نصان

تشكيل
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مريم الشكيلية

رسائل من نافذة القطار

لم يكن لدي الوقت لأفتح نوافذ عربة القطار من شدة الإزدحام حولي، لم أتمكن حتى من توديعك بتلويح يدي من النافذة، ولكن كان كل جزء مني يودعك حتى تلك العبارات التي علقت فوق صدر كتاباتي كانت الآن، وفي هذه اللحظة تتحرر من أسطري وتتطاير في الهواء كطائر حر.

هذه اللحظة ملايين الكلمات تهطل في داخلي كالسيل حتى إنني الآن أستطيع أن أكتب بعينيّ تفاصيل صغيرة كتلك الورقة التي سقطت من جيب أحدهم دون أن يشعر كانكماش وجهك الذي تحاول عبثا أن تخفيه بقبعتك…

هل يصلك هذا الهدير الكتابي الذي يعلو مع صفير القطار؟ هل يمكنك أن تتخيل تلك الكلمات التي خرجت في لحظة كأبيات شعر كتبت على عجل وهي تلتصق بجدار نفس مرتجفة؟ بماذا يشعرك النداء الأخير وعجلات عربات القطار تخطو بمهل؟ هل يشعرك كأن روحا تدنو من أبواب الجسد؟ تلك اللحظة تعد بمقاس حياة..

كان عليّ أن أجلس بعدها على ذاك المقعد وسط هذا الجفاف الحرفي ووسط هذه الحشود التي أخذت مكانها كأحرف صفت على مشعل الورق.  أأخبرك عن مقطورتي التي أنا عليها وعن السيدة ذات الوشاح الفضي التي تجلس بجانبي وكأنها تجلس في محراب معبد لا مقعد؟ أأخبرك عن وجبة طعام قدمت كان رغيف خبز ساخن تفوح منه رائحة أم ووطن لم تقوى أصابعي الملبدة بالبرد على لمسه..

لم نصل بعد إلى حدود (فينا) الطريق طويلة والغروب كمصابيح تضيئ سنابل حقول القمح لونا” ذهبي لامع أحاول أن أحتسي أبجدية اللغة في هذا الصمت إلا من صوت عجلات القطار… منذ إنطلاق القطار لم أكف عن الكتابة وكأن الأحرف تتدافع عند بوابة قلمي أحاول فقط أن ألتقط مفردة حرف سقط سهوا”.

**

أتنفس تحت الورق

كان يمكن أن أكون أفضل مما عليه الآن لو أنك فككت أزرار حديثي معك حين كنت أطفو معك في سطح غيمة أحاديث لا يفهمها إلا نحن.

حين كنا نسقط ثمان وعشرين حرفاً من على فوهة أقلامنا إلى ذاك الجزء الضيق من أفراحنا.

كان يمكن لهذا النزيف أن يتوقف لو أنك بقيت كما أنت ضميرا “مستترا عصيا” على انحناءة وجع.

ولو إنني بقيت كما أنا أقتات كعصفور من فتات مفرداتك على صفيح الورق المحروق.

كان يمكن لنا أن نتفادى هذا الإنهيار المدوي لو إننا سمحنا لكتاباتنا الورقية أن تكون أصلب من الورق وأعمق من جذور الشجر وأشد من رياح السفر.

إنني الآن لا أحملك عبء هزائمي معك ولا أكتب لأتنصل من ظلي المنعكس لصورتك في مرايا نبضك.

قبلك لم أشعر إنني بحاجة إلى أحد ينظر إلى ثقوب روحي التي تتمدد شيئا فشيء في داخلي…..

وبعدك لم أشعر أنني أغرق في بحر الألم لذى لم أعد بحاجة إلى سترة نجاة تنتشلني من البقعة المظلمة.

كنت بحاجة إلى أن أمسك بملمس القلم أكثر من أن أشبك أناملي بيديك كي أنصهر كالشمع في وعاء الورق الأبيض….

واليوم لا أستطيع حتى أن أصل إلى حدود السطر الأول لأكتب أسمك في صدر رسائلي كما كنت…..

كان يمكن أن نكون الطرف الأقوى في مواجهة الصقيع الذي عصف بنا قرابة نصف فصل وعام…..

كان يمكن أن نخرج كل ذخائرنا المخبأة تحت جلودنا ونشعل الفوضى في رسائلنا وليس هذا الفراغ المفزع والصمت المختنق وكأننا نتنفس تحت وهم الورق المبلول بأدمعنا….

 

مقالات من نفس القسم