من رحم الحُلم

إيمان أحيا
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

إيمان أحيا

منذ أن علمت بحملها وهي تدور في فلك عالمين، أحدهما سعادة غامرة وهي التي انتظرت مولودها لسنوات طوال. كانت تراه في أعين كل الأطفال، أخبروها مرارا بعدم قدرتها على الإنجاب ولكنها لم تسمع، فقط ظلت تنتظر حتى أثمر انتظارها ورجاؤها، تشعر برغبة في القفز حتى تلامس السماء، تتمنى لو أن للفرحة صوت كذلك الذي للحزن فقط يشبهه في الارتفاع والدلالة، ترغب أن يسمع كل من في الأرض صوت فرحتها نبض جنين بداخلها أعلن عن قدومه شوقا لأم لطالما انتظرته رغم كل الإشارات الحمراء التي كانت كفيلة بأن تطفئ إشارة الأمل الخضراء بداخلها.

تدور بين كل الغرف منذ هذا الصباح السعيد، تحتضن زوجها، تنظر في وجهه ممسكة بيديه وتجول معه في كل ركن من أركان بيتهما الصغير تخبره بذلك القادم الجديد الذي سينير عالمهما الصغير، فقط تسعة أشهر أخرى، سيتوجب على هذا البيت انتظارها معهما وهو الذي خيم عليه صمت مهيب طوال سنوات مضت.

توقفت فجأة لتتذكر فلك ذلك العالم الثاني الذي جعلها تشعر بالخوف بعض الشيء تساءلت: كيف سأربيه؟ ماذا سأعلمه؟ ليست لدي أية دراية بتربية الأطفال؟، سأبحث عن أساليب التربية، سأقرأ كل الكتب، ولكن هل سيكفي؟ أريده ابنا آخر لا يشبه أحداً، استعادت ذكرى قديمة رسمت بسمة عريضة على وجهها. فلطالما سألت والدتها لما لم أولد اميرة؟ ليتني جئت في زمن الأمراء والسلاطين وكنت ابنة أحدهم، وكانت والدتها دائمة الإجابة ذلك العالم ليس كما تظنين ليس كما يبدو لك من الخارج يا ابنتي، فكانت تخبرها: لا أقصد ثراءهم ورغد عيشهم يا أمي ولكن تبهرني حظوة أبنائهم من العلم، فحتى نصيبهم من العلم لا يشبه ما يحصل عليه العامة، فالفقر شحيح على اصحابه في كل شيئا حتى في المعرفة، فلا يكون من والدتها سوى أن ترمقها بابتسامة حانية.

انتبهت من تلك الذكرى البعيدة التي داعبت قلبها وقد وجدت الحل للتساؤلات التي أقلقتها وحاولت تشذيب فرحتها، ابتهجت للفكرة التي راودتها، حضرت قائمة بكل ما ستحتاجه لتجهيز غرفة طفلها أشياء بسيطة ولكنها تحمل بهجة تليق بطفل.

وعلى أحد الجدران التي تعمدت تركها خالية تماما سوى من اللون البهيج وضعت صور اطفال من كل الألوان وبكل ما بدا عليهم من ملامح الكمال وما بدا من ملامح النقص، فأصبح الحائط لا يشبه أي جدار، فقط يشبه صورة طفلها في مخيلتها

نظرت إليه، مررت يدها حيث يرقد جنينها ووجهت إليه حديثها: هؤلاء جميعا إخوتك يا بني، ربما لن تقابل جميعهم ولكن يكفي أن تشعر بمحبتهم فللمحبة رسل يعرفون وجهتهم، فليكن قلبك متسعا بقدر ما يحمل هذا الحب، يكفي أن تكون إنسانا محبا يا بني في هذا العالم حينها فقط ستنجو، حينها فقط ستكون أميرا ولو خلى العالم من السلاطين، يكفيك يا بني ألا تمنح أحدهم سببا لكراهية نفسه، يكفيك ألا تجعل العالم يضيق في عين أحدهم.

في الصباح ذهبت الأم لتلقي نظرة على ابنتها التي طال نومها على غير العادة فإذا بها ترى ابتسامة على وجهها تمنت أن تبقى هكذا إلى الأبد، شعرت الابنة بيد والدتها تداعب وجهها. استيقظت الفتاة، وسرعان ما أدركت أنها مازالت تقبع في فراشها في بيت أهلها. ألقت ما تقوى على تحريكه من جسدها في حضن والدتها قائلة لها ودمعها يتولى الحديث بدلا عنها: لقد رأيته يا أمي وشعرت به طفلي الذي لن أنجبه أبدا.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون