حاوره: ماهر حسن
مصطفي ذكري، أحد الوجوه المهمة بين رموز الكتابة الجديدة في مصر، حيث لا يكاد يخلو عمل من أعماله من مغامرة لافتة علي صعيد الفكرة والبنية والسرد، وهو قاص وروائي وكاتب سيناريو وله تجربتان سينمائيتان «عفاريت الأسفلت» و «جنة الشياطين». صدرت له رواية «الرسائل» التي تعيد اكتشاف هذه البنية حداثيا وتضيف إليها ملامح جديدة وخبرات جديدة وقد حصل مصطفي ذكري علي جائزة الدولة التشجيعية عن عمله «لمسة من عالم غريب» عام ٢٠٠٤..
لاحظت أن واحدًا من همومك الفنية الرئيسية، بين عمل وآخر هو البحث عن كتابة مغايرة؟
ـ هذا بالفعل أحد الهموم الأولي، ولذلك ستجدني دائمًا مهمومًا بالبحث عن بنية جديدة لكل عمل، ليس لمجرد تحقيق اختلاف وإنما علي صعيد تحقيق «مغامرة» تناسب كل عمل علي حدة.
أحدث أعمالك هو «الرسائل» وهو ليس شكلا جديدا لكنه ضارب في القدم، بين النماذج الغربية والعربية فما طبيعة ما ألحقته به من تحديث؟
ـ هو شكل أدبي كلاسيكي بالفعل، لكنه جذاب، وأردت أن أعيد اختباره وأعيد استثمار صيغته المرنة المطاطة، فهو «قماشة» صالحة للتجارب، وتقبل الإحياء، كما أنه يحقق المجال لسرد أكثر حرية.
لاحظنا اختيارك صيغة «المونولوج» في الرسائل؟
ـ لأن ذلك حقق مرونة وراحة أكثر في الكتابة، وهو حل أسلوبي يشير ضمنا للشخصية الثانية أو المتحدث إليها.
لكن ألا يشبه هذا أسلوب كافكا، حيث الشخصية المرسلة هي الحاضرة والمتحدثة فيما الشخصية المتحدث إليها ضمنية طوال الوقت؟
ـ ربما لأنني رأيت الشخصية الثانية شخصية مكملة لفعل الحياة، وهي بمثابة مبرر فني لحضور الصوت الرئيسي فرغم أن البطل خالد يحمل كل العواطف الجميلة لمريم، لكن دورها ثانوي.
وماذا عن قاموسك السردي في هذا العمل لقد وقفنا علي ما يشبه التطاول علي اللغة «الاكليشيه»؟!
ـ أنا أعيد بعثه انتقاءه وفرزه وأحيانا ما كنت أستخدمه كحلية لغوية، ومحاولة وضع فصاحة القاموس العربي في غير مكانه لاختباره وإعادة اكتشافه زمنيا وسرديا.
كان لك عمل روائي أشبه بالعمل الهجين وهو «هراء متاهة قوطية» حيث جاء النصف الأول من العمل في شكل سيناريو وجاء الجزء الثاني في شكل روائي فهل دمجت الاثنين لأنك قطعت نصف شوط كتابة فيلم وتوقفت ثم استكملته روائيا أم أنها صيغة مقصودة؟
ـ هي الاثنان معا، لأنه بعدما قطعت شوطًا في كتابة الفيلم تملكني الأسي، حيث وجدت السينما المصرية لا تسر عدوا ولا حبيبا، وحاولت عبثا أن أتجاوز هذا الاحساس لاستكمل كتابة الفيلم، فكانت فكرة التجريب، والمدهش أن هذا العمل لاقي إعجاب الذائقة الكلاسيكية مثل بهاء طاهر وإبراهيم منصور ـ رحمه الله ـ وخيري شلبي.
وقفت علي انحراف إيجابي في لغة السرد في هذا العمل؟
ـ نعم فهي طريقة تشبه طريقة «همينجواي» في الكتابة، حيث الشخصية تتحرك من تلقاء ذاتها وكأنني أختبر الشخصيات روائيا.
فيلمك «جنة الشياطين» مأخوذ عن عمل لجورج أمادو بعنوان «الرجل الذي مات مرتين» فلماذا أمادو تحديدا؟
ـ استخدمت هذا العمل، لأنني رأيته من أجمل أعماله التي أحببتها، بل إنني أري في أدب أمادو مادة غنية يمكن العمل عليها، حيث هناك فراغات ومساحات تنفس في أعماله يمكن اللعب عليها «ديفوهات» تمثل خامة يمكن إعادة تصنيعها مما سمح لي بابتكار شخصيات وأحداث، والاقتراب بالعمل إلي مناخات مصرية، ولم اهتم بأي نزوعات أيديولوجية في أعماله.
لكننا وجدنا فارقًا بين فكرة الموت عند أمادو وبينها لديك؟
ـ نعم فلديه التسليم بفكرة الموت، أما عندي فهذا ليس موجودا، والموت عند أمادو شاعري فيما كان عندي أكثر غلظة، كما أن لدي المزيد من الاستغراق في القبح لذا لا تجد البحر مثلا حاضرًا عندي بينما كان حاضرًا ومؤثرًا عنده.
وهل يمكن للسينما المصرية أن تستوعب فكرة كهذه؟
ـ الفن السينمائي يستوعب، لكن الواقع لدينا لا يتحمل هذا بالمعيار الجماهيري، ولذلك تجد أن فيلم «عفاريت الأسفلت» كان أكثر تواصلا مع الجماهير لأنه يلعب في منطقة طائفة سائدة.
مع اختلاف كل أعمالك إلا أننا نقف علي قاسم مشترك بين أبطالها وهو أنهم جميعا واقعون تحت وطأة الحياة، وأن الأحداث والحياة والأقدار تصنع مصائرهم؟
ـ وكأنك تريد لي أن أجعلهم يقفون في مواجهة حياة هي أقوي منهم وكأنهم حمقي، ففي «عفاريت الأسفلت» تقف علي الميراث القدري، وهذا شيء جذاب في الأدب.
كيف ترصد المسيرة الروائية في المسافة الزمنية الواصلة من نجيب محفوظ إلي جيلكم؟
ـ ميراثنا الروائي حافل وكبير ولا يمكننا إنكاره بدءا من نجيب محفوظ وهناك إشارات مهمة مثل بهاء طاهر وإبراهيم أصلان ومحمد البساطي الذين أثروا فينا خاصة أثناء دراستنا الجامعية ثم إدوار الخراط وبدر الديب، اللذين يشكلان جزءا من تكويننا، غير أن هذا لا ينفي وجود خلافات فنية وقناعات سياسية وبعض التعارضات، أما نجيب محفوظ فلا يمكن إنكار تأثير روائعه فينا وتظل ملحمة الحرافيش ذات الأثر الأقوي، فينا وكذلك «زقاق المدق» اللتان تعبران عن حركة الحياة وتحول الشخصيات.