حاورها: البهاء حسين
– إلى أين قد تذهب، لتعرف؟
– إلى الحافة
والليل حافة، أو هو ساحل، الزمن. ففى الليل، أكثر مما فى النهار، تطفو الأشياء التى تتحاشى النور، ولا تريد أن تنكشف. فى صالات الرقص والحفلات، حيث يصبح كل شىء سافراً فى حضوره، تجد التاريخ السرى للحياة.
وقد ذهبت إلى نجوى فؤاد، لثقتى أنه إذا ضاع منا هذا الجانب، تاريخ الليل، فسوف يصبح ما نحاول إخفاءه أكثر إلحاحاً على الظهور. سيصبح نصف قرن، كانت نجوى خلاله فى عز الضوء، كأنه لم يحدث. وراء كل نشاط إنسانى، عند كل طائفة روايتها للتاريخ، ومهمة السؤال أن ينقب عنها، لأن الحقيقة لا لون لها، ولا تسقط بالتقادم، وهى، على العكس منا، لا تشيخ ولا تموت.
على أنى لم أذهب إليها من أجل أن أعرف أسرار الماضى فقط، بل لأعرف، إلى ذلك، رحلة الجسد من اشتعاله إلى شيخوخته. لقد احتكرت نجوى فؤاد حق الآداء العلنى للجسد، لأنها كانت ترقص فتجبر الجمهور على السكوت وتعطى لجسمها حق الكلام. كانت جمرة متقدة تملأ فراغ المسرح حرارة وتلهب الشاشات والبيوت وخيال الرجال. واليوم، بعد أن تخطت الثمانين، أصبح الجسد هشاً ضامراً بالكاد يملأ فراغ السرير، لكنها، مع ذلك، تتشبث بعالمها القديم. كأنها، حين تستلهم الماضى، سيهبّ لنجدتها أو يؤدى بها إلى الرقص من جديد. حين كانت تجعل الليل بلا صباح.
ولكى أعيدها إلى ما كان، عدت بها إلى جذورها الممتدة فى فلسطين. من “يافا”، حيث ولدت، رحت أوقد الجذوة، ومن يعرف النكبة أفضل ممن كانت لهم أرض ولم يعد لها وجود!
* لا بد أن ما يحدث، الآن، فى غزة يذكرك بنكبة 1948؟
– طبعاً. أبى كان يعمل فى السكة الحديد، وتزوج من أمى الفلسطينية، وكانت متزوجة قبله وعندها أولاد، وبعد ولادتى حملت مرة أخرى، لكنها أصيبت بالسرطان وتوفيت هناك. كان عمرى وقت النكبة 3 سنوات، وقد حكى لى ابن أخى تامر كيف انتقلنا بمركب صغير إلى العريش ومنها إلى الإسكندرية. حيث استقرينا فى المنشية ثم فى “بحرى” بشقة أمام سكن عائلة سمير صبرى.
* ألم تشاركيه ألعاب الطفولة ؟
– لا، لكنى عرفته بعد العمل فى الفن. هو لم يكن بسيطاً أو سهلاً بالمناسبة. المهم تزوج أبى بسيدة مطلقة اسمها زهرة.. فلسطينية تركية. عشت مع هذه السيدة التى تمسكت بى. قالت لأبى الذى تزوج عليها، لأنها عاقر: لا تطلقنى.. خلينى على ذمتك.. عايزة أربى البنت اليتيمة دى.. عواطف. تقصدنى، وقد كان. كانت متدينة جداً، تقرأ القرآن بشكل متقن، رغم أنها أمية تستخدم الختم عندما تحتاج لإمضاء. سبحان الله
* وأنت.. ما الذى لفت طفولتك فى القرآن ؟
– كنت أستمع إليها، وأتعلم
* وخط السير من الإسكندرية إلى القاهرة.. كيف كان؟
– انقلبت حياتى حين أراد أبى أن يزوجنى من ابن عمى وأنا فى سن الـ 13. طبعاً رفضت. أنا كنت أزوغ من المدرسة، من أجل السينما. كنت أذهب لرؤية أفلام عبدالحليم وفريد الأطرش
* وفى هذا التوقيت.. هل حلمت بالعمل فى السينما؟
– كنت أتقمص شخصية البطلة وأمثله فى البيت.. منى للمراية. كان مصروفى شلن (5 قروش) فى اليوم. كنت ممتلئة بحلم التمثيل، ولهذا فشلت فى الدراسة. لم أكمل تعليمى الإعدادى حتى، واستغل أبى فشلى فأراد أن يزوجنى، ولما رفضت ضربنى قلمين، وهنا قررت الهروب إلى القاهرة أنا وزوجة أبى، أو أمى، فى الحقيقة. كانت معنا 10جنيهات. وكانت مبلغاً كبيراً سنة 1954م، أمى كانت تملك ماكينة خياطة، وقلت لها إننى سأعمل أيضاً، وبالفعل وجدت فى الجريدة إعلاناً لمكتب عرابى، وكيل الفنانين، واشتغلت عنده عاملة تليفون، ثم عرفت أن عبدالوهاب ساكن فى نفس العمارة، فى التوفيقية، فطلبت من عرابى، وكان صديقه، أن يعرفنى عليه. كنت عايزة أغنى وسمعنى عبدالوهاب، وقبل أن أكمل المطلع ” أنا والعذاب وهواك ” وضع يده على فمى، قال لى: بث بث (بس بس) يا شاطرة. خدى الجنيه ده وروحى هات لك سندويتشين
* جنيه بحاله ؟
– ( بعد ضحك مشترك أكملتْ ) علشان عبدالوهاب يديلك جنيه دى كانت حكاية. هو لم يكن يعطى أحداً شيئاً، لكنه طبطب علىّ وقال لى: إن شاء الله هنشوف لك شغل
* ما الشىء الذى ورثتيه عن كونك فلسطينية الأم ؟
– الذاكرة، كما أن بداخلى نكبة شخصية. أننى لم أعرف أمى الحقيقيّة، كان عمرى 7 أشهر حين ماتت. ولا أعرف حتى أسرتها
* ألم تبحثى عنها، بعد الشهرة ؟
– بعد الشهرة جاء عمى سيد من الإسكندرية، كى يقتلنى، الساعة الخامسة صباحاً، بسبب الرقص
* وفى القاهرة كيف وجدت الطريق؟
– بعد خروجنا من عند عبدالوهاب قلت لعرابى.. أنا نفسى أمثل.. إن شا الله حتى كومبارس. قال لى: لا.. كومبارس إيه؟ وفجأة سألنى: تعرفى ترقصى. قلت له: يا خبر أهلى يموتونى. قال لى ما تخافيش، وأمسك بالعود، وبدأ فى عزف ” زينة والله زينة”، وأنا لقيت نفسى طايحة فى الأوضة رقص. قال لى: يخرب بيتك. المهم أجّر لى توب من عند نعمت مختار، ووجدت نفسى أرقص، لأول مرة، فى أحد الأفراح بعزبة النخل
* كم تحصلت من النقوط ؟
– اترشت علىّ الفلوس.. شلنات وبرايز، لكن الأهم أننى نجحت بشكل ساحق
* والزواج.. متى تقاطع مع الفن ؟
– وأنا أعمل مع عرابى رآنى أحمد فؤاد حسن فى حفل كبير، قال لى: تعالى يا شاطرة إنت بتعملى إيه هنا ؟ قلت له: جاية أفتتح الحفل. بعدها أخبر عرابى بإعجابه بى وقال له: بفكر أتجوزها، وقد كان. كنت فى هذه الفترة أسكن فى غرفة بعمارة توفيق الحكيم بشارع فاروق، بعد العتبة
* هل كانت لدى الحكيم عمارة !
– كان عنده 4 عمارات. ومرة تأخرت فى دفع الإيجار، جنيه ونصف، فجاءنى إنذار على يد محضر بالطرد. المهم.. تزوجت أحمد، رغم أن فارق السن بيننا كان حوالى 20عاماً، وسكنا معاً فى شقة بالتوفيقية بإيجار 9 ج. كان من سكان العمارة رشدى أباظة وحسن الإمام وأولاده، لكن الحياة لم تستمر مع أحمد أكثر من 7 سنوات بسبب غيرة أمه وسيطرتها، وهو كان يرغب، على عكسى، فى إنجاب أطفال. كان اتفاقنا أن يساعدنى.. يخلينى نجمة، بتعبيره، وفعلاً ساعدنى كثيراً، لكن رغبته فى الخلفة حالت دون الاستمرار
* كم مرة، بالضبط، تزوجت؟
– من أحمد فؤاد حسن، أحمد رمزى.. وكان كتب كتاب فقط، لم تحدث الدخلة. كنت على سفر، لإحياء افتتاح مطار TWA، بترشيح من كمال الملاخ، للرقص تحت جناح الطائرة، فاتفقت مع رمزى على أن نجعل الفرح بعد العودة من أمريكا، وعدت، بعد أسبوعين، فوجدته قد رجع لزوجته. كان يحب ابنته باكينام لدرجة الجنون.
* ألم يكن هناك دافع آخر؟
– ( بعد تفكير ) فاتن حمامة كانت صديقة مقربة من أحمد، وهى التى شجعته على التخلى عنى والرجوع لبيته. عرفت هذا الكلام من قلب بيتها
* أكملى أسماء أزواجك ؟
– كمال نعيم، مصمم الرقصات. اتكتب كتابنا أنا وهو ووردة وبليغ فى نفس اليوم هنا فى شقتى سنة…( وفيما تحاول نجوى أن تتذكر تلك السنة سرّحت بصرى فى شقتها، حوالى 100م دوبليكس، حيث يمكنك أن ترى النيل فى أعرض اتساع له، بعد كوبرى أكتوبر، قبل ماسبيرو مباشرة، كأنك تراه كله.. المنبع والمجرى والمصب. ثم رحت أحدق فى الصالون والسفرة.. فى كل شىء، كأننى أتقصى الأثر، أو أنظر بمكبر بحثاً عن عصر، كان كل شىء فيه يتحول إلى رقصة أو نغمة إلى أن أصبح البيت خالياً الآن إلا من صور نجوى على الجدران تبتسم، دون أن تدرى أن هذه الصور أيضاً ستدركها الوحدة. وأخيراً عادت، لتخبرنى بسنة كتب الكتاب، 1972م، ومثلما يجرى النيل، من تحت شرفتها فى الطابق الخامس، دون أن يعطله شىء، راحت ذكرياتها تتدفق عن الأزواج والمشوار. قالت: وهناك سامى الزغبى، مدير الشيراتون، وأنا الذى افتتحته بالمناسبة، ثم محمد السباعى، ابن أخ يوسف السباعى.. لواء شرطة وكان مساعد حسن الألفى . وبس .. نزل الستار
* وعماد عبدالحليم ؟
– لم أتزوجه. أشرف لى أن أقول إننى تزوجته، لو حصل، إنما أنا حبيته وهو حبنى. كنت أكبر منه بعدة سنوات، لكن سلوكياته لم تعجبنى، ولهذا رفضت الزواج منه
* وراء أى شىء يمشى الرجل.. عقله أم قلبه أم تسوقه الشهوة ؟
– الرجل “دنى ” مهما يكن الحب ومهما تكن زوجته جميلة. بعد سنة يمشى وراء شهواته. لازم يدوق من كل بستان. تعرضت كثيراً لخبطات الأحذية، تحت الترابيزة، من رجال كانت زوجاتهم ملكات جمال، وكان زوجى بجوارى
* على ذكر الخبطات.. من من الممثلين تحرش بك ؟
– أحمد رمزى، قبل كتب الكتاب
* دعينى آخذك إلى الخارج.. فى زياراتك حول العالم ..أى شعب شعرت أنه راقص بالفطرة ؟
– اللبنانى
* تقولين إن الجسد يحكى قصة بالرقص.. أى عضو يتولى ألمهمة الأكبر فى الحكى ؟
– الجسد كله يصدر تعبيراً حسب كل قصة
* هل اليد هى مفتاح الجسد ؟
– طبعاً. خاصة الأصابع، حين تنفتح تعبيراً عن البعد، أو تتلوى نزولاً من عند الوجه علامة على الحزن واللوعة
* ألم تشعرى أنك خلقت لشىء آخر غير الرقص ؟
– لا . خلقت لأكون راقصة. كنت أتفرج دائماً على نعيمة عاكف وأتمنى أن أكون مثلها. هى مثلى الأعلى. لم أرها. الله يرحمها
* وما شهادتك على: تحية كاريوكا، سامية جمال، سهير زكى؟
– تحية ست عظيمة جداً. حصل بيننا سوء تفاهم بسبب الأسماء. لما تزوجت أحمد فؤاد حسن، قال لها أحدهم إننى تزوجت من محرم فؤاد، زوجها فى ذلك الوقت، فدبرت لى علقة ساخنة. كنت أمثل وقتها مع محرم فى فيلم” العذراء والحب” فى استديو الأهرام، وفجأة وجدت العمال يحملوننى إلى سطوح البلاتوه. وأغلقوا علىّ الباب، حتى تأتى تحية وتضربنى. ولما تأكدوا أننى متزوجة من أحمد فؤاد مش محرم فؤاد أبلغوها وانصرفت بسلام. مرة أخرى دعتنى مها صبرى، وكانت معزومة عند تحية وأخبرتها بقدومى فرحبت بى، وانتظرتنى فى البلكونة، لأفاجىء بجردل تلج فوق رأسى. كانت لسه شايلة منى، ولما عاتبتها مها قالت لها: أنا كده خلاص فشيت غلى. أما سامية فكنت أسميها نسمة جمال. ست رقيقة جداً وفى منتهى الجاذبية. سهير زكى ممتازة، لكنها محلية. رقص شرقى محض. الفرق بينى وبينها أننى أخذت الرقص المصرى للعالم. شاركت مايكل جاكسون وغيره فى حفلات كبيرة فى كل القارات
* ما الأسرار التى تودعينها جسدك قبل كل رقصة ؟
– حسب المناسبة والموسيقى
* لحن لك عبدالوهاب أكثر من رقصة.. كيف عاملك بعد أن كبرت ؟
– بمنتهى الشياكة. وكان منضبطاً جداً. يدعوك مثلاُ للعشاء معه الساعة 8 لو تأخرت 5 دقائق يفتح لك الباب ويدخلك فى غرفة أخرى غير غرفته. يقول لك: أنا باكل جبنة بورسان وعسل إسود وردّة ويتركك تأكل لوحدك. كان من عاداته، رغم وسوسته، أنه يترك الموز حتى يتعفن، ثم يأكله، كله بنسلين. ولم يكن يطيق أحداً بجواره إذا كان يلحن، لكن بليغ كان يحب التلحين وسط الناس. كانت الجمل تأتيه فجأة. بليغ عبقرى
* مع من كان جسدك يتألق ؟
– مع آية جملة موسيقية حلوة
* وما المؤثرات التى تعتقدين أنها المصادر الرئيسية لتثقيف جسدك ؟
– النغمات. أحب العود بالذات. يمكن أن أرقص عليه بلا إيقاع
* والشىء الذى ينبه جسدك أكثر ؟
– الحزن
* وما أكبر حزن فى حياتك يا مدام نجوى ؟
– ( بتنهيدة ) افتقادى للأم والأولاد والأسرة، وخيانة سامى الزغبى لى مع صديقتى، ثم زواجه منها
* لم تكلمينى عن العصا.. أهى مجرد إكسسوار أم تلعب درواً فى توصيل المعنى ؟
– هى تمثل التراث الصعيدى
* هل نشب صراع بين قلبك وجسدك، بحيث لم يكن هناك توافق ؟
– جسدى لا يتحرك إلا إذا شعر قلبى بالموسيقى
* أيهما يتبع الآخرفى الجسد.. الجزء الأعلى الذى يحمل العاطفة، أم النصف الأسفل الذى يتبع اللحن ؟
– جسدى لا يتحرك عكس بعضه، لا بد من انسجام الجزئين طبعاً، ولا أعرف أيهما يتحرك قبل الآخر
* من أين تنبع قوة الرقص.. من البساطة أم التكنيك ؟
– العشوائية لا تنتج رقصاً. لا بد من التفكير والمعايشة. وعندما تكتمل كل العناصر من إضاءة وموسيقى وديكور وخلفيات تصل الرقصة للاكتمال
* تعرفين أن الخيل العربية بالذات تحب الرقص. هل تعتقدين أن هناك وجه شبه بينك وبينها ؟
– أنا كنت فعلاً فرسة ترقص. سيقانى وجسمى. وكان عندى حصان وسامى الزغبى كان لديه هو الآخر حصان. كنا بعد الظهر نركب الخيل فى صحارى سيتى لمدة ساعة أو ساعتين
* يعكس الرقص تعبير الشعوب عن نفسها. فى ظنك من الراقصة التى تعبر عن الشعب المصرى ؟
– فيفى عبده، وكانت هناك راقصة اسمها نبوية مصطفى. كانت تلف وتبرم كأنها بلية، ورغم أنها ممتلئة الجسم، إلا أنها تتحرك بمنتهى الخفة
* والرقصة أهى تصميم أم راقص؟
– الاتنين.. ما ينفعش يبقى معاك ورقة دون قلم
* بأى شىء يتحقق الإغراء.. بالعرى أم بالحركة ؟
– لم أقف يوماً على المسرح بقصد الإغراء. أكون فى حالة توحد مع نفسى، كأننى أرقص فى الظلام، رغم وجود النور من حولى
* مثلت أغلب أدوارك مع إسماعيل يسين .. ما شهادتك عليه؟
– أطيب رجل رأيته فى حياتى، لكن زوجته كانت تغار عليه جداً
* ورشدى أباظة ؟
– لم يكن يجذبنى، وهو من ناحيته لم يعتبرنى أنثى. كان يقول لى: إنت الخلة إللى أسلك بها أسنانى. الله يرحمه، كانت جيوبه دائماً فارغة، لأنه كان فى منتهى الكرم. كان يعطى رئيس العمال 50 ج كل يوم علشان يجهز صينية لحمة ويقول له: تحط فيها جوزة الطيب كتير. ونفرش الجرايد لما تجهز ونقعد ناكل. وفريد شوقى نفس الشىء، لدرجة إن كان عامل لستة سودا للى ما يحضرش الغدا ويخاصمه فعلاً
* كان أول أجر لك فى التمثيل 150ج عام 1958م. ماذا عن آخر أجر؟
– 20 ألف عن دورى فى فيلم ” خلطة فوزية ” سنة 2009م
* إلى أى درجة كنت تندمجين فى التمثيل؟
– بشكل كامل
* وما الدور الذى شعرت أنه يترجم حياتك ؟
– فى ” خلطة فوزية”.. عن راقصة معتزلة كبرت واشترت لنفسها تربة
* وكيف كانت علاقتك بالمكياج والملابس؟
– على حسب الرقصة أو الدور، لكنى فى كل الأحوال كنت أميل إلى الملابس المحترمة. فلوسى كلها راحت على الملابس
* أما زلت تحتفظين ببدل الرقص ؟
– وزعتها كلها على الراقصات الفقيرات
* كيف ترين نفسك ؟
– أقل من عادية
* وجسدك ؟
– أعطيه 10من 10 وبالذات سيقانى. كارتر كتب فى دفتر التشريفات بفندق المريديان الذى رقصت فيه أمامه: ” لهم حق يحبونها. لديها سيقان جميلة “
* وكيسنجر؟
– كان يستلطفنى. ولم يكن لى دور فى ذلك. وقد أرسل لى مع واحد من أفراد حراسته يعرض علىّ الزواج والسفر لأمريكا. طبعاً رفضت، لأننى كنت متزوجة من الزغبى
* هل كنت تعرفين من هو؟
– لا، لكننى عرفت فيما بعد
* متى شعرت أنه لا بد من أن يقع الانفصال بين نجوى الراقصة ونجوى الممثلة؟
– لم أشعر بذلك، لكنى حين قررت اعتزال الرقص كنت فى قرارة نفسى أقول: لا بد أن أفعل ذلك قبل أن يطالبنى أحد به. ولما قررت الاعتزال، عام 1996م، استعذت بالله من الشيطان الرجيم وقعدت على الأرض بغرفتى، فى فندق سمير أميس، وتخليت عن كل الملابس الخاصة بالرقص
* ما الداعى للاعتزال ؟
– بدأ الجمهور يطلب منى حبة فوق وحبة تحت، وإيه الأستوك ده، تداخل الشعبى مع اللون الكلاسيكى فى الغناء وطغى عليه، وعبدالحليم نفسه عانى من ذلك، فى آخر حياته
* على ذكر عبدالحليم.. أنت تعتبرينه أستاذك. ما الدرس الذى تعلمته منه ؟
– إخلاصه لفنه. كان بينزف ويصر على الغناء
* وماذا عن علاقته بسعاد حسنى ؟
– أحب سعاد حسنى جداً، لكنه لم يتزوجها، لأنه لم يكن قادراً جسدياً على مجاراة النساء، وهذا كان يسبب غصة لسعاد. كانت هى أيضاً تحبه جداً
* وما الدور الذى شعرت أنك فقدت ذاتك معه ؟
– دورى فى “حلاوة روح ” مع هيفاء وهبى
* وما رأيك فيها ؟
– هى ست جميلة جداً فى الطبيعة، لكن آداءها مثير أزيد من اللازم. تملك مقومات أجمل مما تفعله، لكنها تتعمد الإثارة، حتى لبسها فاضح
* من من أزواجك كانت حياتك ستتغير لو استمريت معه ؟
– أحمد فؤاد حسن. وندمت على أنى لم أنجب منه
* هل يتغير الرقص تبعاً لتغير العصور السياسية؟
– أكيد. ربما يختلف الإيقاع. قبلى كان بطيئاً جداً، أنا حركته ومعى فيفى عبده ومن بعدنا دينا. بعد ذلك أصبح رقصاً شعبياً
* بمن من رؤساء مصر جمعتك مناسبة؟
– كنت أحب عبدالناصر جداً والسادات أيضاً، ورقصت كثيراً فى بيته. كانت جيهان حين تستضيف الشيخة فاطمة حرم الشيخ زايد أو غيرها تعزمنى وهكذا، كنت أشعر أننى فى بيتى، لا مع زوجات رؤساء. ولا أنسى منظر السادات وهو يشير بيده لإبطه، فى فرح حسام أبو الفتوح بمينا هاوس، وأنا على المسرح، ولما تكررت هذه الحكاية فى كل حفلة كان يرانى فيها سألت واحداً من مرافقيه عنها، فأخبرنى أنه يشير إلى استعراض ” على لوز” الذى اقتبسته من الثلاثينيات ( وهنا راحت نجوى تصفق بيديها وتغنى، ولم يكن بإمكانى أن أضع يدى على فمها فتركتها تردد): “حلاوتها زايدة حتة ياكلوها الساعة ستة يا سى على لوز”. كنت فى الاستعراض أؤدى جملة حلاوتها زايدة حتة كأننى أنتف الشعر بالحلاوة. من هنا معنى إشارة السادات للإبط. أتاريه بيحب الأغنية دى.
أما عبدالناصر فكنت أرقص فى فرح ابنته منى على أشرف مروان، وكنت قبلها أفكر فى شىء غير تقليدى أقوم به، وبالفعل وسط الرقصة ومع أغنية ” زغرودة حلوة رنت فى بيتنا” وعند انطلاق الزغرودة طيرت بضع حمامات من القفص، فظن الأمن أنها قنابل، وانقض علىّ أحدهم بعد غلق الستارة، فيما بعد عرفت أنه صفوت الشريف، ومع أول قلم سقطت على الأرض، ولما هدأت الدنيا ومرّ الموقف بسلام فوجئت بعبدالناصر شخصياً يطيب خاطرى ويعطينى 500ج . أنا زوجت كل أبناء عبدالناصر وأبناء السادات، لكن لم يدعنى أحد إلى أى مناسبة تخص الرئيس مبارك. لم يكن يحب الرقص. كان دائماً يستعين بمطربين
* وما الأتعاب التى كنت تتقاضينها من بيت السادات ؟
– لم تكن الأتعاب على هيئة نقوط، إنما كانت تأتينى هدايا قيمة، برواز، رسمة لبيكاسو. ومرة أعطتنى جيهان شال فرير
* وما الذى كان يعجبك فى السادات ؟
– جرأته حين خطب فى الكنيست وقال لهم: لا يجب أن نظل فى حرب للأبد
* ألم يرفض العرق الفلسطينى فيك هذه الخطوة ؟
– لا. كنت أريد أن ينتهى الدم. بالمناسبة أنا رفضت الرقص فى تل أبيب سنة 1986م مع داليدا مقابل 100 ألف دولار. جاءنى متعهد حفلات فرنسى واتفقت معه وأعطانى 10 آلاف دولار عربون، أثناء عملى فى ” الماريوت”، بعد انتهاء العرض كلمنى صديق فى الفندق وقال لى: كنت قاعدة مع الراجل ده ليه؟ فحكيت له الحكاية. قال لى ده ابن … صهيونى. قلت له: يا خبر، وأعدت للمتعهد فلوسه، رغم أن كثيرين غيرى، مثل مدحت صالح، ذهبوا وأقاموا هناك حفلات. المهم خرجت من الفندق رغم إلحاح المتعهد علىّ، لكنى تركته وركبت سيارتى وخرجت
* غاوية إنت عربيات؟
– كنت أغير سيارتى كل سنة. أبيع القديمة وأشترى واحدة جديدة بدلاً منها
* بأى شىء ما زلت تحتفظين من ذاكرة الطفولة ؟
– ” سانجام” كانت سينما ريتس وراء بيتنا فى المنشية، فكنت أهرب من المدرسة من الساعة 10 للساعة واحدة، لأتفرج على فيلم ” سانجام “. حضرته 21 مرة. كانت التذكرة بخمسة تعريفة وكنت آخد قزازة كوكا كولا وساندويتش بقرش وأنسى نفسى معاه. ” سانجام” حببنى فى الرقص الاستعراضى، وهجرت بعدها المدرسة والكتب. ما زالت مشاهده عالقة بذاكرتى
* هل ندمت على أنك لم تكملى تعليمك ؟
– طبعاً ندمت، لكنى طورت نفسى، وكان أنيس منصور وسمير سرحان يرسلون لى كثيراً من الكتب. كان أنيس صديقى وكنت أكلمه وأذهب لبيته بانتظام. كان يحب صوت فايزة أحمد ويدعونى أنا وهى ومحمد سلطان للعشاء عنده 3 أو أربع مرات فى الشهر. هو الذى أخبرنى عن اليهود والنازية وأشياء كثيرة. ثم لا تنس أن السفر أكبر جامعة. كل بلد زرته كان كتاباً مفتوحاً بالنسبة لى
* عدم استكمال التعليم، أم الحول هو الذى شكل بالنسبة لك مركب نقص ؟
– الحول، لأننى تركت التعليم بإرادتى، لكنى أحمد الله ما زل هناك بصيص من النور فى هذه العين
* وموضوع التبنى أهو تعويض عن الإنجاب ؟
– تقصد نادية ابنتى بالتبنى. هى خريجة حقوق. زوّجتها وصارت جدة الآن، لكنها لم تعد تسأل عنى
* لمن ستتركين ثروتك ؟
– ليست لدى ثروة. حتى هذه الشقة بالإيجار، خسرت كل فلوسى فى الإنتاج
* هل أنت خائفة من الموت ؟
– لا. هو شىء لا بد منه
* ولو أنك اضطررت لتكرار ما فعلت، هل تخارين نفس الطريق ؟
– هو هو
* ألم تشعرى فى أى وقت بأن الرقص حرام ؟
– الرقص ليس حراماً، إذا كان محترماً ويقدم بأسلوب راق
* إذن لا ينتابك شعور بالذنب حيال تاريخك ؟
– نهائى. تاريخى عند ربنا. هو إللى هيحاسبنى. الأعمال بالنيات والنيات فى القلوب
* ماذا يوجد الآن فى قلبك ؟
– يرسل ويستقبل حب الناس. مرة فى سوريا، وكنت فى حفلة مع عبدالحليم، شالونى بالعربية، من الحب. هذه أقل مكافأة لتعبى
* من من الوسط يسأل عنك ؟
– لا أحد، باستثناء نبيلة عبيد، وفيفى عبده
* والليل. إننى أبحث، من خلالك، عن تاريخه ؟
– الليل بيسرق العمر من غير ما تحس. قضيت عمرى كله بالليل. طول النهار نايمة وطول الليل شغالة. لم يكن عندى وقت لأى شىء آخر. كمال الملاخ جاب لى اشتراك فى نادى الجزيزة بـ 150 ج. اعتذرت عنه، لأنه ما عنديش وقت أروح نوادى. زمان كمان كان ليل القاهرة يغرى. كان كله حياة. دلوقت كله ضجيج. كان عادل إمام وسعيد صالح وسمير خفاجى يخلصوا مسرح والفجر يكونوا فى إسكندرية على البلاج بياخدوا حمام شمس. كانت الحياة غير محدودة
* أيهما أكثر موهبة.. سعيد أم عادل ؟
– سعيد طبعاً. عادل أستاذ، لكن سعيد فنان كبير.. يضحكك بمجرد النظر إليه
* بمناسبة الليل.. لماذا رفضت مشاركة شريفة فاضل فى كازينو الليل ؟
– لأن حلمى كان هو الإنتاج لا بناء كازينو. كانت مارى كوين مثلى فى الإنتاج
* متى بدأ جسدك فى إعلان عصيانه ؟
– من 1995، بدأ ينشف، ولهذا اعتزلت بعدها
* ما الحكاية التى يقولها جسدك الآن ؟
– حدوتة الألم.. وجع الركبة والرجل والظهر والمفاصل
* أيهما أشد.. ألم الوحدة أم المرض ؟
– الوحدة. ألم الجسد يمكن علاجه بمسكن، لكن كيف تسكن الوحدة
* هل تختارين بدلة رقص، لتكون كفنك؟
– أعوذ بالله. مش وارد، ولا حتى هعمل عزاء
* وما العمل الذى تطمئنين به للقاء الله ؟
– هناك أعمال خير كثيرة، لكنى لا أستطيع الكلام عنها
* زمان.. عندما كنت ترقصين، هل كنت تصومين مثلاً ؟
– منذ الطفولة لا أصوم بسبب القرحة والإثنى عشر، لكنى أصلى. وإن كنت منذ سنة لا أقدر على ذلك. وحاولت أن أذهب للحج.. فى كل مرة كان يعطلنى شىء، لكنى اعتمرت مرتين
* مقبرة الغفير.. هل أكملتها؟
– أول شىء اشتريته فى حياتى هى مقبرة الغفير وأكملتها بشكل رائع
* يبدو لى أنك أخذت من الحياة بقدر ما أعطيتها ؟
– الحمد لله، أخذت ربما أكثر من حقى. كفاية حب الناس
* وما الشىء الذى فشلت فيه؟
– الإنتاج. بعت عزبتى، فى طريق مصر إسكندرية الصحراوى، عند محمد صبحى، وبعت فيلا فى شارع شهاب بالمهندسين، وشقة فى الجولف، بالإضافة للسيولة التى كانت معى. حوالى 3 مليون ج. بدأت البيع مع فيلم ” حد السيف” لمحمود مرسى؟
* وما شهادتك عليه؟
– رجل عظيم. كنت أرتجف حين أقف أمامه. هو وعاطف سالم ووحيد حامد علمونى الأدب. عاطف استعان بى فى أفلامه منذ بدايتى. وحيد حبيبى..كان بيكتب قصصه فى فندق المريديان، وكانت لى كابينة هناك على شط النيل، بمجرد ما يشوفنى فتحت الباب ينزل يشرب القهوة معى. أما محمود مرسى فكان يكره الستات. سميحة أيوب عملت له عقدة. كان يصور مشاهده فى “حد السيف” ويدخل غرفته
* ما المسافة بين التصور والإنجاز فى مشوارك؟
– حققت كل ما حلمت به
* متى شعرت أنه قد انطفأ شىء بداخلك ولم تعودى قادرة على استعادته ؟
– بعد انفصالى عن الزغبى
* ومتى شعرت أن كل شىء فقد معناه ؟
– فى آخر 20 سنة
* مم تتبرأين؟
– من علاقتى بعماد عبدالحليم
* من أفضل شخص رسم لك بورتريه .. بالكلمات أو بالألوان ؟
– بالألوان.. صلاح طاهر، رسم لى بورتريه هدية. ومصطفى أمين وكمال الملاخ أفضل من كتبوا عنى. الملاخ صاحب أفضال علىّ، مصطفى كتب عنى أننى ريتا هيوارث الشرق. وكان كلما رآنى، فى بداية حياتى، عندما افتتحت الهيلتون سنة 1960، بدلاً من سامية جمال بناء على اختيار المالك الأجنبى، كان مصطفى يعطينى فلوس. يقول لى: خدى يا بت كنت ناوى أجيب لك هدية
* من الشخص الذى قابلته مرة واحدة وتمنيت أن يتكرر اللقاء ؟
– وائل جسار
* وشخص لم تتمنى لقاءه مرة أخرى ؟
– أحمد مظهر. كان فى منتهى العدوانية والتكبر. كان يمثل فى فيلم ” ألف بوسة وبوسة ” من أنتاجى. دور شرف. كان مشمئز إنه على آخر الزمن اضطر يشتغل مع رقاصة زى نجوى فؤاد
* وشخص عاصرته وكانت بدايته مختلفة عن نهايته؟
– مصطفى محمود. كنت فى حفل عشاء عنده أنا وأحمد فؤاد حسن، أوائل الستينيات، وكان يتكلم عن الدين بطريقة جارحة، وفى نهاية عمره زرته أثناء مرضه وجدته شخصاً يعيش على التسبيح والذكر
* هل تعتقدين أنك وصلت بالرقص الشرقى إلى حد الكمال ؟
– اجتهدت قدر استطاعتى
* قلت إن الروح سر الله والجسد سره الثانى. كلمينى عما عرفته من أسرارهما ؟
– الجسد الذى تحافظ عليه أطول عمراً من الجسد الذى تتخذه بضاعة أو تجارة. وأنا حافظت على نفسى
* متى شعرت أن جسدك يقف عائقاً أمام روحك ؟
– لم يحدث، لأن جسدى لا يمكن له أن يعمل وهو غير منسجم مع روحى. أنا روحى فيه. أحب يدى لما تعمل شكل حلو. أحب رجلى لما تخطو خطوة حلوة
* كيف تناجين الله بالرقص كما تقولين ؟
– بزى معين يصمم خصيصاً لهذا الغرض، وحركات محترمة. الرقص، فى الأصل، كان طقوساً دينية عند الفراعنة، وأنا حفيدتهم
* فى أى عمل شعرت أن هناك قوة مغناطيسية وحدتك مع المشاهد ؟
– فى فيلم ” الليلة الموعودة “
* وما الشىء الذى شعرت أنه يعطى لحياتك معنى ؟
– الحب
* ما الذى خرجت به من النيل وأنت تطلين عليه كل صباح منذ عام 1966م ؟
– الانتماء. لو غبت عن مصر أكثر من 10 أيام أحسّ بالاختناق
* ما الفكرة التى كانت ترافقك طوال المشوار ؟
– أن الله سيسترنى
* ختاماً .. كيف هى علاقتك بالندم ؟
– لا أحبه. فعلت كل ما فعلت بكامل إرادتى، فلماذا وعلى أى شىء أندم. قد أتلافى الخطأ ولا أفعله مرة أخرى، لكننى لا أندم .