استفتى الشعب المصري علي دستوره الأخير الذي وافق عليه بنسبة تسعين في المائة أو يزيد ومن ضمن مواده المادة (67) والتي تنص على كفالة حرية الإبداع الفني والأدبي، ورعاية المبدعين وحماية إبداعهم وعدم توقيع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري. الشعب الذي لا يعلو علي صوته صوت, قرر بجموعه رغبته في حماية الإبداع والمبدعين. أو هكذا يبدو الأمر، لكنِّ دوائر الجهل والرجعية لها رأي آخر وما زالت تنازع علي ما اكتسبناه بدمائنا من حريات وتضحيات عبر ثورتين ما زال الأسفلت يحمل رائحة دماء شهدائنا ومازال الهواء يحمل رائحة الغاز و البارود.
هال الوسط الثقافي الحكم الصادر علي الكاتب أحمد ناجي بسبب أحد فصول روايته “استخدام الحياة”, واختصمته النيابة وكأن الكاتب لص أو قاتل, او فاسد لن يستقيم المجتمع الا بعقابه وسجنه!
رأت النيابة أنه ” نشر مادة كتابية نفث فيها شهوة فانية، ولذة زائلة” يستوجب عقابه. قررت النيابة ومن خلفها الباحثين عن الشهرة أن تكون خصما وحكما وحامية للمجتمع من الشهوات واللذات الفانية, لم تدرك النيابة أو غاب عنها أن الأدب في أصله محاولة للبحث عن المتعة والارتقاء بالانسان, وانبرى مناصري الجمود بوصف الرواية بالابتذال وانها لاتليق أن تُعرض علي الأسرة فتقرأها الأخوات والأمهات, في غمز واضح لاستحقاق كاتبها السجن كأي مجرم عتيد!
نصب مناصري التخلف والرجعية أنفسهم قضاة ووسطاء بين المبدع وقارئه وقرروا حماية القارئ من فيروس الانحلال والسقوط في بئر الشهوات واللذات الفانية في رأيهم!
نصبوا انفسهم حكاما بما يليق وما لا يليق واتخذوا من معيار الجودة _الذي صادروه لأنفسهم_سيفا لقهر المبدعين, وكان القارئ والمتلقي غرير لا يحق له اختيار وتقييم ما يقرأ, سلبوا حقه أن يختار ما يناسبه,أيكمل رواية اعجبته أم ينحيها جانبًا, سمحت السلطة لتلك النيابة وهذا القاضي, أن يكون جلادا لكاتب فتسجنه أعواما خلف القضبان عقابا على رواية وليس منشورا يحرض علي العنف والقتل بدلا أن تواجه أبواق الرجعية والتحريض علي المرأة والأقليات بعد أن أصدرت حكما سابقا علي مذيع وعلي صحفية قالوا ما هو ضد السائد في مقالات او برامج تلفزيونية
تفرغت السلطة في نبش الكتب المقالات بدلا من أن تنبش الجهل والتخلف الذي ترتع فيه البلاد, بدلا من أن تتفرغ لمعركة التنوير الحقيقية وتواجه نسب الأمية المخيفة,الدستور يكفل لك أن تبدع لكن لا تخرج عن الخط ,الرئيس يدعو لتجديد الخطاب الديني, لكن أي خروج عن المتبع وأي مساس بالقديم والموروث سيكون مصيرك خلف القضبان لسنوات وسنوات
الدستور سنجعله حبرا علي ورق, حرياتكم المدنية “سـ”تبلوها وتشربوا ميتها” ثورتكم سنمحوها كأن لم تكن!
والآن هل سننتظر عفوا من الرئيس عن “ناجي” أم يمضي عقوبته في السجن لتختصم النيابة آخرين وآخرين من الكتاب والمبدعين, لا والله لن يستقيم الأمر الا بثورة تنوير حقيقية تواجه هذه المنظومة المجتمعية وفي قلبها النظام القضائي المحافظ المتصلب, ثورة في نظام التعليم. والتأكيد علي الحق في الابداع وحماية المبدع والمفكر بل ودعمه ورعايته علي أعلى مستوى من السلطة السياسية.وإلا ننتظر الا مزيدا من الهوان والتردى في التخلف والرجعية لوطن يكابد المزيد من الجراح يوما بعد يوم.