حاوره : أحمد عبد العظيم
إبداعاته ذات مذاق مختلف.. يصيغها بلغة شاعرة ورصينة تفتح ذراعيها لتحتوي عالمه الروائي الفريد, الذي لايلتقط خيوطه من نسيج القدامي والمعاصرين, ولايقدم للقارئ البديهي والشائع, ولكنه يصطحبنا معه في رحلة شاقة وممتعة في الوقت نفسه لنكتشف غير المتوقع دائما ، ويقتحم الأديب منتصر القفاش أغوار النفس البشرية كغواص ينقب عن المخبوء ويبرز الخفايا والأسرار وينشر المضمر باعتباره الحقيقة الوحيدة المؤكدة في حياتنا!وكل قصصه ورواياته ترفض التوقف عند أعتابها أو أخذها بالمعني المباشر وتدعو القارئ إلي التركيز حتي لاتمر الكلمات والمواقف دون فهم عميق لمعانيها. وبمناسبة صدور روايته الأخيرة مسألة وقت أجريت مع أديبنا حوارا مفتوحا كقارئ قبل أن أكون صحفيا.
* حرصت منذ بدايتك علي ألا تقتفي أثر من سبقك في الشكل والمضمون.. لماذا استخدمت الشكل الدائري في مسألة وقت وهو طريق سار علي دربه عديد من الأدباء؟
* أنا أفضل من البداية أن أكشف الخطوط الأساسية للحدث وماهي الحكاية, ثم بعد ذلك تبدأ الرواية في تفتيح آفاق المخبوء في الصفحات الأولي.
* تبدأ معظم فصول روايتك الأخيرة بجمل تستخلصها من الحوار التالي. لماذا اتبعت هذا الأسلوب؟
* لا اتخذ طريقة واحدة في السرد, وفي هذه الرواية وفي بداية كل فصل اظهر الشيء المتوقع الذي يستنتجه القارئ من الأحداث ثم يزيح السرد الستار عن شيء غير متوقع وغير مرئي في داخل مانراه بوضوح, ذلك لإثارة عملية الترقب والانتظار اثناء القراءة. والقارئ سيفهم ان هناك لعبة لإظهار خفايا الأشياء التي نظن أنها واضحة.
* ولكن ألا يشكل ذلك عبئا علي القارئ؟
* لدي إحساس عميق بأن القارئ يشاركني الرحلة داخل الحكاية, لأن قراءة أي رواية يجب أن تتحمل عنصر المفاجأة وحدوث أشياء غير متوقعة ومعرفة جديدة. وجمال أي رحلة يتأتي من أنك يمكنك إعادة النظر من خلالها فيما تفكر فيه وماتعرفه من قبل.
* أنت لاتقدم نهاية محددة لأعمالك ففي نهاية رواية أن تري الآن سعي البطل لاستعادة زوجته التي قالت له إنها لن تعود الآن ولكنها ستعود غدا, فماذا تعني؟
* في رواية أن تري الآن تتعدد الاحتمالات حول من قام بتشويه صورة الزوجة هل هو الزوج أم كل مفردات الحياة من حوله؟ فالزوج يعيش حالة من الفصام بين مشاعره الحقيقية ومايظهره وهذه الفجوة أدت إلي حدوث هذا التشويه والشرخ في العلاقة مع الزوجة وهاهو يحاول أن يتعرف علي أسباب وجود هذه الفجوة والزوج يعيش في لحظة تتعدد فيها الصور والحقائق ولايستطيع أن يعثر علي صورة محددة الملامح, وهنا ينبغي عليه أن يعيد النظر فيما كان يظنه ملك يديه ولكنه وجده متعدد الوجوه والحقائق.. وفي النهاية لا أحد يعرف متي ستعود الزوجة لأنها خلال ابتعادها كانت تعيش تجربة الصور المشوهة التي بقيت من حياتها مع زوجها, وصارت لاتعرف الوجه الذي ينظر إليه: هل هو وجهها الحقيقي أم لا؟
* ولماذا تصر علي أن تري شخصياتك دائما في هذا الإطار؟
* نحن جميعا في لحظة مفترق الطرق.. وأنا أحب أن أضع شخصياتي في اختبار, وأري كيف سيفكرون في الاحتمالات المختلفة, دون حسم للأمر أو تحديد لما هو سلبي أو إيجابي, فالاحتمالات دائما تتعدد قبل لحظة الاختيار.
* رواية تصريح بالغياب تجاوزت بصورة مفاجئة الاغراق في الخيال والحلم الذي كان سائدا في مجموعتي نسيج الأسماء أو السرائر إلي الواقعية شبه التسجيلية؟
* بعد مرور أكثر من6 سنوات علي ترك الخدمة العسكرية بمدرسة للتمريض, كتبت هذه الرواية رغبة في استعادة تفاصيل التجربة, وكأنها يوميات تسجل أحداثا وقعت منذ وقت قريب, ولكن أي تجربة شخصية أصيغها تتحول إلي سؤال قبل أن تكون تسجيلا للتفاصيل, سؤال عن الشيء المفقود فيما أتذكر, وقد حاولت اصطياده علي الورق في هذه الرواية من خلال شكل اليوميات.
* مجموعة نسيج الأسماء لاتتكئ علي الحكي.. ألا تري أن جمالية اللغة يجب ألا تستغني عن جمالية القص أو السرد؟
* كان تفكيري في القصة القصيرة قائما علي الصورة الشعرية أو المجاز, لكتابة مشهد يومي.
ربما أحدث هذا فجوة مابين اللغة والمشهد. والآن أري أن السبب يرجع إلي ارتباطي الشديد بالنصوص الأخيرة ليحيي الطاهر عبدالله, ولكن في مجموعة السرائر عثرت علي ضالتي لأنني وجدت الشخصية المناسبة التي تتحمل الصور الشعرية والمجاز وهي شخصية الأب العجوز خريج الأزهر التي حققت التناغم بين لغة السرد المجازية وبين خصوصيته الشخصية التي تفكر في عالمنا باستعادة أبيات من الشعر القديم وتفاصيل من كتب السحر والقرآن الكريم.
* لماذا تقع دائما في هوي التيمة والرمز وتكررها في أكثر من عمل؟
* لأنها معالم كتابة أحبها وتكرار الصور بأشكالها المختلفة في أعمالي هو نتيجة أن الشخصيات التي اكتب عنها ليس لديها فرق بين الأصل والصورة, وبخصوص تكرار ظهور الصور والتماثيل الفرعونية والكنوز القديمة بالذات, فذكرها كان طبيعيا لأنه قد تم العثور علي عدد كبير من القطع الأثرية تحت البيوت في منتصف الثمانينيات, فتخيلت كيف ستكون العلاقة بين القديم المخبوء وبين البيوت الجديدة التي تقوم فوقها وأثر ذلك علي الناس, ووجود إشارات لتعدد الأزمنة في مكان واحد دائما يشدني للكتابة عنها.
* في مجموعة السرائر قصة عنوانها شهرزاد.. شرك أخير هل هي تجسد حال شهرزاد مختلفة؟
* اذا كانت شهر زاد صاحبة الحكايات في ألف ليلة وليلة كانت تقاوم مرور الوقت وتدفع عنها الموت بالحكي, فإنها في هذه القصة تبذل كل الوقت لتفهم الحكايات المحيطة بها وتواجه الضغوط التي تتعرض لها خلال حياتها اليومية
* سؤال أخير: هل يعد انتقال كتاب القصة القصيرة إلي الرواية هو التطور الطبيعي لأي أديب؟ وهل سيؤثر ذلك علي انزواء القصة كفن جميل وصعب؟
* القصة القصيرة مازالت قادرة علي البقاء, لأنها تكشف مناطق دفينة وحساسة في التجربة الإنسانية تنفرد بها دون غيرها من الفنون الأدبية التي لاتستطيع لمسها ومجموعاتي القصصية ليست متفرقة بل تجمعها تيمات مشتركة وكما تجد في مجموعة السرائر علي سبيل المثال وأشعر أن هناك وشيجة حميمة بين القصة والرواية, لأن في الروايات مقاطع وفصولا مكتملة بذاتها كالقصة, وفي نفس الوقت مرتبطة بإطار أكبر, وانا حريص علي التوازن بين كتابة القصة والرواية فقد نشرت ثلاث مجموعات قصصية وبالمقابل ثلاث روايات حتي الآن.