موقف الشَّريعَةِ الإسْلاميَّة من دُخول حمَّامَات السُّوق

عازل زيادة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 عادل زيادة

إن استقراء نصوص الشريعة الإسلامية السمحاء يوصِّلنا إلى نتيجة ثابتة ومحدَّدة هي أنها جاءت لتحقيق مصالح الناس في دينهم ودنياهم، حيث أن هذه الشريعة بُنيت على أصل عظيم وهو جلب المصالح للناس ودرء المفاسد عنهم، كما جاءت نصوص الشريعة وأحكامها محققة مبدأ التوسعة على الناس كإباحة المحظورات عند الضروريات.

        وقد نظمت الأحكام الفقهية العمل داخل الحمَّامات العامة بالمدن الإسلامية وأسلوب دخولها، وتمشياً مع هذا الاتجاه أُنشئت حمَّامات خاصة للنساء وأخرى للرجال، وهناك من الحمَّامات ما استُخدم بواسطة الرجال في أوقات محددة وللنساء في أوقات أخرى.

        ولما كان للحمَّام دور واضح في الحياة الاجتماعية بالمدن الإسلامية وأصبح سلوكاً جرت به عادة المجتمعات الإسلامية خضع لإشراف السلطة في المدن خضوعاً مباشراً يكفل له العمل وفق القواعد والقيم التي توصي بها الشريعة الإسلامية.

        وحرصاً على إبراز رأي الشرع الإسلامي في دخول الحمَّامات العامة وكيفية السلوك داخلها بالنسبة للرجال والنساء، أصطحبكم في جولة سريعة ومختصرة مع ماورد في هذا الشأن من الأحاديث النبوية الواردة بشأن هذا الموضوع.

اختلف الفقهاء في حكم دخول الحمَّامات على أربعة آراء: الأول: أنه مَنْهِيٌ عنها للرجال والنساء، ولم يأت هذا النهي لذات الحمَّامات بل بسبب كشف العورات، وما فيها من الترف والنعيم، ويمكن إباحة دخولها عند التستر وغض البصر وعدم قصد الترف. وقد استند أصحاب هذا الرأي في النهي عن ارتياد الحمَّامات لما رواه البَيْهَقِيُّ عن السيدة عائشة أن رسول الله (ص) قال: “بئس البيت الحمَّام، بيت لا يستر وماء لا يطهر”، ولما رواه الطبراني عن الزهري أن رسول الله (ص) قال: “إذا كان آخر الزمان حُرِّم فيه دخول الحمَّام على ذكور أمتي إلا بمآزرها” قالوا يا رسول الله: “لم ذلك؟”، قال: “لأنهم يدخلون على قوم عراة، ويدخل عليهم أقوام عراة ألا وقد لعن الله الناظر والمنظور إليه”، كما ورد عن علي بن أبي طالب أنه قال: “بئس البيت الحمَّام تُكشف فيه العورات وترتفع فيه الأصوات ولا تُقرأ فيه آية من كتاب الله”، وفي رواية أخرى: “بئس البيت الحمَّام يبدي العورة ويُقِل الحياء”.

        ويميل أصحاب الرأي الثاني إلى إباحة دخول الحمَّامات للرجال وحرموا ذلك على النساء، ويستندون في ذلك إلى ما رواه الطبراني عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله (ص) قال: “إنكم ستفتحون أفقاً فيها بيوت يقال لها الحمَّامات حرام على أمتي دخولها، قالوا إنها تُذهب الوَصَب وتُنَقِّي الدَرَنْ، قال: فإنها حلال لذكور أمتي حرام على الإناث”. وعن عمر رضي الله عنه قال: “يا أيها الناس إني سمعت رسول الله (ص) يقول: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمَّام إلا بإزار، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُدخِل حليلته الحمَّام”. وعن عائشة قالت: “سمعت رسول الله (ص) يقول: الحمَّام حرام على نساء أمتي”. ويُروى عن أبي المُلَيْح أنه دخل نسوة من أهل الشام على عائشة فقالت: “ممن أنتن؟”، قلن  “من الشام”، قالت: “لعلكن من الكُورة التي تدخل نساؤها الحمَّام” قلن: “نعم”، قالت: “أما إني سمعت رسول الله (ص) يقول: “ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى”. كما رأى أصحاب هذا الرأي أن لا يأذن الرجل لزوجته في دخول الحمَّام لما اختلف فيه علماء الأمة في حكم المرأة مع المرأة، هل هي حكمها حكم الرجل مع الرجل، أو حكم الرجل مع المرأة الأجنبية، أو حكم الرجل مع ذوات محارمه، ويضاف إلى ذلك محرم آخر وهو أن اليهودية والنصرانية لا يجوز لها أن ترى بدن الحرة المسلمة، وقد يجتمعن في الحمَّام مسلمات ونصرانيات ويهوديات فيكشف بعضهن عورات بعض، فكيف إذن يسمح رجل لأهله بدخول الحمَّام حتى إذا اتخذ لأهله خلوة خاصة (مقصورة)، فالخلوة لا تُذهب المفاسد حيث أنه عند دخول النساء أو خروجهن منها وكذلك في حالة نزولهن المغطس يكشفن عن عورات غيرهن أو يُكشف عليهن.

        ويبيح أصحاب الرأي الثالث دخول الحمَّام للرجال ويحرموا ذلك على النساء إلا لضرورة كمرض أو نفاس، واستندوا في ذلك إلى ما رواه عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله (ص) قال: “إنها ستُفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمَّامات فلا يدخلنها الرجال إلا بالأُزر، وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء”.

        أما أصحاب الرأي الرابع ويمثله الشافعية، فقد ذكروا أن ارتفاق الحمَّامات حلال للرجال بلا كراهة، وحلال أيضاً للنساء بكراهة بشرط التستر وغض البصر وتوقِّي الخبث، فقد رُوِيَ عن ابن عباس أن رسول الله (ص) قال: “احذروا بيتاً يقال له الحمَّام قالوا: “إنه يُنَقِّي الوَسَخَ” قال: “فاستتروا”.

        وهكذا نرى أن الشرع الإسلامي قسَّم دخول حمَّامات السوق إلى عدة أحكام واضحة أوجبها على المسلمين حتى تحكم وتنظم أسلوب دخولهم الحمَّامات، فنصَّ على أن دخولها واجب، ومباح، ومكروه، وحرام.

        فيكون دخول الحمَّام واجباً على من يجب عليه الغُسل ولم يتمكن من ذلك في بيته بسبب مرض أو شدة برد، لأنه ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب. ويكون دخوله مستحباً لمن برأسه أو بدنه قذارة أو شك في طروء ما يوجب الغُسل. بينما يبيح الشرع الحنيف دخول الحمَّام للتداوي أو التنعُّم والتلذذ بغير إسراف، ويُكره دخوله من أجل غرض مكروه شرعاً، كما يُكره دخوله في الوقت بين العشاءين لأنه وقت انتشار الشياطين. أما تحريم الشرع لدخول الحمَّام فجعله على مكشوف العورة من الرجال وكذلك على من تدخله من النساء بدون عذر، أو إظهار للزينة التي أمر الله بإخفائها إلا في محلها.

        وإن كانت الأحكام التي نصَّ عليها الشرع الإسلامي بشأن دخول الحمَّامات قد تعددت ما بين واجب ومكروه وحرام فقد أجاز العلماء دخولها ووضعوا لذلك شروطاً شرعية أيضاً، هي: ألا يدخلها أحد من الرجال أو النساء على السواء إلا للتداوي، وأن يتعمد دخولها أوقات الخلوة وقلة الناس، وأن يستر العورة بإزار، وأن يطرح بصره إلى الأرض أو يستقبل الحائط لئلا يقع بصره على محظور، وأن يغيِّر ما يرى من منكر، وإن دلَّكه أحد فلا يمكِّنه من عورته، وأن يصب الماء على قدر الحاجة، وأن يدخل بأجرة معلومة.

 

مقالات من نفس القسم