مستعمرة الجذام

موقع الكتابة الثقافي art 61
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد الله محمد

 أعبر ضفة الطريق الذاهبة إلى القناطر الخيرية ومن ثم أقترب من الجزيرة الوسيطة التي تعلوها جبال صغيرة من القمامة الصلبة.. أقفز فوقها فأجد نفسي في منتصف الطريق الآخر الذاهب لشبرا الخيمة وتكاد سيارة تويوتا مسرعة ان تفرمني.. أتراجع وأتقبل سباب السائق المقذع على مضض.. أحاول أن أزيل من قدمي آثار لمادة ما لزجة وعضوية وعفنه من بقايا القمامة التي تراجعت فوقفت في قلبها.. أعود لمسيرتي أنظر يمينا حيث تاتى السيارات المسرعة ويساراً حيث يمكن أن تفاجئني سيارة قادمة من الجهة المعاكسة .. أعبر بسلام بعد ان مسحت بقايا العفن من حذائي في رصيف الجزيرة.. يشير لي سائق الميكروباص الرمسيس القديم المتهالك بيده ورأسه معاً:

– مؤسسة يا ذوق

– مؤسسة يا أسطى

اادخل إلى الفرن الصاخ الذي يسمونه سيارة ميكروباص وعيني على ال” كنبة الآخرانية” في المقعد الأخير جوار النافذة.. لا أحب الجلوس بين الاجسام في المنتصف ولا أحد يحب.. ولا أحب جمع الأجرة وتجهيزها للسائق ولا أحد يحب أيضاً.. أحدهم يجلس في مقعد المافذة في أخر ” كنبة” ويسند بيده على “مسند” الكنبة التي أمامه ويريح رأسه .. الحر صعب والناس نيام في عز الصباح من فرطه .. أدس نفسي في كنبة المنتصف في مقعد النافذة، ظهري للرجل النائم مباشرة.

دقيقة ويمل السواق من الوقوف أمام السيارة ومسحها والنداء مؤسسة ..مؤسسة … لذلك يتوقف عن التوقف ، ويقود السيارة وينادي في الجلوس الذين هم خمسة أحدهم في المقعد المجاور له .. واثنين في أول كنبة وأنا والرجل النائم في الخلف.. على الأجرة… من الخلف يخبط الرجل النائم على كتفي افتح كفي واستقبل منه جنيه ونصف “فكة”، اضمها لمثيلتها في يدي، ادفع بهم لمن أمامي بشكل عمودي تصل الأجرة للسائق الذي يجلس في خط مستقيم أمامي وأمام الرجل النائم خلفي.

من خلفي تنسحب ببطء يد الرجل وكلها جروح صغيرة دائرية .. يرعبني منظر القروح المنتشرة في الكف والذراع.. بشكل تلقائي أحاول النظر له لكني أتراجع حتى لا أحرجه .

في منتصف الطريق يقف السائق المتلهف إلى راكب جديد يكمل به سيارته من أجل سيدة تلف حول وجهها شال أزرق صغير .. تقترب فنكتشف أن وجهها محروق تماما ومشوه، قبل أن تضع يدها على الباب الصاج يدير السيارة وينطلق هاربا منها .. يوقفني الحر الشديد عن التفكير في ما فعله، ولا أعرف ما الذي أسكت من حولي كذلك.. لكل أسبابه.

نصل للمؤسسة، يهبط كل من العربية إلى الساحة الواسعة التي غطتها الحكومة بمظلات من الصاج، في الاصل المؤسسة هي ميدان واسع به نادي المؤسسة العمالية، لذلك أسموا المحطة والميدان بالمؤسسة، لكنها أيضا تحتوى محطة مترو شبرالخيمة أول خط شبرا- المنيب، وكذلك محطة قطارات شبرا الخيمة، ولها ماضي صناعي عريق حيث إزدهرت بها صنا…..

– الراجل ده عنده جذام

-مين؟

-الراجل اللي ساند وبيكح على العربية الربع نقل هناك

-جذام ازاى

-ايديه بتتاكل حته.. حته .. وعينيه بتتااكل من الاطراف لحد ما بتوسع وتبقى عينين سمك

يدور الحوار جواري وأنا أسير وأكلمكم فالتفت …

وياليتني ما التفت…

الرجل الذي “عنده” جذام هو الرجل الذي كان يجلس خلفي ..هو الرجل الذي ناولني الفكة كفاً بكف .

أتعمد التوقف بأى حجة ليلحق بي وبالفعل يتخطاني في خطوته المهمله البليدة بجلبابه الفلاحي الرمادي المتسخ من عنده أطرافه السفيله، كم الجلباب مزاح من عند الساعد الأيمن، أستطيع أن أرى التقرحات والجروح بشكل أوضح مما كنت في السيارة، فجأة أتذكر كيف منحني الرجل أجرته في يدي.. الرعب يتملكني فأنا لا أتذكر سيناريو بعينه .. هل لامست يدي يده؟ هل انتقلت عدوى الجذام من يده إلى يدي؟ هل صرت مجذوماً؟ لا بالعكس أنا أصلاً أتعمد أن أجعل كف يدي منبسطاً بقوة حتى تلقى فيهم أي فتاة أجرتها عندما أخذها من إحداهن، دون أن تتهمني بالتحرش، وبالتبعية صرت أفعل ذلك مع الجميع، أنا بسطت يدي بقوة ، نعم .. يد الرجل لم تلمس يدي.. أنا لن أصاب بالجذام .. لن يبتر الطبيب أطرافاً من جسدي و… أنا لا أعرف على وجه اليقين ماذا حدث .. فجأة قفزت إلى ذهني عشرات التصورات.. الرجل لم يكتف فقط بلمس يدي عند تسلم الأجرة، الرجل هو آخر من هبط من السيارة وأنا من سبقته مباشرة .. المعتاد أن يحتفظ كل هابط من الميكروباص بالباب مفتوحا لمن بعده حتى لا يغلق أثناء نزول الأخير، عند ذلك تمهل الرجل وأبدى صعوبة في النزول فساعدته واستند ليدي قبل أن يهبط.. هل حدث ذلك؟ هل حدث ذلك حقاً أم أن الأمر اختلط عليا من فرط التكرار، هل حدث ذلك مع رجل آخر عجوز بالأمس وأنا تحت ضغط الفزع أخلط الأحداث؟

أفيق من تلك الدوامة على نظرات ضاحكة للركاب والتباعين وسائقي الميكروباصات الذين وقفوا ليشاهدوني وأنا أحسب كل تلك الحسابات المعقدة وأحدث نفسي بصوت عالي.. أهرب من نظراتهم إلى طريقي.. إلى سلم كوبري المشاة الذي سيصلني للمترو.. أصعد السلم ودفقة من الذكريات تهاجمني.

منذ خمسة أعوام اقترحت في ورشة عمل لكتابة الأفلام الوثائقية فكرة فيلم وثائقي عن مستعمرة الجذام بأبوزعبل، كانت الورشة تؤهل للعمل في الشركة التي نظمت الورشة، حاولت ” التجويد” وإثبات الجدارة فسافرت إلى أبوزعبل، قلت لأمي يومها أنا ذاهب إلى إمبابة لزيارة صديق في معهد القلب، سألتني: مريض، فقلت لها: طبيب، كان لابد من أكذب من المستحيل أن تسمح لى تلك الموسوسة بالذهاب لأحد سادة الأمراض الجلدية بقدمي، وإن سمحت بالذهاب لن تسمح لى بدخول البيت مرة أخرى.

قلت لأمي إني ذاهب.. ذاهب كأى مشوار آخر، لكنى اكتشفت انه سفر حقيقي عبر مواصلات عدة، من مترو إلى تويوتا إلى بيجو وقبلهم السيد رمسيس الذي يحتويني بصاجه العتيق الصدء صيف شتاء، آخر سيارة وصلت قبل المستعمرة بكيلومتر ورفضت استكمال الرحلة، هبطت منها وركبت مع سيارة تريلا ضخمة اضطررت أن أصعد للسيارة عبر تسلق سلمها، لم أخبر السائق عن طريقي، قلت له : ناس صحابي مستنيني كمان كيلو على الطريق، وعندما طالعته يافطة ” مستعمرة الجذام بأبوزعبل” وسمعني أطلب منه أن يتوقف قبل البوابة، نظر لي نظرة أدهم الشرقاوي للورد كرومر، وبصق من النافذة عن يساره.

هبطت من السيارة ودخلت إلى من ينتظرني، تمرجي معرفة لأحد الأقارب ، كل شىء كنت أفعله دون أمد يدي لاحظ التمرجي أني لم أسلم عليه واكتفيت بالسلام مشافهة، الحمام فكرت ألف مرة قبل أن أدخله لكن مثانتي طرقت باب عظام الحوض ألف وواحد مرة، فدخلت ومناديل بيضاء تتوج يدي، أتذكر كيف زرت الغرف القليلة التي سمحوا لي بزيارتها ككائن خفي لا ألمس باباً وأتعمد عدم النظر لأحد المصابين حتى لا يبادروا بأي محاولة للسلام بالكف، كيف ُصدمت عندما رأيت سيدة عجوز تجلس على الأرض أمام سريرها، وتقلي بكفين بلا أصابع بطاطس ” صوابع” في ” طاسة” كثيفة السواد، فوق موقد صغير، أنبوبة قزم ملتصق بها مسند لأدوات القلي، وفوق سريرها رسمة ضخمة لسفينة مكتوب فوقها : حج مبرور وذنب مغفور يا حاجة زينب، الحج المبرور لا جزاء له سوى الجنة، عندما مررت بأحد الأماكن النادرة المزدحمة بساحة المستعمرة المليئة بالأشجار البديعة واكتشفت أنه ” فرن بلدي” وأن العاملين فيه من مصابي المستعمرة، وعندما سألت المسئول عن المرور معي: الأ يقرف هؤلاء من الأكل من عيش يصنعه مصابو الجذام، فاجئني رده بأن زبائن الفرن هم أهل العزبة وهم أيضاً أقارب نزلاء المستعمرة الذين أتوا مع مصابيهم من كافة أرجاء مصر وأقاموا في العزبة ليكونوا جوار ذويهم، أتذكر أيضاً كيف أزال الطبيب بجهاز حديدي قطعة جلد ولحم ضخمة من إبهام مريض وهو يكلمني عن ضرورة عدم القلق من ملامسة المرضى، لأن المريض الذي حصل على لقاح معالج لا ينقل المرض، عندما تذكرت ذلك توقف القلق والهلع قليلاً.

في الطابور الطويل للحصول على تذكرة المترو تذكرت الطابور الذي وقفت فيه بعد أن خرجت من المستعمرة بوعود كاذبة من المدير والمشرف الاجتماعي بالمساعدة في اتمام الفيلم في حالة ما إذا حضرت للتصوير، وقفت في انتظار سيارة نصف نقل تنقل عدد يتجاوز الخمسة عشرة كأننا عمال تراحيل في صندوق السيارة، كلهم بالجلابيب وأنا بزي الأفندية وبموبايل متطور شغلت نفسي بالنظر فيه بينما أنا واقف وسطهم، وحظى الطيب جعل أحدهم يرق لي فيترك لي فسحة جوارطرف السيارة المسور، أنظر للمراهق الذي يقف وجهه في وجهه ببلادة وتناحة فيرعبني حجم الحبوب الذي يملأ وجهه، حبوب ضخمة ممتلئة بالقيح لم تنجح رغم ذلك في تشوية وجهه الذي تكفلت به الشمس فصنعت منه رغيف عيش أسود متفحم، أغمض عيني وانظر لأرضيه السيارة.

كلنا وقوف جلدنا يلامس جلد بعض في تجربة لم أكن أصدق أنى سأمر بها يوما، فجأة يعطس المراهق في وجهي، لثانية أتخيل أن ما يحدث هي نوبة شرود ألمت بي تحت هذه الشمس، لكن كل ما له صلة بما حدث وما له من مخلفات كان يملأ وجهي وصدري، عندما حاولت أن أستبين من وجه الفتي محاولة اعتذار لم أفهم شىء من تعبيرات وجهه الميت والميته، وعندما حاولت أن أستدعي اعتذار ممن حولنا من رفاق، لم ينطق أحدهم بشىء، لوهلة تذكرت رواية غسان كنفاني : ” رجال في الشمس”، عن مهاجرين غير شريعين تكدسوا في خزان حديدي لسيارة نقل تقلهم في رحلة طويلة عبر الصحراء في عز النهار.

أتخيل نفسي والطبيب يبتر من يدى كيفما شاء بحجة محاصرة المرض، أتخيل المرض وهو يقتل محجرى عيني، ويحولها لعين سمكة مستديرة، كل مصابي الجزام يشبهون بعضهم البعض، وكل عيونهم عيون سمك، أطراف مبتورة وهزيمة تغطى الروح وتكشف خيانة الجسد.

أفكر في أقرب حمام لأغسل يدي فأتذكر حمام المترو، أقرأ كل يوم بينما أعبر بجواره يافطة ( دخول الحمام 1 جنيه)، حصلت على تذكرة المترو.. عبرت البوابة الاليكترونية وتحركت للزاوية التي هي في الأصل مرحاض عمومي لخدمة الناس لكن موظفي المحطة الأكثر حيوية في خط المترو حولوه لـ” سبوبة”.. دفعت الجنيه للموظف ذو الملابس الرسمية ودخلت للحمام/الركن، على اليمين مبولتين، على اليسار حوضين وبينهما كابينة، كل ذلك في محيط 3 مترفي 3متر، المبولتين مشغلوتين أحد الأحواض كان عليه مدير المحطة شخصياً وهو يتوضأ، الحوض الآخر وجدت عليه عاملة نظافة تغسل صحون ملأت الحوض وفاضت، وعندما توقفت بنظري طويلا أمام انهماكها في التنظيف، نظرت لي بملامج جامدة ورسمت على وجهها عبوس أزلي وقالت لي :

-معلهش هتستني شوية عشان دي صحون المحطة كلها، كل يوم واحدة بتشيل الليلة وكلهم غابوا النهارده وسابولي المواعين كلها، امبارح كنت انا والنهارده برضو أنا ، ستات ولاد….

ضحك مدير المحطة ومن بالمبولتين ومن داخل الكابينة أتت الضحكات أيضاً، قارنت بعيني حمامات المستعمرة وحمام المترو، وتذكرت كم كانت الأولى سلسة وهادئة ونظيفة وشبه معقمه، وكيف كنت عنصرياً وغشيما معها.

يصيبني اليأس من كل شىء، هل ينظفني الماء الهابط من صنبور معدني من بكتريا فطرية دقيقة تنام في حضن ثنايا الجلد، مترو شبراالخيمة ينطلق من جنوب القليوبية إلى القاهرة من شمالها، ولأن النيل هو ما يفصل القاهرة عن القليوبية، فإن المترو يخترق النيل في نفق واسع، من فرط القرف أحلم بالمترو يغرق في النفق، أحلم بنفسي اغسل يدي في الماء بالماء، ماء في ماء في ماء، ولكن هل يذهب الماء الملوث الآخر بفضلات الدنيا والآخرة بالمرض، الحر خانق والوقوف في المترو تحت فتحات التكييف هي أملك الأخير، لكني أبداً لا أخون طقوسي، وطقسي الأثير في المترو أن أقف إلى جوار الكنب ذو المقعدين ، المكتوب فوقه: (هذه المقاعد مخصصة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة)، هوسي من وراء ذلك أن أريح حقيبة الظهر فوق الصندوق المعدني المخصص لطوارىء الحريق وأن أقف، فقط أقف لا أجلس أبداً بل أنتظر الفرص كي أقرع صغار السن عندما لا يتركون المجال لكبار السن من أجل أن يرتاحوا.

على لحن رتيب من ” أزأزة” اللب وبصق قشره خلفي، أقف وأمسك باليد الدائرية العاجية الهابطة من الذراع المعدنية، اثنان منها يتأرجحان جانبي في هواء عربة المترو الخانق، أقف وفي قبالتي سيدة في منتصف الأربعينيات وإلى جوارها رجل فسيح الصلعه نحيف وطويل في نفس العمر تقريبا، في المقعد الذي يتسع لإثنين بدا هما الاثنين أبدن من اللازم عندما لم أجد مساحة تذكر تفرق بينهما.. من الواضح أنهما لم يأتيا معا لكنهما بدا كأغراب من نفس الفصيلة، أمامها اصطفت عدة حقائب بلاستيكية لمحلات ملابس وأحيانا لانجري، عليها صور شبه فاضحة، شممت من أحدها روائح طعام في علب وبرطمانات، الأحظ أنها شاردة طوال الوقت لا تتكلم، بل تتمتم بكلام غير مفهوم، كانت غزيرة العرق، وترتدي عباءة سوداء وطرحة بذات لونها، لكنها فجأة ترفع عينها إلى وتسألني : ـ

-يا استاذ إزاى اروح المعصرة؟

-خليكي معانا لحد الشهدا وبعدين….

يقاطعني الرجل الذي يجاورها بسرعة ويسألها:

-رايحة فين في المعصرة أنا نازل هناك انزلي معايا، متقلقيش.. ايه اللي رايحه له هناك.. دا انتى شكلك جاية من سفر.. هاه .. احكي..

-انا رايحة لأهلي هناك .. أنا جاية من المنصورة بلد جوزي ..

أحاول التعبير بقسمات وجهي عن استيائي من سخافته، لكنه لا يلتفت إلى والسيدة تكمل بلا توقف كأنها كانت بحاجة لمن يدفعها للكلام ، لم تكن تحدثنا .. كانت تزوم بعيون تلمع بالدموع عن زوجها المسن الذي تزوجها منذ خمس سنوات وهي في أوائل الاربعينيات وهو في اواخر عقده السابع، العانس تحولت لخادمة لزوجها ولأبناء وبنات زوجها الذين جردوها من كل شىء بمجرد زواج الابن الأصغر في شقة الأب، طردوها بعد ثلاثة أعوام من خدمتهم وأبنائهم بعد وفاة زوجها.

-منهم لله ولاد جوزي .. حسبي الله ونعم الوكيل فيهم .. طردوني وشردوني .

قالتها وكررتها لدرجة أن شحاذي المترو الذين يستجدون الجنيه مقابل ” علبة المناديل” توقفوا عن نصبهم المتهدج الكاذب عن أمراضهم وأمراض أبنائهم، وكأن الاستجداء والبكاء طاقة في الهواء إذا استولى أحدهم عليها هرب الآخرين للبحث عن فائض في ساحة أخرى.

أنظر إلى كفي يدي وكلي أمل أن تكون هواجسي ضلالات، أتخيل نفسي في المستعمرة بجلباب فلاحي، وأهلي يسكنون كوخ صفيح في عزبة المستعمرة، أتخيل نفسي في كل وضع مؤذي، أعذب نفسي بلا طائل، يخرجني من هلاوس الجحيم فخذ الرجل وهي تصطدم بساق المرأة وتحاول النيل منها، ذهولها وصدمتها يغيبانها، وندالة الأصلع تقتلني وجحيم الشكوك يسلخ فروة رأسي، والحر والزحام ونظرة لعين الجالاس أمامي رأيت في عينيه المرض، لم تكن مريضة بل كانت هي المرض هي العدوي هي البكتريا القذمية التي تأكل الروح قبل الأطراف .

محطة الشهداء,,

قامت إلى قيامتها ومساحة التجرؤ دفعته ليقودها من ظهرها ويدفعها برفق.

-يلا يا ست مبارك جت .. هنحول

يخرجان وسط الزحام، تقف السيدة في وسط دوامة البشر وهو خلفها، نظرتها كلها طمع وأنا كلي عجز، عيونها تنبأني بمستقبلي وصلعته تعكس أضواء المحطة المزدحمة، يغلق الباب بينما أهم بالنزول لمحاولة اللحاق بها من براثن الغول، يتحرك القطار الكهربائي، فتتحول صورتهم كأنها جزء من صورة تظهر فى طرف عدسة مقعرة، فقط رجل يضع ذراعه فوق كتف سيدة مغيبة، الله وحده أعلم بمآلها ومآلي.

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون