إبراهيم عبد الفتاح
رواية «مراكب الغياب»، «دار روافد»، 2024، للكاتب والباحث والمترجم أشرف الصباغ هي عمل يطرح ذاته كمرآة لحالة التمزق الذاتي والاغتراب الثقافي والسياسي، عبر شخوص من المهمّشين والمثقفين المهزومين، تتقاطع مصائرهم على ضفاف نهر غامض- هو مجاز الوطن، الوعى، والمصير.
نص روائي عن الغياب والتيه واللا جدوى.
في «مراكب الغياب» يقدّم أشرف الصباغ عملًا سرديًا كثيفًا، ينتمي إلى أدب ما بعد الهزيمة، حيث تغيب الحبكة التقليدية لصالح بناءٍ متشظٍّ يُشبه حالة وعي ممزق ومجتمع مأزوم.
الرمزية حاضرة بقوة:
المراكب ليست وسيلة سفر، بل رموز لفقدان الاتجاه والتيه الداخلي.
النيل يتحول من رمز للحياة إلى مرآة صامتة للمحو والتهميش.
حتى «صوت الإعلام» في الرواية لا يحمل خطابًا وطنيًا، بل يُفرغ الوعي من مضمونه.
السرد المفكك كاختيار جمالي:
تبنى الرواية بنية لا خطية، تتداخل فيها الأزمنة وتتشابك الأصوات.
الشخصيات ليست نماذج نفسية مكتملة، بل ظلال وأدوات سرد لقول ما هو أعمق:
المثقف المهزوم، الأنثى الرمز، الأم الشعبية المنسية، كلها تعكس واقعًا ضائعًا لا مكان فيه للأبطال.
السارد ليس محايدًا، بل مشارك، متورط، هش.
هناك صوت داخلي فلسفي، صوت يومي ساخر، وأحيانًا صوت شعري تأملي. هذه التعددية تضفي على النص ملمحًا بوليفونيًا متعدد الأصوات.
شخصيات الرواية ليست مرسومة كأفراد بل كأصوات وظلال:
«رجب الصافوري» المثقف المستنزف والمخلوع.
«نورا خطاب» الحلم المستحيل، أو الثورة المؤجلة.
«أم حافظ» الذاكرة الشعبية المهملة.
«سامح علوان» «الراوي» = شاهد وضحية، وأحيانًا متواطئ.
أفكار كبرى داخل تفاصيل يومية:
الرواية تطرح أسئلة الوجود، ودور المثقف، وعلاقة الفرد بالتاريخ والسلطة، وكل ذلك من خلال لغة تجمع بين الشعر والتهكم والحزن المكتوم.
«مراكب الغياب» ليست رواية سهلة، لكنها صادقة.
إنها عمل فني وفلسفي عن بلد غادرته المعاني، وعن جيل لا يعرف ما إذا كان سيصل، أو حتى لماذا بدأ.