قيس مجيد المولى
في أي نتاج شعري لابد من وجود فكرة رئيسية (leading idea) أي لابد من وجود أفق ما كي يهيئ الشاعر موجوداته التي تنسجم مع تلك الفكرة، وأحيانا وضمن البدء بالإنتاج تنتاب الشاعر نزعة عدم الاكتراث بالوصول الدقيق للتلاقي مع تلك الفكرة الرئيسة ونزعة عدم الاكتراث تلك (indifferentism) تُعبر عن حالات الانفعال غير المتوازن الذي يلحق بالمخيلة شيئا من الإضطراب عند التعامل مع الصورة (image) وكذلك الصورة المجازية(imagery) ورغم مايولده هذا الضغط على المخيلة فأنه يمنحها بنفس الوقت قدرا من التحول (metamorphosis)وهذا التحول لايعني تحولا كليا عن الفكرة الرئيسية لكنه إمساك بصور أخرى نقيضة تنسجم في تناقضها مع مايسعى إليه الشاعر في إخفاء الطابع الخارحي-التخارج – (externalization) إخفاء البنية الظاهراتية وبقدر محسوس، وبالتالي فإن المسافة تضيق أحيانا بأتجاه معلوم وتنفرج أحيانا بأتجاه غير معلوم لتتسع دلالة الفكرة الرئيسية أو تتشظى إلى أفكار أخرى ليظهر النص وكأنه معبأ بمجاميع متنافرة ومتقافزة من الدالات غير المنسجمة بالكلية ولكنها منسجمة ضمن مفهوم الجزئية وهذا بدوره يضع الشاعر أمام إختيار التوقف أمام العقل وتقييم المنتج لإجراء الإصلاحات اللازمة كي يبدو النص رغم تلك الجزئيات المتفرقة يبدو كوحدة متجانسة وأن ساده شيء من الغموض والإلتباس (obscurity )وهو متأت من تلك المفارقة التي أحدثتها تشظي الفكرة الرئيسة وأحتقان الجزئيات بسحر الأوهام والمغالطات الوجدانية ،
الأبنية اللاشعورية
يقدم الشطح الخيالي العديد من الصورالمتنافرة واللغة الغيبية بعد تأزيم الجانب الإنفعالي كنتيجة طبيعية لذلك التشتت والرغبة في إستحضار ولادة مبكرة ومقنعة للمُنتج، وقد يكون التعبير (expression ) يجمع مابين الفكاهة والسخرية الحادة والقصد الحدسي بنزعات ذاتية خالصة بمزاوجة اللاعيني مع الكلي العيني (concrete universal )وهذا مايُعين الشاعر للوصول للنقطة الحاسمة لأرغام القوى غير الفاعلة في النص والتي تسللت إلى المحتوى المنظم لأرغامها أو على أقل تقدير لإضعاف سطوتها على المخيلة وبالتالي رفع القدرات التحسسية في النص من خلال سطوة الجانب الجمالي والذي سيكون نقيضا لكل الأشياء التي لاتنسجم مع قدرات الموجودات التي تشتغل بقدراتها التوافقية ضمن مستوى غير مقدر من الإنفعال والخيال وما ينتج في لحظتها من الأفكار والرمزيات وهي بذلك الوصف أشياء تتنافر مع الواقع كون القصد اللاشعوري شريك متتم للنقلات النوعية التي تستلها المخيلة من العقل الباطن إذ ذاك تحصل القناعة قناعة الشاعر من الخروج عبر حطامه إلى الجمال الفائق (supernaturalbeauty) ،وهو بذلك قد بلغ القصدية الشعرية ضمن جمالها الخالص مع ترتيبات توضع كأساس في بناء النص تمكنه من التحرر التدريجي عما يثقل المعنى بأتجاه إقتناص المُعَبر المُفيد إذ ذاك ينطق النص (بأجمل صور النطق ) كما عبر رتشاردز عن ذلك .. ولاشك ان الشاعر حين يتمكن من الإيغال في اللغة تمكن من توظيف مزاجه وطاقته الذهنية وأحاسيه بالشكل الذي يطمئنه أنه في بداية صعوده التدريجي والمتماسك والمنظم لتحويل أشكاله الإنفعالية الى إنواع شتى من الصور الشعرية التي يمكن أن يقابل بها ذلك الحجم المركب من تراثة وينتصر عليه، وحتى الغموض في النص هو تجاوز بقدر ما للوضوح في الحياة بقول فرلين ( يجتمع المحدد الواضح بالمبهم اللامحدود ) لذا فإضاءة هذا الغموض مع الحفاظ على جوهره دون المساس بمحتوياته من الرموز والصور الباطنية لهُ صلة بين الظاهر والمستور وبين القصد والمصادفة مما يهيئ إستجابة العاطفة بالقدر الذي يمكن الشاعر من معالجة هذا الخليط بشكل يؤمن إنسيابية المعنى نحو المغايرة بعيدا عن الآلي والمتدني من وهم الأفكار .
تشكيل الرؤية القرائية للمتلقي:
إن المُخيلة وهي تبتدع أشياء فيها العبث والمتناقض وتعمل على تعرية البسيط تعني أن طاقتها في تفاعل مستمر نحو صيانة المعنى للوصول لمعنى المعنى فاللغة الشعرية فيها من قوة التعبير مايكفل للشاعر مايريد من إيحاء للمعاني خاصة بعد وعيه لتجربته الشعرية وتأمين عواطفه وكما يقول ووردزورث( التجربة الشعرية فيض تلقائي للعواطف القوية )،فالشاعر يعمل على بلبلة وتشويش الأشياء التي يراها ليديم تشويش حواسه كما تألف (أي حواسه ) غير المألوف والمغاير لتطويع الوقائع بشكل آخر ضمن إمكانيات خلقه لكل ماهو مرئي وغير مرئي، أي تأسيس عوالمه ووضع اليد على خزينه من المكونات التي يقوم بها كلا من الإنفعال والخيال بأنسجام تام أو بمفارقة إنسجامية وتلك عملية طويلة لاتنتهي بأنتهاء النص وإنما تعيد نفسها في أي من مراحل الإنتاج مما يولد بين نص وآخر أشكالا من الصور الشعرية المتغايرة وغير المتجانسة وهو مايعطي لكل نص شعري هويته الخاصة به وفق هذا التنوع بالصور الممتلئة بالأفكار المتنوعة وقطعا سيثير ذلك المتلقي سيثيره خارج قوانين الزمان والمكان كون المتلقي قد إمتلك من هذه النصوص المختلفة إمتلك حرية أوسع في تشكيل رؤيته القرائية بأحاسيس منفصلة ومتباعدة ومتناقضة ، إن الأشياء لدى الشاعر هي حلمٌ وخيال وأن العقل يغير رأيه بأستمرار بقول (بيركلي )ومادام كذلك فأن المخيلة في يقضة مستمرة لإستقبال شتى المحسوسات فتقوم المخيلة بعملها الشاق لإلتقاط ما ينسجم مع الإنفعال والخيال لوضع الألفاظ في موضعها الصحيح ويبدو النص بأشراقته النفسية الجديدة أي أن المعاني الحبيسة تتبلور بلحظات إنبعاث تولدت من الظن والحدس والحلم ليبلغ المعنى إدراكه الفني والبديع.
الإفلات من الجمود والقولبة :
تقدم اللغة مساحات فضلى من المناخات المتشبعة بالحيوية التي تفتح المجال للخاص والساخر بتأثير تلك التناغمية التي تمتلكها الكلمات وماتمتلكه من فيض عاطفي في إستخدام الشاعر لأغراضه المتنوعة عبر وحداتها المتكاملة وما تملكه من الخاصية المميزةالتي تمنح للشاعر إسلوبه الخاص به أي هويته الشخصية وفيها من قوة التناقض الباطني والتناقض الظاهري – المفارقة مايجعلها تقدم البدائل المناسبة والسريعة وهذه البدائل :
بمثابة الحلول أو بالأحرى متطلبات الأنتقال من المثير إلى الأكثر إثارة حينما تهيء للشاعر أكثر من حاسة للوصول إلى متطلبات الوصول إلى المطلق في النزعة الجمالية ،
وهو إحتفاء للشاعر بعبقرية اللغة ومزاجها المفعم تارة بالرضا وتارة بالهستيريا لتقديم صورها عبر قفزاتها الرشيقة بين الأشياء إذ ذاك لاتكتفي بما تعطية وما تقدمه من تاثيرات في مكان النص وزمانه وماتقدمه في ذاكرتها الجمعية واقتران قاموسها بطبيعتها التحولية كي تتخطى الجمود وتفلت من القولبة ، فــ مفهوم الحداثة (modernity ) هنا إستعداها لقبول خلق لغة من لغتها وإدامة إنفتاحها على الأشياء غير المرئية حين يفيض الخيال بمتحسساتها فيمتزج العادي بغير العادي بقوة الظاهرة التماسكية فيها ذات الدلالات الصوتية
يصف شوبنهور ذلك بقوله :
(أن اللغة تشكل ترابط ذات البعض مع البعض ) أي أنها لاتكتفي بالإشارة عبر تسمية الأشياء بل ترتبط بقدرات البناء الداخلي للكلمات ليتم بناء مايتم احتياجه من مشاهد ينتظم فيها السحر
وإصالة التعبير ، فاللغة لدى الشاعر أحيانا لغة طبيعية وهي أحيانا لغة عاطفة وجدانية وقد تكون أحيانا بتعبير ورد زورث إصطناعات من الترابط والزخرفة لكنها في كل ذلك لها خاصية ما في نوع جماليتهما ، لها درجات في حديتها وطرائق تفجيرها ،
وعبر تاريخ الشعر هناك من بحث عن الحقيقة وهناك من بحث عن اللذة ولاشك أن تطور مفهوم العقل الباطن والإنفعال أديا لشيوع إستخدام الرمزية من جهة والإستخدام السوداوي لسريات اللامرئي في مماثلة للبحث عن الكونيات وعن أشكال أخرى من التعسف الذي يزخر به الوجود تجاه الفرد كمخلوق وكقيمة ،
ولاشك أن هناك غاية مشتركة لمجموعة العوامل التي تمثل أدوات الإنتاج للنص ويتم الإستحكام بها من خلال العمل الفني أي فنية تحفيز تلك المشتركات على إضافة شيء من السحر الإضافي وإن سمي ذلك بالتناغم أو بالتناقض فهو إستثارة مستمرة للدهشة لكي يصبح كل شئ في ذلك المحتوى هاما وفريدا ولن تكون هناك حاجة لتفسير اللغة أو عرض سخريتها إذ هي تستمر في تقديم عرضها الشيق بتفكيك دالاتها المألوفة وهو تحول ليس بالمقصود نحو الغموض والإلتباس رغم أنه تحول مفرح بالنسبة للشاعر كون المنتج حراً بما يصل إليه مادامت الغاية البحث عن الجمال والوصول حد الإفراط به ضمن اللايقينيات والأسرار والشكوك ،
ولاشك يجوز بالشعر كما الفنون الأخرى إنتهاك كل شئ بما في ذلك القناعات الأخلاقية فليست الكلية والتناسق أساسا نهائيا للجودة إذ أن الإضطراب والفوضى مقودان مهمان يقودان إذ ماتوفرت رؤيا نفسية مصاحبة من الإيحاء ببعد دلالي أعم لكل من اللغة والعاطفة في إطار المحتوى المتعدد الأغراض في النص الشعري وقد يكون لدى البعض من الغرابة أن يكون التنظيم من خلال الفوضى والتي من خلالها يتحرر الشاعر من العديد من القيود الشعرية الموروثة مادام الشعر هدفا غير عقلانيا وذاتيته تكمن في الضرورة لفهم خلوته الغيبية وأنقطاعة في لحظة خاصة وراقية عن العالم المألوف
اللغة – الخيال – مصيدة الوعي
لابد من الإشارة أن حركة النص تحفز موجوداته في تكوين كتلته الدلالية وكيفية تحفيزه على الإنفتاح ، فالنص كما تراه جوليا كرسطيفا في إصدارها علم النص (ليس مجموعة من الملفوظات النحوية وغير النحوية ،إنه كل ماينصاع للقراءة عبر خاصية الجمع بين مختلف الطبقات الدلالية الحاضرة داخل اللسان والتي تعمل على تحريك الذاكرة الجمالية ) فالنص خطاب متعدد ومتحول وفيه في كل نشاط رمزي قدرا من الإختلاف والإخلاف (diffrenciation)،واللغة الشعرية حاملة للمعنى وفيها من الدال من يحمل نسقه السيمائي وفيها قدراتها التعويضية فيما يتصل بمسها للجوانب المعرفية والفكرية ضمن سلسلتها التواصلية في الجانب الجمالي ،ولاشك أن التوقف إزاء اللغة يعني أن لايمكن دراسة وظيفة ( النص- النص الشعري ) حين نتغافل عن إدراك الإشكاليات العامة للغة وحين تنحصر الوظيفة الشعرية كما يرى رومان باكبسون تنحصر هذه الوظيفة باللغة فقط فإننا نذهب الى عملية تبسيط مُخادع ،فالإشتغال اللاشعوري على سبيل المثال يعني تحرير الطاقة المكتوبة ، إي إعادة الخزين الباطني بصوره ووقائعه الزمكانية لإعادة إنتاجه ، وإعادة الإنتاج تلك عبر وظيفة المعنى والتي تعني هذه الوظيفة هوية الشاعر التي تأخذ تقاطعاتها الدلالية وبياناتها الإحتمالية في التطابق أو التماثل مع ماتهبه اللحظة الشعرية من أفكار ووحدات رمزية ومنوعات من المفارقة ضمن مخيلة تخلق أسطورتها وأحيانا تتخطاها للإفلات من قبضة الواقع ووقائعه بعد أن تتوفر اللغة الحرة الغير مقيدة والتي تمنح للنص فرصته في تغيير العلاقة بين الملمات وأشياءها .
وفي الشعر يجوز انتهاك كل شيء، إن تمت الإساءةُ للغة أو لم يُساء إليها، إن أمكن استخدامها بما تملك من قوة فتطورها كامن فيما يراه الشاعر من حاجاته ومن نوازعه الدفينة عبر توأمة أمله ومأساته، فاللغة لدى الشاعر أحيانا لغة طبيعية وهي أحيانا لغة عاطفة وجدانية وقد تكون أحيانا بتعبير ورد زورث اصطناعات من الترابط والزخرفة لكنها في كل ذلك لها خاصية ما في نوع جماليتهما، لها درجات في حديتها وطرائق تفجيرها ، وعبر تاريخ الشعر هناك من بحث عن الحقيقة في النص الشعري وهناك من بحث عن اللذة ولا شك أن تطور مفهوم العقل الباطن والانفعال أديا لشيوع استخدام الرمزية من جهة والاستخدام السوداوي لسريات اللامرئي في مماثلة للبحث عن الكونيات وعن أشكال أخرى من التعسف الذي يزخر به الوجود تجاه الفرد كمخلوق وكقيمة.
ولا شك أن هناك غاية مشتركة لمجموعة العوامل التي تمثل أدوات الإنتاج للنص ويتم الاستحكام بها من خلال العمل الفني أي فنية تحفيز تلك المشتركات على إضافة شيء من السحر الإضافي وإن سمي ذلك بالتناغم أو بالتناقض فهو استثارة مستمرة للدهشة لكي يصبح كل شيء في ذلك المحتوى هاما وفريدا، ولن تكون هناك حاجة لتفسير اللغة أو عرض سخريتها إذ هي تستمر في تقديم عرضها الشيق بتفكيك دالاتها المألوفة وهو تحولٌ ليس بالمقصود نحو الغموض والالتباس رغم أنه تحول مفرح بالنسبة للشاعر كون المنتج حراً بما يصل إليه مادامت الغاية البحث عن الجمال والوصول حد الإفراط به ضمن اللايقينيات والأسرار والشكوك.
ولا ضير في الشعر أو الفنون الأخرى انتهاك كل شيء بما في ذلك القناعات الأخلاقية، فليست الكلية والتناسق أساسا نهائيا للجودة إذ إن الاضطراب والفوضى مقودان مهمان يقودان إذ ما توفرت رؤيا نفسية مصاحبة من الإيحاء ببعد دلالي أعم لكل من اللغة والعاطفة في إطار المحتوى المتعدد الأغراض في النص الشعري وقد يكون لدى البعض من الغرابة أن يكون التنظيم من خلال الفوضى، والتي من خلالها يتحرر الشاعر من العديد من القيود الشعرية الموروثة ما دام الشعر هدفا غير عقلاني، وذاتيته تكمن في الضرورة لفهم خلوته الغيبية وانقطاعه في لحظة خاصة وراقية عن العالم المألوف.
وعلى هذا الأساس ليست هناك حدود قصوى تقف عندها العاطفة وليس هناك نداءا داخليا لا يُسمع، والعاطفة الأصيلة تتمتع بمتطلبات الإحساس بالتعبير وهي تقدم لهذا الإحساس مستلزمات العملية الشعرية دون إغفال للجوانب الأخرى من متممات تلك العملية الشعرية ولا يتم البحث عن حالات للتوازن كي يكون المنتج مغريا فالتوازن أحيانا يعبر عن وقاحة العقل في رغبته لتسيد الأفعال العاطفية وتكوين نقلات إدراكية داخل الفيض الشعري بتدبير قوى التركيز العقلي وإيقاع الخيال بمصيدة الوعي باستخدام لغة معينة ما، إن تراكم القدرات المعرفية لا يعني كسر زجاج الخيال الشفاف لأن قوانين المعرفة ونمطياتها تقع خارج الخيال والخيال المنتج لايوصف بالنمطيات والقوانين لأنه عاطفة غيبية وقدراته التحسسية قدرات اكتشافية تكون اللحظة فيها كافية لاكتشاف عالم بأسره.