نبيّ الخسارة الخضراء

زين العابدين سرحان
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

زين العابدين سرحان

نبيّ الخسارة الخضراء

سودٌ هي الأرواح، فيها تنشبُ النّيران أُغنيّة الحريق، تُعذّبُ الألحان في قبوٍ حفره دمعٌ متساقط من نافورةٍ هرمة، دمعٌ متريثٌ يحرق جلد وجوه متغضنةٌ، لم تذلّل أرضها قبلات الآلهةِ الخصبة.

وعلى مضضٍ أشاهدُ كيف ينطفئ فانوس العالم، لأنام في ظلامٍ دامسٍ، وأطفو كسمكةٍ نافقةٍ على سطح الموت، أطفو على ماءٍ حزين ذرفته العيون، وأمشي عليه مثل نبيٍّ خسر خطواته الرّشيقة، باحثًا عن البوّابة التي تفضي إلى قلعة السّماء.

لماذا لم تستجب الدّعوات؟

ولماذا تكسّرت أجنحة الملائكة؟

هل لأنها حلقت إلى عدم الجنان؟.

لا رفةٌ من حمامةٍ تأخذني إلى غارٍ أختبئُ فيه، لأصنعَ المعجزات، وأكتشف الدّروب التي تخلصني من الظّلام الذي ولدت فيه، وما زلت في وسطه مثل شمعةٍ تخفق عليها الرّيح الوحشيّة، لتعذبَ شعلتها حتّى في انتظار الانطفاء، ولا طريقٌ ينعطف بي نحو جنّة الأشجار البعيدة، يا جنة الأشجار تزوركِ الرّيح الخبيثة كلّ ليلةٍ، وأنا في الصّباح وحيدًا كشجرةِ صبّارٍ لعنتها الآلهة، وطردتها من طاولة حظوتها الطّويلة، وجعلتها تمدُّ جذورها في شظف العيش.

كانت المدائن تموّج بنورِ الشّمس الهابط مثل رغيف خبزٍ، ليقبل أفواه الجياع، وكانت مريمُ السّمراء تنتظرُ أصابعًا مشؤومةً، لتتوغّلَ في سوادِ جديلتها مثل عسسٍ ليليّ، وتفكّ أُنشوطة الأمنيّات المعقودة على وجه القمر.

يا زمان الضياع متى تعتق نبيًّا ملعونًا بالعذاب؟ نبيٌّ أسقط خاتمه السحريّ في جحيم الخوف، خاتمٌ صاغه شيطان يتمرّغ قرب بركان قلبي الثائر بالحبّ، ورسم بسخام أنفاسه على وجوهنا لون الخوف، وغير خضرة الأشجار، بعد احتراق الأغصان الذّهبيّة في عروق الحياة.

**

خيطٌ أخضر

يعذبني المساء، يقتلُ أنفاسي، ويقذف بصخرة الصمت على حنجرتي، ليدعني أكبتُ غضبَ كلامٍ وحشي يمزقُ أحشائي.

وأصمت كالحجارة، لينفد مني الدمع الذي ذرفته عند انفلات أصابع تلك الفتاة، فمن حينها نبذتني البيوت الأليفة التي وقفت على أعتابها، متنعمًا بدفئها الذي داعب أقدامي المنهكة بعد التجوال في أرضٍ وعرةٍ صنعتها الهموم، حتى صرت تائهًا في دنيا الغربال أسقط منها كحبةِ قمحٍ، نحو هوةِ جوعٍ أبدي.

يا سيدي ماذا سأكون غير هذا الرماد الذي تصرخ به الريح؟

ماذا ساكون غير قيحٍ يقذفه هذا العالم المريض؟

فالأصوات التي تعطلت في مضيق الأحلام، ظلت في حنجرة البحر وتحطمت على سواحله سفن الوصال.

وما كان لي من عملٍ ، غير أن أُلف برسائل الشوق مثل مومياءٍ، وأدفنُ في اهرامات الحزن.

يقبض الخوف على قلوبٍ تنبضُ كالطبل، يقذفها في كوة الأساطير، لتشتعل فيها الأحجيات، وينقطع الخيط الأخضر من معصم الأيام.

أيها الصمت القادم من معبد الشيطان،

لماذا ترسل حديدك المشحوذ بأنياب الجن؟

وتقطع هواء الدعة المشدود برئة الحبّ.

 

 

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project