مشكلة الغراب الأبيض!.. عن فيلم Frankenweenie أو فرانكنوينى (1984)

فرانكنوينى
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 أحمد عبد الرحيم

يصوِّر الطفل (ڤيكتور) أفلامًا منزلية من بطولة كلبه الأليف، وبعد مقتل الأخير فى حادث، ينجح (ڤيكتور) فى إعادته إلى الحياة عبر شحنة كهرباء، لكنه يعود ميتًا-حيًا مسخى الخلقة. بينما تتفهّم أسرة (ڤيكتور) الأمر، يرتعب جيرانهم من منظر الكلب، فيطاردونه وصاحبه إلى طاحونة هواء، وهناك يتسبّب أحدهم فى إحتراق الطاحونة، وحينما يكاد يفقد (ڤيكتور) حياته، ينقذه كلبه من الموت؛ وهنا يشعر الجيران بخطأهم، ويرون الشهامة فى هذا الكائن، متعاونين فى “إعادة شحنه”، بعد نفاد كهربائه، عبر بطاريات سيارتهم. عقب إفاقة الكلب، يصادف كلبة لا تقل قبحًا عنه، ويقع فى حبها.

هذه هى قصة الفيلم حى-الحركة القصير (Frankenweenie أو فرانكنوينى – 1984) الذى أخرجه الأمريكى (تيم بيرتون)، أيام عمله فى شركة (ديزنى) فنانًا تصوريًا، والذى يعد أضعف عمل شاهدته له حتى الآن، مع ملاحظة أن هذا الرأى قادم من أحد أشد المعجبين به!

فى فيلمه السابق، التحريكى القصير (Vincent أو فنسنت – 1982)، نصحنا (بيرتون) بتقبل الأشخاص غير المعتادين، لإحتمالية كونهم استثنائيين على نحو مبدع، من خلال قصة طفل مهووس بالسينما، يتخيّل أفلامًا من بطولته وكلبه، لكنه غريب الأطوار، ولا يفهمه أحد. وأظن أن مسألة غرباء الأطوار المبدعين الذين يحتاجون إلى التقبُّل تعد همًّا عانى منه (بيرتون) مبكرًا فى حياته، خاصة أيام عمله بـ(ديزنى)؛ مع الوضع فى الاعتبار خياله سوداوى النزعة، وعشقه الأصيل لتراث سينما الرعب، فى مقابل إنتاج تلك الشركة دائم الألوان، ثرى المرح. لذا فى فيلمه اللاحق (فرانكنوينى) يستكمل أزمة إختلاف الطفل (ڤنسنت) من خلال أزمة إختلاف كلب الطفل (ڤيكتور)، وكلاهما إختلاف ينبع من ذات (بيرتون) مؤلف قصة، ومخرج، الفيلمين.

(فرانكنوينى) فيلم عن وجوب تقدير كائن طيب ورقيق، حتى وإن بدا قبيحًا أو مرعبًا بالنسبة للآخرين؛ وهو ما قد يعادل موهبة مختلفة، أو إنسان مُنفِّر ظاهريًا، أو – بالأحرى – صانع أفلام مهتم بهذه الأمور. لكن ما حدث أن (بيرتون) أراد أن يعبِّر عن نفسه، تحت شعار (ديزنى)، مع التوفيق بين الأمرين.. وهنا كمنت المشكلة.

الفيلم قاتم الجو، محروم من الألوان المبهجة، أو الألوان أصلًا، لتصويره بالأبيض والأسود، ويقوم على فكرة تدعو إلى تقبل “الزومبى”! وفى الوقت ذاته، هناك إصرار على إفتعال أى نهاية سعيدة؛ ينقلب فيها سكان الحى من مناهضين لذلك الزومبى، ومطالبين بإعدامه، إلى أحباء له، ومنقذين لحياته، وحينما تظهر نسخة مؤنثة من الكلب فى آخر لحظة؛ فنحن لسنا بصدد نهاية سعيدة مفتعلة، وإنما نهاية سعيدة “جدًا” مفتعلة!

على غرار نهاية (ڤنسنت)، التى لمّحت إلى موت البطل عند منعه من الخيال، ربما أراد (بيرتون) نهاية أخرى لـ(فرانكنوينى) يموت فيها الكلب خلال إنقاذ صاحبه، شهيدًا للتضحية، أو قتيلًا للنوايا السيئة، أو يموت الكلب وصاحبه، منتقلين إلى عالم آخر أقل قسوة، طالما أن مجتمعهما يطردهما خارج رحمته. لكن بدلًا من هذا وذلك، أعطانا (بيرتون) تلك النهاية واسعة الإبتسامة، ليفتقد الفيلم كونه قصة قصيرة حزينة، أو حدوتة مبهجة من حواديت (ديزنى)، واقفًا فى منتصف مائع، بدون حالة فرجة خاصة المذاق، أو إشباع نهائى للمتفرج.   

فرانكنوينى

حتى قصة الفيلم وقفت فى المنتصف بين هدفين. الأول أن تكون محاكاة كوميدية لأيقونة أدب الرعب (فرانكنشاتين: أو بروميثيوس المعاصر)، الرواية الصادرة سنة (1818) من تأليف البريطانية (مارى تشيلى)، عن طبيب يدعى (ڤيكتور) جمّع أعضاءًا من عدة جثث، باثًا الحياة فيها بالكهرباء، صانعًا مسخًا طيبًا لكن يرعب الجميع، والفيلم الهوليوودى الكلاسيكى المأخوذ عنها (Frankenstein أو فرانكنشتاين – 1931)، كذلك جزءه الثانى (Bride of Frankenstein أو عروس فرانكنشتاين – 1935) – فيما يخص ظهور نسخة أنثوية من المسخ – وكلاهما إخراج (بيتر وايل). والهدف الثانى أن تكون إعادة مختصرة لفيلم الخيال العلمى الأكثر تأثيرًا فى الثمانينيات (E.T. the Extra-Terrestrial أو إى. تى الكائن الفضائى – 1982) إخراج (ستيڤن سبيلبرج)؛ فيما يخص الحى الذى يحوى طبقة متوسطة تمارس الاعتياد وتمقت التغيير، وصداقة تولد بين طفل وكائن غير تقليدى، وكبار غير متعاطفين وأسرة حانية، ومطاردة لتدمير الكائن وهروبه مع الطفل، ثم حدث يقلب الأمور ويتجلى من خلاله قوة الخير فى الكائن، مع نهاية سعيدة تحمل التقدير الذى طال إنتظاره. لكن هذه “الخلطة” أنتجت فيلمًا قدّم رعب الناضجين للأطفال، وبراءة الأطفال للناضجين، على نحو إفتقر للتكافؤ والجاذبية.  

الإخراج لم يكن مبهرًا أو مثيرًا للإهتمام. مشهد البعث – وهو أفضل مشهد فى الفيلم – كان جيدًا فحسب، ولقطات الكاميرا المحمولة دون اهتزاز (المعروفة بكاميرا steadicam)، التى تتابع الكلب بنعومة وحيوية، لم تكن فتحًا وقتها، لأنها ظهرت فى أفلام سابقة مثل (Escape from New York أو الهروب من نيويورك – 1981) إخراج (چون كاربينتر)، و(The Shining أو الإشراقة – 1982) إخراج (ستانلى كوبريك). مشاهد إرتعاب الجيران من مرأى الكلب الزومبى، الشديد البراءة، اتسمت بالمبالغة، وانتهت إلى صعبة التصديق. كل أماكن التصوير، والديكورات، لم تتناغم مع ديكور مقبرة الحيوانات الأليفة، الفنية للغاية بالمقارنة. حس الفكاهة ميت بالكامل، لدرجة تجعل من فكرة الفيلم كسخرية من (فرانكنشتاين) نكتة فى حد ذاتها! لا يوجد إلا جملة حوار واحدة طريفة؛ تقولها الأم متهكمًة على أخت زوجها، وقياسًا على مذاق الفيلم النهائى، ستشعر أنها خارجة عن إطاره. ماكياچ الكلب كزومبى كان بدائيًا إلى حد مُخزِى. العنصر الوحيد الذى حقّق الإمتياز كان موسيقى (ديڤيد نيومان) و(مايكل كونفرتينو)، وإن كنت ستشعر أنه غير كافى لتعويضك عن الـ29 دقيقة ثقيلة الظل التى قضيتها فى المشاهدة!

لم أتعجب حينما قرأت أن (بيرتون) تم رفده من (ديزنى) بسبب إهداره موارد الشركة على فيلم كهذا، فالفيلم لا ينتمى إلى نوعية بضائعهم التى يحفظها الجميع عن ظهر قلب. على أى حال، سيعاند (بيرتون) الظروف، ويعود إلى الموضوع نفسه، الخاص بتقبُّل وتقدير غير العاديين، لمرات عديدة خلال سنواته الأبرع القادمة، وهو ما سيكشف لنا أن (فرانكنوينى) كان بروڤة متسرعة لفيلمه حى-الحركة الطويل (Edward Scissorhands أو إدوارد ذو المقصات)، الذى سيخرج للنور بعدها بـ6 سنوات فى 1990، وينال نجاحًا نقديًا، وإيرادت وصلت إلى 86 مليون دولار، متعديّا 4 أضعاف ميزانيته، ناهيك عن إعادة (بيرتون) لـ(فرانكنوينى) فى فيلم تحريكى طويل، له العنوان ذاته، سنة 2012، من إنتاج (ديزنى) شخصيًا!  

إذًا (فرانكنوينى) بروڤة متسرعة أكثر منه فيلم حقيقى، ورغم إنتمائه إلى عالم (تيم بيرتون)، فإنه ليس متوازنًا أو ممتعًا مثل بقية أعماله؛ عاجزًا عن أن يكون غرابًا أسودًا أو حمامة بيضاء، مُنتهيًا إلى شىء بينهما، سيئ التهجين، وحتى مع تطبيق رسالة الفيلم بخصوص الكائنات الغريبة؛ يظل صعب التقبُّل!

………………………..

*نُشرت فى مجلة “كراسات الفيلم القصير” / العدد 4 / فبراير 2020.

 

مقالات من نفس القسم