقة لاكتشافها. وعندما قررتُ أن أغامر بالنشر، قال لي أصدقائي إنّ نصوصي جريئة ونصحني أحدهم بأن أحذف قصيدة «حد الاختفاء» التي تتضمن استعارة للحالة الإلهية والملائكية.
إلا أنني فضلت تركها في الكتاب لا لشيء إلا لأنّ نصوصي تشبهني. وعندما أقرر الاختباء مني، سأضعها في مكان آمن وأحرقها جميعاً. أما الآن، فلا داعي للهرب. تشغلني دوماً فكرة الصدق الفني أكثر مما تشغلني ردود فعل القراء، أو النقاد. الكتابة فعل ذاتي، وإذا انشغل الكاتب بآراء القراء والنقاد، فلن يكتب أو سيكتب شيئاً تافهاً لا يمثله ولا يعبّر عنه. وإن باع ملايين النسخ وملأ الدنيا ضجيجاً، سينتهي كل ذلك مع الوقت. الصدق هو الذي يجعل الشعر شعراً والفن فناً.