الموت عند ياسر حياة متكاملة، هو موت سريري يصحو إلى يقظته المرتعشة في غيبوبتها عن لحظة الحاضر، شبه إغماضة طرية لكنها ليست كسولا، لحظة مندفعة إلى اكتساب مفردات عيش الاكتشاف ومداوة الآلام، هو مكسب لأنه كما يرى الشاعر – يحتفظ الإنسان بآلامه – معه.
الألم يرادف الموت، يشجنه بمفرداته، ويعيد تكرار حكاياته عن الحب والعائلة ودفاتر الذكريات.
وفي الموت تتفتح السبل نحو أحلام جديدة، يصبح الموت حالة من أحلام اليقظة التي تجمّل الواقع على أسس واقعيته نفسها، يتخفف الشاعر من العالم الحي لكنه لا يريد أن يتخفف من آلامه لانه يدرك أن الألم هو الذي يعطي للموت معنى الحياة، هو الذي يمنحه كينونة وجوده على أرض الواقع.
البحث عن ميتة شاعرية، ” كنت أمنّي نفسي/ بأنني سأموت ميتة شاعرية: / غارقا – مثلا- في الديون، أو جالسا على شاطىء الدم/ محباً أو متأملاً خيانة” بحث يأخذ بالشاعر نحو الإمساك بلحظة تريد أن تقيم في الذاكرة طويلا، هو بحث يشبه الطريق نحو الاستغراق في رسم معالم القصيدة في الحضور الدنيوي، تسجيل اسم صاحب القصيدة في مدونة لا تمحى، انتقال طري بين عالمين لكنه انتقال مفعم بالحيوية، بحث شاقٌّ عن ميتة هي الأقرب لروح الشعر ومخيلته، لأن الشاعر وهو يعبر سريعا يقول لنا: “مؤلم –حقا- أن تموت/ ميتة وراثية،/ كفراشة تعبر ليلاً”.
يرسم ياسر الزيات بفرشاة ملونة صوره في غيبته، دموع زوجته، وحبيبة ابنه التي ستكون هي الأخرى قد ماتت، ويكتب تعاليم ووصايا لحظة رحيله، وبشاعرية شديدة يمسك على صوت الموت، وكميت سعيد في موته يقول: “لعلني أقول أو أرى ما لا أقوله أو أراه” معلنا رغبته في الطيران، تلك الرغبة التي حملت شعراء كثيرين إلى الأجنحة على أشكالها، لكن ياسر الزيات في “أحسد الموتى” يستبدل الأجنحة بطائر كبير، طائر سعيد على شقائه، طائر يفتح جناحيه وسع السماء لينتقل بالشاعر من ضباب الحياة إلى شفافية الموت.
يطلق ياسر الزيات في ديوانه مخيلة القارئ لتذهب هي الأخرى في رحلة غيبوبة عن اللحظة المعاشة، ويستطيع بشاعرية عالية أن يبادل بالحياة الشعر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* شاعرة سورية