مِنْ فِلَسْطِينَ أَنْتِ، وَأَنَا مِنْ مِصْرَ

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

فرانسوا باسيلي 

مقدمة

في عيد زواجنا الثالث والخمسين، في السابع من يناير 2024، عيد الميلاد الشرقي أقدم قصيدتي هذه إلي ساكنة القلب رفيقة الدرب سعاد، التي جاءت من فلسطين أرض الرسالات والمريمات، لتحقق لابن النيل وعد إيزيس بالبعث والحياة.

وكنت قد أفصحت لها عن مشاعري نحوها أول مرة في يوليو 1967 في رسالة من القاهرة إليها في عمان وكلانا نتجرع مرارة الهزيمة المصرية والعربية الهائلة التي سميت بالنكسة، ضياع سيناء مع البقية الباقية من بلدها فلسطين، وكنت قد أهديتها أول قصائدي المنشورة في مجلة الهلال في يناير 1970 بعنوان “البكاء في عرس العالم” وتحت العنوان كلمات “إلي س. د. الآتية كالفرح إلي دموع العالم”، تعبيراً عن الفرح الشخصي الخاص الذي إقترن بالألم الوطني العميق في تلك الأيام التاريخية الباهظة.

وأجدني الآن أكتب هذه القصيدة بعد أكثر من نصف قرن من زواجنا، بينما جمرة المعاناة الفلسطينية ما تزال متوجهة كما كانت في 67 أو ما يعرف بنهاية الزمن الجميل، وقد وصل وجع بلادها إلي أقصاه في جسدها ووجدانها، وكأنها تتضامن مع وجع البلد بلوعة الجسد وتعب الروح

 مِنْ فِلَسْطِينَ أَنْتَ، وَأَنَا مِنْ مِصْرَ

 

ماذا  أُسَمِّيكِ

أيتها الآتية كَالمَرْيَمِيَّة

من أرض الميعاد

كَأَنَّكِ وَعْدُ الْإلَهِ لي

ولمن كان مثلي

ينتظر الميلاد

وهو لا يحمل ذهباً

ولا هديَّة

ماذا  أُسَمِّيكِ

من أسماء الملكات الساحرات

يملكن ويحكمن

ما شئن من ممالكٍ وهمية

أو من أسماء صبايا الفجر

حاملات الماء والزاد

للجائعين في صحن المعبد

والغرباء الضائعين في الوهاد

بلا قضية

ماذا  أُسَمِّيكِ

كي أسمع إسمكِ

في حكايةٍ شرقية

علي شفتي شهرزاد؟

….

أو في حكايةٍ فلسطينية

في كوفية العريس والمأساة

وهو يحاول أن يعطي

ما لقيصر لقيصر

وما لله لله

وكل ما أعطاه

لا يكفي كمهرٍ للعروس

قدوس يا قدوس

يا أورشليم قدس الأقداس

“يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ

كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ

كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا

وَلَمْ تُرِيدُوا!”

قولي لي

قولي لي

كيف أصلي

أيتها المدينة الحزينة

كأرملة تجلس وحدها

في الأعياد

أيتها الجميلة الجليلة السامرية

متي ننتهي من أكل هذا الجسد

وشرب هذا الدم

في طقس العماد

نخب كل ضحية؟

…..

 

لا أذكر الآن

إن كنت قد قرأت اسمكِ

في كتابٍ من الكتب القدسية

في نشيد اخناتون لنفرتيتي

الجميلة أقبلت أو ذهبت

لتعد الجسد الساجد في صحن المعبد

لليلة العشق الشهية

أو ربما

في أغنيةٍ في بردية

مما كتب الفتي المصري

في عشق مصرية

وقد هَدَّدَتْهُ أن تجري إليه

وتُقَبِّلُهُ أمام رفاقه

هكذا كانت جريئة في العشق

مثلكِ

مسربلة بالحق

مثلكِ

ممسوحة بالعسل الأبيض والأسود

من ساقها للسما

أو ربما

لم أقرأ إسمك قط

ولا عرفت لك إسما

فكيف أنطق ما لا ينطق

وكيف أعرف الحق

وقد غرق في بحرٍ من النفط

وكان في البدء لا يغرق

ها هي القوافل شرقية وغربية

لا تحمل التين والعنب

بل أسلحة دمارٍ وحرب

تغمر ما بقي من أرض ملك السلام

وقد حولوها إلي مملكةٍ وثنية

…..

 

ماذا أُسَمِّيكِ

كي يكون الإسم في البدء أَنْتِ

في الموت أَنْتِ

وفي البعث أَنْتِ

أسطورة كالتي للإلهة إيزيس

تُتْلَيْ علي التاريخ مَرَّةً، وَتُعَاد

ماذا أُسَمِّيكِ

كي أُسَمِّي عَلَيْكِ باسم المحبة

التي لا تسقط أبدا

واسم الوعد الذي واعدنا

كم حفظ الميعاد

وكم أخلف الميعاد

 

أأُسَمِّيكِ ليل؟

أأُسَمِّيكِ فجر؟

أأُسَمِّيكِ شجن؟

أأُسَمِّيكِ وطن؟

 

أأُسَمِّيكِ أرض؟

أأُسَمِّيكِ بحر؟

أأُسَمِّيكِ زمن؟

 

أأُسَمِّيكِ قلب؟

أأُسَمِّيكِ روح؟

أأُسَمِّيكِ جسد

لا يشبه الأجساد

 

أأُسَمِّيكِ أهلٌ

أبٌ وأمٌ وطفلٌ

بشارةٌ ومسرةٌ

بلا بداية ولا نهاية

أجدادٌ وآباءٌ وأحفاد؟

 

أين أجد إسماً

يقطر مناً وسلوي

ونقاء سريرة

وصفاء نفس

ليدل عليكِ

حين أعدو لهفةً إليكِ

وقد حررني الحق

وحررني العشق

من أسر العالم

ورنين الأصفاد

 

لا أجد لكِ  إسماً

أطمئن إليه

القدس أم أورشليم؟

أم مريم المجدلية؟

كأن ربكِ الجبار ربكِ الرحيم

حار هل يخلقكِ رقيقةً

أم قوية

فجمع فيكِ ما لا يجمع

كأنكِ من كونٍ آخر

لا يمت لهذا الكون

كأن يدا غير هذي السماء

شكلتكِ من ضوءٍ وماء

كأنكِ ظاهرة غير طبيعية

فالباطن هو الظاهر

والظاهر حلمٌ لم يأت للعين

من خلف الآماد

كأنكِ بعدٌ آخر

لا يمت إلي الأبعاد

كم أنت قريبة وبعيدة

كأنك أورشليم المدينة

شامخةٌ، وحزينة

تشهد ملامح الخيانة

وابنها يصعد للصلب

في مدينةٍ بلا قلب

ألم تكن هذه يوماً

أرم ذات العماد؟

 

هَلْ جِئْتِ مِنْ أورشليم

قدس الأقداس

إلي أرض إيزيس

ليفيض النيل في الجليل

فيولد منك طفلٌ

ليس كالأولاد

إسمه جون، كيوحنا المعمدان

إبننا الجميل

الضاحك المرح النبيل

يتحدي الإعاقة

قبل الأوان جاءنا، أو ربما

بعد الأوان

مكللاً بالشوك والورود

دفعته الآلهة في سلةٍ للنهر

أهذه لفافةٌ تحميه أم قيود

قَيَّدَتْ يَدَيْهِ خَلْفَ الظَّهْر
وَأَلْقَتْ بِهِ فِي الْمِيَاهِ

كَيْفَ يَسْبَحُ أَوْ يُسَبِّحُ؟

لم يعد يجديه صومٌ أو صلاة

“إغفر لهم يا أبتاه”

فمن سيغفر للإله؟

هَلْ جِئْتِ مِنْ أورشليم

تحملين وعد ربٍ رحيم

بالمجد والسلام والمسرة

لتملئي قلب شاعرٍ مفعمٍ كزهرة

بحزن الفراشات

كَمْ سَنَحْتَاجُ مِنْ جَلَدٍ وَمِنْ آيَات

لنصعد للجلجثة

محبين لأعدائنا

مصلين لأجل الذين يضطهدوننا

ويسيئون إلينا

كم سنحتاج لبحارٍ

من رحمةٍ ومغفرة

لِنَغْفِرَ لِلْوُجُودِ مَا أَلَّمَ بِنَا

ونخطف الضحكات

من فم الملمات

 

هل جِئْتِ مِنْ يافا

لتعانقيني علي ضفة النيل

فيرقص الأرغول فرحاً

مستعيداً شعر إخناتون

ونشيد الإنشاد

 

أَمِنْ بَلَدِ الْمِيلَاَدِ جِئْتِ

أم جِئْتِ مِنْ بلدٍ غامضٍ

غير هذي البلاد؟

 

ماذا  أُسَمِّيكِ

وَقَدْ أَجْهَدَتْ الْأيَّامُ قَلْبَ الْمُهَاجِر

فلا هو يعود

ولا هو يسافر

فارتمي ممدداً علي السرير

بَطلَ السِّحْرُ، وَتَعِبَ السَّاحِر

وكاد يجف الشعر

في شفة الشاعر

ويموت في النهر الخرير

 

ولكن رغم كل شيء

فالقليل الذي في يدينا كثير

وَالْكَثِيرُ يُضَافُ لَنَا، وَيُزَاد

فإذا بالعهد القديم

كأنه العهد الجديد

وتضج في الأفق البعيد

ضحكة الأولاد والأحفاد

ضحكة من قلبك الحبيب

الذي علق علي صليب

فراح يسكب اللبن والعسل

ليطعم الفقراء والشعراء

والغرباء في البلاد

من فلسطين أنت، وأنا من مصر

ولنا أن نجوب الأرض

نبحث عن سعادةٍ تجيء ولا تجيء

في دمعة العناق والفراق، في ملاعب الأولاد

أتعبني السعي

وهدني القرب والبعد

والموت والميلاد

بين يديك الفائضتين بالمحبة

ها أنت تبعدين تبعدين

كنجمةٍ تخفت وهي تنزف الحنين

لما وراء الشك واليقين

وآلام السنين وراحة الآفاق والأبعاد

هَا أَنْتِ تَفْرَحِينَ وَتَحْزنِينَ
وَأَمُدُّ كَفِي كَيْ أُعِيدَكَ لِي
لِمَاذَا تَذْهَبِينَ
وَتَأْخُذِينَ الْعُرْسَ وَالْأَعْيَادَ
الَّتِي أُتِيتِ بِهَا أَصْلًا
فَأَخَذْتِ بَعَضَ حَقِّكِ بَعْدَمَا
أَعْطَيْتِنِي أَكْثَرَ مِنْ حَقِّيٍّ

من سعادة المحبة،

وأناشيد الإنشاد

 

إذن

 

لَنْ أُسَمِّيكِ

إِلَّا

 

سعاد.

 

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project