منصورة عز الدين.. تحدي الإفلات من براثن الديكتاتورية…أدبياً

منصورة عز الدين.. تحدي الإفلات من براثن الديكتاتورية...أدبياً
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورها: أريان فاريبورز

تناولت الكاتبة والصحفية المصرية البارزة منصورة عز الدين ثورة مصر أدبيًا في مقالاتٍ وقصصٍ قصيرةٍ وفي روايتها الجديدة. الصحفي أريان فاريبورز أجرى معها هذه المقابلة لموقع قنطرة في القاهرة.

لقصتك القصيرة "ليل قوطي" التي نُشرت باللغة الإنكليزية وقع قصة خيالية أورويليَّة. بعض القرَّاء يفهم القصة باعتبارها مجازًا يصوِّر عدم القدرة على الإفلات من براثن الديكتاتورية ويرى أوجه شبهٍ مع الوضع السياسي في مصر عشية قيام الثورة. هل تتفقين مع هذه المقاربة؟

منصورة عز الدين: لا توجد في هذه القصة القصيرة نظرة واحدة وحيدة إلى الأشياء، إنما هنالك وجهات نظر واحتمالات تأويل عديدة. أردت في "ليل قوطي" أن أبيِّن كيف يفقد أناسٌ السيطرة على مصيرهم، وتبيّن القصة أيضًا انقطاع التواصل بين شخصين. استلهمت هذه القصة من كابوس رأيته قبل بضع سنوات وكان فيه عملاق ضخم أسود يرتدي معطفًا يجول في الشوارع ويشير إلى أناسٍ فيختفون إثر ذلك. بعد استيقاظي المفاجئ من النوم انتابني شعورٌ بأنَّ هذا الحلم يعكس حياتنا، وبأنه يمكن بالفعل أن نختفي أو نموت بين لحظة وأخرى. أظهر لي الحلم بوضوح مدى وهن البشر.

أحداث القصة تدور في مدينتين يعيش في إحداهما عملاق أعمى يسلب الناس نور البصر، بينما تقع المدينة الأخرى فوق جرف جبلي يمتد بحر هائج أسفله، والناس تصارع هناك باستمرار كي لا تقع في البحر. كل شيء يدور حول الصراع الدائم من أجل البقاء وحول حضور الموت في كل مكان. بطبيعة الحال يمكن فهم "ليل قوطي" باعتبارها مجازًا للديكتاتورية: كان في مخيلتي مجتمع يعاني من الطغيان ومهدد بالاختناق التدريجي. كنت قد كتبت هذه الرواية قبل أسبوعين من قيام الثورة في مصر، وفي تلك الفترة كان لدي شعور بالاختناق التدريجي بالفعل، ولم يكن لدي أمل بعد في مستقبل بلدنا. تتناول روايتي الجديدة "جبل الزمرد"، التي نُشِرت قبل شهرين باللغة العربية، جزءًا من هذه القصة ولكن في سياق مختلف.

أبعدتكِ الثورة المصرية وكذلك سقوط نظام مبارك من الكتابة الإبداعية، حيث كنتِ في ميدان التحرير في القاهرة بشكل شبه يومي، لتشاركي ملايين المصريين الآخرين المظاهرات من أجل الحرية والديمقراطية. كيف عايشت هذا التحوُّل شخصيًا؟

منصورة عز الدين: قبل انطلاق الثورة كنت يائسة جدًا، حيث كنت قد فقدت أيَّ أملٍ جديٍ بحدوث تغيُّرٍ فعليٍ نظرًا لكثرة القمع وفضائح التعذيب كما في حالة الناشط خالد سعيد عام 2010. وكان لدي الشعور بأننا نعيش في مسلخ لا في دولة تحترم القانون والحقوق الشخصية، لكن بعد ذلك كانت هناك بالفعل مؤشرات تدل على أنَّ الأمور آخذة في التغيير.

لم أكُن قبل الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011 ناشطة كثيرًا سياسيًا، وذلك لعدم اهتمامي بالسياسة بشكلٍ عام، إذ كنت اعتبرها مهزلة على أية حال، حيث لم تكن هناك معارضة فعلية، وكانت تسود ظروف أورويلية. كان كل شيءٍ زائفًا، كما كانت نوايا السياسيين المعلنة خالية تمامًا من أيِّ محتوى حقيقي، لذلك كانت الثورة بالنسبة لي بمثابة معجزة. نزلت دموعي بالفعل مساء يوم 25 كانون الثاني/ يناير. وأثناء مشاركتي بالمظاهرات شعرت كفرد فجأة بالقوة. آمنت بأننا كأفراد وكشعب سوف نتولى أمرنا بأنفسنا، وأننا نستطيع تغيير بلدنا والعالم. بطبيعة الحال اشتركت بالثورة بشكلٍ رئيسيٍ لأجل ابنتي التي كان عمرها آنذاك ثماني سنوات، إذ أردت لها أنْ تعيش في بلدٍ أفضل من البلد الذي عشت أنا فيه.

 وكانت نقطة التحول بالنسبة لي في "يوم جمعة الغضب" في الثامن والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011، حيث اشتركت مع بعض الأصدقاء بمظاهرة مناهضة لمبارك انطلقت من مسجد عمرو بن العاص. كانت المسيرة احتجاجية سلمية، إلا أنَّ الرد عليها كان شديدًا وعنيفًا منذ اللحظة الأولى، حيث أُطلق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين. كان يومًا عنيفًا للغاية، ولاحظت مدى تأثري وغضبي شخصيًا من ذلك، وشعرت بداخلي بعداءٍ إزاء النظام وإزاء هذا القمع يكاد يكون شخصيًا.

هل كانت ثورة يناير أيضًا الشرارة الأولى للطفرة الأدبية في مصر أم أنها بدأت في أواخر "الزمن الرصاصي" لعهد مبارك؟

منصورة عز الدين: كان ثمة ازدهار أدبي قد تجلّى خصوصًا في مدونات كتَّاب الجيل الشاب، ممن كانوا ينشرون بانتظام منذ عهد مبارك. وكانت الثورة إرث هذا التطور المتنوِّع في المشهد الإعلامي والأدبي، وكثير من هؤلاء المدونين نشطوا سياسيًا في وقت لاحق. وبالطبع كانت إجراءات الرقابة والضوابط الإعلامية صارمة في تلك الفترة كما هي الحال اليوم، ولكنَّ الرقابة لم تكُن سياسية وحسب، بل كانت لها جذور اجتماعية أيضًا.

إلا أنَّ جيل الكتّاب الشابّ أثبت بالدرجة الأولى الكثير من الشجاعة رغم إجراءات الرقابة، وكسر الكثير من المحرّمات، وكان الناشرون من أمثال محمد هاشم نشيطين للغاية في هذا المجال وسعوا بوعي لتعزيز هذا التطور، مما شجّع في النهاية كتّابًا آخرين.

الأدب المصري الجديد كان يمر بمرحلة تغيُّر قبل الثورة. كثيرون على أية حال كانوا قد ودَّعوا منذ فترة طويلة الصور المثالية القديمة والقيم الموروثة والحزن على زوال القومية القديمة. تقدَّم جيلٌ جديدٌ من الكتَّاب والمدونين ممن ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم "أبناء العالم". وكانوا هم أيضًا من حدّد وشكّل خطاب الثورة منذ البداية. ولكن بعد الثورة أيضًا كانت هناك انطلاقة مهولة من خلال وسائل الإعلام الجديدة كالفيسبوك. أما اليوم فهناك كتّابٌ يكتبون بشكلٍ مختلفٍ تمامًا عن جيل كتّاب ما قبل الثورة. إنهم أناسٌ شبابٌ عايشوا الكثير خلال عامين، حيث اجتازوا زلازل اجتماعية وسياسية وتحرروا من قيودٍ كثيرة كانت تُعتبر في السابق شبه مُنْزَّلة.

حاورها: أريان فاريبورز

تناولت الكاتبة والصحفية المصرية البارزة منصورة عز الدين ثورة مصر أدبيًا في مقالاتٍ وقصصٍ قصيرةٍ وفي روايتها الجديدة. الصحفي أريان فاريبورز أجرى معها هذه المقابلة لموقع قنطرة في القاهرة.

لقصتك القصيرة “ليل قوطي” التي نُشرت باللغة الإنكليزية وقع قصة خيالية أورويليَّة. بعض القرَّاء يفهم القصة باعتبارها مجازًا يصوِّر عدم القدرة على الإفلات من براثن الديكتاتورية ويرى أوجه شبهٍ مع الوضع السياسي في مصر عشية قيام الثورة. هل تتفقين مع هذه المقاربة؟

منصورة عز الدين: لا توجد في هذه القصة القصيرة نظرة واحدة وحيدة إلى الأشياء، إنما هنالك وجهات نظر واحتمالات تأويل عديدة. أردت في “ليل قوطي” أن أبيِّن كيف يفقد أناسٌ السيطرة على مصيرهم، وتبيّن القصة أيضًا انقطاع التواصل بين شخصين. استلهمت هذه القصة من كابوس رأيته قبل بضع سنوات وكان فيه عملاق ضخم أسود يرتدي معطفًا يجول في الشوارع ويشير إلى أناسٍ فيختفون إثر ذلك. بعد استيقاظي المفاجئ من النوم انتابني شعورٌ بأنَّ هذا الحلم يعكس حياتنا، وبأنه يمكن بالفعل أن نختفي أو نموت بين لحظة وأخرى. أظهر لي الحلم بوضوح مدى وهن البشر.

أحداث القصة تدور في مدينتين يعيش في إحداهما عملاق أعمى يسلب الناس نور البصر، بينما تقع المدينة الأخرى فوق جرف جبلي يمتد بحر هائج أسفله، والناس تصارع هناك باستمرار كي لا تقع في البحر. كل شيء يدور حول الصراع الدائم من أجل البقاء وحول حضور الموت في كل مكان. بطبيعة الحال يمكن فهم “ليل قوطي” باعتبارها مجازًا للديكتاتورية: كان في مخيلتي مجتمع يعاني من الطغيان ومهدد بالاختناق التدريجي. كنت قد كتبت هذه الرواية قبل أسبوعين من قيام الثورة في مصر، وفي تلك الفترة كان لدي شعور بالاختناق التدريجي بالفعل، ولم يكن لدي أمل بعد في مستقبل بلدنا. تتناول روايتي الجديدة “جبل الزمرد”، التي نُشِرت قبل شهرين باللغة العربية، جزءًا من هذه القصة ولكن في سياق مختلف.

أبعدتكِ الثورة المصرية وكذلك سقوط نظام مبارك من الكتابة الإبداعية، حيث كنتِ في ميدان التحرير في القاهرة بشكل شبه يومي، لتشاركي ملايين المصريين الآخرين المظاهرات من أجل الحرية والديمقراطية. كيف عايشت هذا التحوُّل شخصيًا؟

منصورة عز الدين: قبل انطلاق الثورة كنت يائسة جدًا، حيث كنت قد فقدت أيَّ أملٍ جديٍ بحدوث تغيُّرٍ فعليٍ نظرًا لكثرة القمع وفضائح التعذيب كما في حالة الناشط خالد سعيد عام 2010. وكان لدي الشعور بأننا نعيش في مسلخ لا في دولة تحترم القانون والحقوق الشخصية، لكن بعد ذلك كانت هناك بالفعل مؤشرات تدل على أنَّ الأمور آخذة في التغيير.

لم أكُن قبل الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011 ناشطة كثيرًا سياسيًا، وذلك لعدم اهتمامي بالسياسة بشكلٍ عام، إذ كنت اعتبرها مهزلة على أية حال، حيث لم تكن هناك معارضة فعلية، وكانت تسود ظروف أورويلية. كان كل شيءٍ زائفًا، كما كانت نوايا السياسيين المعلنة خالية تمامًا من أيِّ محتوى حقيقي، لذلك كانت الثورة بالنسبة لي بمثابة معجزة. نزلت دموعي بالفعل مساء يوم 25 كانون الثاني/ يناير. وأثناء مشاركتي بالمظاهرات شعرت كفرد فجأة بالقوة. آمنت بأننا كأفراد وكشعب سوف نتولى أمرنا بأنفسنا، وأننا نستطيع تغيير بلدنا والعالم. بطبيعة الحال اشتركت بالثورة بشكلٍ رئيسيٍ لأجل ابنتي التي كان عمرها آنذاك ثماني سنوات، إذ أردت لها أنْ تعيش في بلدٍ أفضل من البلد الذي عشت أنا فيه.

 وكانت نقطة التحول بالنسبة لي في “يوم جمعة الغضب” في الثامن والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011، حيث اشتركت مع بعض الأصدقاء بمظاهرة مناهضة لمبارك انطلقت من مسجد عمرو بن العاص. كانت المسيرة احتجاجية سلمية، إلا أنَّ الرد عليها كان شديدًا وعنيفًا منذ اللحظة الأولى، حيث أُطلق الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين. كان يومًا عنيفًا للغاية، ولاحظت مدى تأثري وغضبي شخصيًا من ذلك، وشعرت بداخلي بعداءٍ إزاء النظام وإزاء هذا القمع يكاد يكون شخصيًا.

هل كانت ثورة يناير أيضًا الشرارة الأولى للطفرة الأدبية في مصر أم أنها بدأت في أواخر “الزمن الرصاصي” لعهد مبارك؟

منصورة عز الدين: كان ثمة ازدهار أدبي قد تجلّى خصوصًا في مدونات كتَّاب الجيل الشاب، ممن كانوا ينشرون بانتظام منذ عهد مبارك. وكانت الثورة إرث هذا التطور المتنوِّع في المشهد الإعلامي والأدبي، وكثير من هؤلاء المدونين نشطوا سياسيًا في وقت لاحق. وبالطبع كانت إجراءات الرقابة والضوابط الإعلامية صارمة في تلك الفترة كما هي الحال اليوم، ولكنَّ الرقابة لم تكُن سياسية وحسب، بل كانت لها جذور اجتماعية أيضًا.

إلا أنَّ جيل الكتّاب الشابّ أثبت بالدرجة الأولى الكثير من الشجاعة رغم إجراءات الرقابة، وكسر الكثير من المحرّمات، وكان الناشرون من أمثال محمد هاشم نشيطين للغاية في هذا المجال وسعوا بوعي لتعزيز هذا التطور، مما شجّع في النهاية كتّابًا آخرين.

الأدب المصري الجديد كان يمر بمرحلة تغيُّر قبل الثورة. كثيرون على أية حال كانوا قد ودَّعوا منذ فترة طويلة الصور المثالية القديمة والقيم الموروثة والحزن على زوال القومية القديمة. تقدَّم جيلٌ جديدٌ من الكتَّاب والمدونين ممن ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم “أبناء العالم”. وكانوا هم أيضًا من حدّد وشكّل خطاب الثورة منذ البداية. ولكن بعد الثورة أيضًا كانت هناك انطلاقة مهولة من خلال وسائل الإعلام الجديدة كالفيسبوك. أما اليوم فهناك كتّابٌ يكتبون بشكلٍ مختلفٍ تمامًا عن جيل كتّاب ما قبل الثورة. إنهم أناسٌ شبابٌ عايشوا الكثير خلال عامين، حيث اجتازوا زلازل اجتماعية وسياسية وتحرروا من قيودٍ كثيرة كانت تُعتبر في السابق شبه مُنْزَّلة.

رغم ذلك لم يدُم ربيع حرية الأدباء والإعلاميين المصريين طويلًا. واليوم يواجه الكتَّاب المستقلون والمنتقدون للنظام مجددًا الخطوط الحمراء المعروفة. كيف حدث ذلك؟

منصورة عز الدين: بدأت أشعر بالتضييق على الحريات في مطلع فترة حكم محمد مرسي. لم تكن له سيطرة على وسائل الإعلام في البداية. لكن في كانون الأول/ ديسمبر 2012 كانت هناك احتجاجات كثيرة جدًا، وحالات قتل وتعذيب أيضًا، فجرى تقييد حرية الإعلام خطوة خطوة بعد نهاية مرسي في الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013. ومنذ ذلك الحين لا يملك الكلمة العليا في المشهد الإعلامي سوى صوتٍ واحدٍ، أما وسائل الإعلام الأخرى فصارت تتبعه ليس إلا، كما غاب التسامح مع الأصوات المغايرة.

قلتِ في السابق إنَّ الثورة عملية مستمرة، وإنَّ الانتكاسات على درب الديمقراطية في مصر غير مُسْتَغرَبة. هل تعتقدين بأنَّ القوى الليبرالية والعلمانية في البلاد قادرةٌ حاليًا على أخذ الدفَّة وتوجيهها نحو الديمقراطية؟

منصورة عز الدين: عندما أذكر اليوم ما كتبته في مقالاتي عام 2011، أكاد أخجل من تفاؤلي ذاك. والوضع كما هو عليه اليوم لا يمكن الدفاع عنه، لأن الظلم والمشاكل التي كانت قائمة قبل الثورة، لا تزال موجودة اليوم. أخشى أنْ تكون موجة الثورة التالية أكثر عنفًا، وأكثر مما نستطيع تحمّله، وأنْ تكون المواجهة قاسية فتزيل وتقضي على كل شيء. المواجهة بين السلطة الحالية وبين الإسلاميين أشبه بمعركة بين مقامر ومجنون. المسار الثوري شبه مجمد حالياً، وعلى القوى الليبرالية ترسيخ صوت ديمقراطي متمايز عن الجيش ومؤيديه وعن الإسلاميين المتشددين في الوقت نفسه. لا أعرف كم سيحتاج هذا من وقت، وهل ستنجح هذه القوى في تنظيم صفوفها أم لا، لكن ما أعرفه أن الوضع الحالي في مصر لا يُحتمل.

 

حاورها: أريان فاريبورز

ترجمة: يوسف حجازي

تحرير: علي المخلافي

نقلاً عن موقع قنطرة 2014

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم