“مرشد سياحي” لريم بسيوني.. أثر الفراشة في الحياة

مرشد سياحي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سيد عبد الحميد

بعد انقضاء فترة حظر التجول في مصر، وعودة الحياة لطبيعتها منذ يونيو 2020، بدأ الناس في الخروج لمواجهة العالم مرة أخری، ولعل هذا هو أروع شعور حدث منذ فترة طويلة كانت العزلة فيها قسرية والابتعاد عن الأحباب أمر واجب. كلنا رددنا أن بعد الخروج مرة أخری سنزور كل الأماكن التي نشتاق لها، بل أن البعض منا منى نفسه بالحصول علی رحلة العمر.

في رواية “مرشد سياحي” للكاتبة المصرية “ريم بسيوني” كل الناس يتمنون الحصول علی رحلة العمر، التي من بعدها لن يكون أي شيء مهم، لأنهم حصلوا علی كل ما أرادوه في حياتهم بزيارتهم لمصر ورؤية آثارها وعظمة تاريخها، والحكايات من تلك النقطة تتشابك وتتشعب، وترتبط المصائر ببعضها، وتتضح نظرية أثر الفراشة، حيث أن قرار امرأة أسترالية من أصل صيني زيارة مصر، يؤدي في النهاية لاكتمال قصة حب لم يكن سيكتب لها إلا النهاية العادية الحزينة التي تُباعد بين الرجل العاشق الحالم والمرأة بعيدة المنال علی الجميع.

السرد في هذه الرواية كان شاعريًا، يجعلك تشعر وكأنك تقرأ قصيدة نثر طويلة عن “مؤمن” المرشد السياحي ابن الأقصر، المنطوي والوحيد الذي يعرف كل شيء، ويؤدي مهنته ببراعة، حيث أنه يدرك أن الحكاية ربما لا يجب أن تحمل في طياتها كل الحقيقة، ولكنها يجب أن تكون ممتعة، لأنها حكاية العمر لمسافر ربما لن يأتي مرة أخری.

“مؤمن” ابن الشقاء والتجريب، والحياة الفوضوية التي لا يدخل النظام لها إلا في إطار العمل، ومرافقة السياح لإخبارهم أن السر يكمن في الأعماق، وأن تصديق النفس أحيانًا أفضل من تصديق رجال السياسة أو رجال الدين!

في العشق تتحطم كل القواعد، وفي حياة مرشدنا السياحي تتحطم كل اللاقواعد، وتبدأ مرحلة جديدة بمجرد أن يحدث شيء يمكنه أن يقلب الحياة في دولة من العالم الثالث رأسًا علی عقب.

” الخير يأتي بأسباب واضحة ومنطقية، ويمكن فهمه وقياسه وسط الجموع، والشر كالحب والموت، لا يخضع لمقاييس عقلية، ولا يمكن توقعه أو تحاشيه. ومادام سطوع الشر يأبی الفهم فهو الباقي بقاء الموت والحب.”

يأتي ذكر الخير والشر هنا مرارًا، كما يتم ذكر قسوة القدر في رحيل أحبابنا عنا في أشد أوقات ضعفنا، وكما تتقاطع الخيوط الرمادية الحزينة في رواية تبدو وأنها أبعد ما تكون عن صدمك في عدة مقاطع بسبب دقة وصف المشاعر فيها أو قدرة الكاتبة عن شرح أبسط التفاصيل وأعقدها، ويأتي الموت، كشبح مخيف يلوح أحيانًا في جرأة أو وقاحة، أو كقدر لا يستطيع أحد أن يغيره مهما كانت قوته، وتأتي في أجمل مواضع العمل “علياء” الجميلة التي وكأنها خُلقت من نور، تحمل في قلبها حزنًا عظيم، لا يكسر قلبها، ولكنه يُنضجها، يجعلها تعرف أن ليس بعد كل فقد حزن فقط، بل أحيانًا يكون بعد الفقد عوض،

شخص يستطيع أن يری النور الساطع رغم عتمة القلب، يستطيع أن يحبنا كما نحن في أسوأ حالاتنا، تبدو “علياء”وكأنها الأميرة التي تستحق أن يموت من أجلها دون حزن علی مصيره، ولكن في النهاية يتراءى لها أنه هو الفارس المغوار التي تحلم به كل جنوبية، أليس من يحارب الحزن من أجلنا ويهزمه يستحق منا الحب دون حساب!

“مؤمن” مرشد سياحي يعرف كل شيء، لا يتأخر عن الرد علی أعقد الاسئلة، ولا يرفض طلبا لأحد مهما كان الطلب غريبا، يحبه الجميع وهو لا يعترف بالاختلافات، الكل واحد والكل يستحق المساعدة والحب والتقدير، حتی “علياء” التي تظن أنها في وادي آخر بعيدة عن الجميع يتمكن مؤمن من مساعدتها.

“للمغامرة بريق يدمنه المسافر، وخاصةً إذا كان وحيدًا في رحلته.”

كلنا نحاول في حياتنا أن نصل للحقيقة، أو الكمال، أو حتی ذروة النشوة التي تكمن في تحقيق الأهداف، البعض ينجح ولكن الأغلبية لا تفعلها وهذا ما قد يكدر صفو الحياة للأبد.

الكاتبة “ريم بسيوني” أستاذة لغويات في الجامعة الأمريكية بالقاهرة صدر لها العديد من الكتب العلمية والأدبية التي تُرجمت لعدة لغات أبرزها الانجليزية والإسبانية، حازت علی جائزة أفضل عمل مترجم في “أمريكا” عام <2009> عن رواية “بائع  الفستق” وعلی جائزة ساويرس للأدب عام <2010> عن رواية “دكتورة هناء” وعلی جائزة نجيب محفوظ لعام <2020> عن رواية “أولاد ناس”.

مقالات من نفس القسم