علي قطب
استطاع هشام الخشن أن يضع خطابه الروائي في مصاف القوة الناعمة التي تقدم فكرها بسلاسة من خلال الفن في روايته شلة ليبون التي تعد قراءة في المعمار الثقافي لمصر الحديثة والمعاصرة، ليس من خلال المكان بواقعيته ورمزيته فقط وإنما بقدرته على صناعة نماذج الشخصيات التي تعبر عن الأنماط البشرية المتنوعة بحمولتها النفسية والمجتمعية والمهنية والثقافية وعلاقاتها المتشابكة التي تلتقي عند مفهوم الصداقة باعتباره المحرك الفاعل في حياة البشر حين يدركون أهمية تنمية وجودهم المشترك ويدعمون هذا الوجود بعمل إيجابي مرتبط بالسياق المدني المحلي والعالمي.
ربما يبدو لفظ شلة سلبيا في نظر بعض الناس لكنه في الواقع الإبداعي يمتلك قيمة تجمع ملكات الأفراد في كتلة متفاعلة تستوعب إمكانات كل نموذج وتضيف إليه نسبة استثماره في حركة التفاعل المتنامية وكم من المشاريع تعود مفهوم الشلة في حياتنا الثقافية وضرب الأمثلة في هذا المقام سيقدم كثير من المجموعات التي جمعت بينها الصداقة المنتجة للفن والحياة إذا نظرنا إلى كلمة شلة بالمعنى الواسع الذي يمكن أن يتضمن مجموعة مبدعين أو حلقة أدبية أو مدرسة فكرية، فهناك مجموعة روز اليوسف في ستينيات القرن العشرين التي ضمت حسن فؤاد وفؤاد حداد وصلاج جاهين وانضم إليهم الموسيقار سيد مكاوي، وهناك مجموعة عبد الحليم حافظ التي ضمت كمال الطويل ومحمد الموجي ومرسي جميل عزيز، بل يمكن أن نطلق على مجموعة الفنانين المتحدين في المسرح الكوميدي (شلة المشاغبين) وقد عبر عنهم الراحل مكاوي سعيد في “مقتنيات وسط البلد”.
على عكس المتوقع في الاتجاه الروائي الغالب الذي يهتم بالديستوبيا والفانتازيا والرعب ويكرس للعوالم الغرائبية التشويقية لأصحاب المزاج الحاد الذين لا تكفيهم غرابية نشرات الأخبار يطرح الخشن عالمه المخملي الذي يديره ببراعة مهندس يجيد التصميم والتنفيذ فلديه العمارة القادمة من عصر كوزموبوليتاني ومرجعيتها الضامة لرموز الفن والفكر وسكانها الذين نالوا قسطا كبيرا من التعليم الحقيقي عبر العالم والخبرات المتنوعة في سياقات داخلية وخارجية، من هذا المجال يختار الخسن نماذجه ويحدد صفاتها بدقة ويخصص لكل منهم مساحة للحديثة بصوته وفي الوقت نفسه ينقل بهذا الصوت حكايات الآخرين المصفوفين حول مائدة اللعب، وهي بنية ذكية أقامت علاقة لعبة الورق ولعبة الحياة ولعبة السرد، تلك النماذج التي لها سمات إنسانية عامة ولها مرجعية اجتماعية تعود إلى جيل بدأت رحلته في أوائل الستينات وتشكل عاطفيا وذهنيا في نهاية السبعينيات وهي الفترة التي انتجت الشلة وتعلم الأصدقاء فن اللعب من والد أحدهم الذي رحل فورا بعد أن قدم إليهم السر الذي سيجمعهم لأكثر من ثلاثين عاما، ليتوحدوا على هدف في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وهم يضعون مخططا لمشروع جمعي يعيد إلى الأذهان مصر العالمية المرتبطة بالمجتمع الليبرالي الكوني بعد أن مر كل منهم بانتصاراته وهزائمه وأيقن أن الباقي له في القليلة القادمة هو عودته الرحم العاطفي الذي جمعهم، إنها عمارة في صناعة الفضاء الروائي وصياغة مقولاته وتنويع شخصياته وتركيز علي وصل الماضي بالحاضر ودعوة لألا نقطع تاريخنا المنفتح على البشرية التي صنعنا ضميرها.