تقديم وترجمة: د. عفاف عبد المعطي
يمثل هذا الكتاب “السودان المصري” موسوعة فى جزئين للكاتب والمؤرخ والمستشرق المعروف للعالم العربي واليس بدج وهو الذى أثرى المكتبة العربية بكتاباته الموسعة حول البعثات الاستشراقية لحوض النيل خاصة مصر والسودان. صدر هذا الكتاب فى السنوات الأولى من القرن العشرين وارتكز على تصوير واقع الحياة فى السودان العريق ومن ثم تبعية هذا البلد لفراعنة مصر منذ العصور الفرعونية الأولى. يظهر فى هذا الجزء الأول سردا حكائيا متراميا لمجموعة من البعثات الاستكشافية وصفا للمعابد والأهرامات القارة منذ الازل فى السودان ثم فى لغة حكائية شائقة يقدم الكاتب “واليس” العمل الأثري الرائع الذى قام به الرحالة المعاصرون فى السودان. فيم يوضح أن تاريخ مصر يبين أن شعوب السودان النوبة قد تأثروا بقدر كبير بالديانة والحضارة المصرية القديمة مما يسترعى النظر الى هيمنة مصر التامة على السودان منذ الفتوحات المصرية إبان عصور الأسرات الأولى مما جعل – حسب المؤلف- أن حضارة مصر تزاوجت كثيرا مع الشعوب التى استقرت فيها الشمس المُحرِقة؛ يقصد جنوب السودان.
فى جميع العصور التاريخية كان للمصريين حتى العصر البطلمي الكثير من القواسم المشتركة مع القبائل سمراء البشرة من غير الزنوج فى جنوب السودان وهو ما جسد تاريخ السودان حوالي 4000 ق.م الى فترة صعود المملكة النوبية حوالي 750 ق.م عندئذٍ كانت الأهمية الشديدة تقع على الآثار المصرية ومن ثم الفتوحات المصرية التى قام به ملوكها فى قرن ضم سنوات 700 و 600 ق.م .
ما بين الاستكشافات الأثرية التى قام بها المؤلف ومن سبقوه منذ بداية القرن العشرين وكذلك الجزء التاريخي الخاص بدخول الدين الاسلامي الى السودان ومن ثم الصراع بينه وبين الكنيسة التى اتخذت موقفا ثابتا ضد الغزو الجديد، تقع اهمية كبرى لهذا الجزء والذى ضم الكثير من أسماء الحكام ما بين الفرعوني والمسيحي والاسلامي بما يقدم مائدة معرفية ثرية لعدة قرون من وشائج العلاقات المصرية السودانية سواء فى التاريخ القديم حيث الاسرات الفرعونية الحاكمة ثم حالما تولي محمد على وأبناؤه وتأثيرهم على السودان الكبير البلد الذى كان مطمعا مائيا عبر النيل الآتى من المنابع فى الحبشة أو الذهب الذى فاضت به الأغوار السودانية، فضلا عن الثروة البشرية السودانية التى استخدمها معظم الغزاة لتحقيق الغزو تجاه السودان وكذا استخدام هذه الثروة لغزو بلاد اخرى.
وتعود النتائج الموسعة التى حققها البريطانيون من الاستشراق فى السودان الى السياسة الصارمة التى اتبعها اللورد كرمر محققا عظيم الفائدة من الاحتلال الانجليزى على مصر وتابعتها السودان آنذاك.
فى هذا الجزء من موسوعة “السودان المصري” يظهر عمل الانجليز الاستكشافي فى السودان خاصة التقارير السنوية للورد كرومر عن أعالي حوض النيل والاهمية التاريخية والأثرية لها؛ مما يعد جاهزية لما اصطُلح عليه عنوان ” السودان – الأنجلو – مصري” وهو المصطلح الذى ظهر عبر الكثير من المستشرقين فى نهاية عام 1905. تضم هذه الموسوعة ايضا سرد كامل لتاريخ السوادن المعاصر ومن ثم وثائقه القيمة والكثير من الوقائع المُستمدة من التقارير الرسمية للمستشرقين والكثير منها ناجم عن التجارب الشخصية والترحال فى السودان إضافة الى عدد من الحقائق القيمة للغاية عن طبائع شعوب السودان شمالها وجنوبها والتى ستكون جديدة تماما تاريخيا ومعرفيا على القارئ والباحث العربي.