مدرسة إسلاميّة مديرتها مسيحيّة… وطالبة من أرض البرتقال

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. إلياس زيدان

إطلالات تربويّة من شبابيك الوطن – 16

بادرة جريئة

تروي الطّالبة البيروتيّة عنبرة سلام (1897-1986) ما يلي: “قامت جمعية المقاصد بخطوة جريئة، عدت انقلابا في تلك الايام، وهي تسليم ادارة المدرسة الأولى إلى آنسة مسيحية راقية، ذات ثقافة عالية، وخبرة وافرة في التعليم، وهي الآنسة جوليا طعمه”[1] (1880-1954). كان ذلك في العام 1910. ما سبب هذا التّعيين؟ يكتب والد عنبرة سليم علي سلام (1868-1938)، وكان يشغل حينها منصب رئيس الجمعيّة، عن أهمّيّة “الاعتناء بتنظيم مدارس الجمعية التي […] لم يكن لها من صفة المدارس الا الاسم. فابتدأنا بتنظيم مدرسة للاناث ومدرسة للذكور، ولما لم يكن عندنا من المعلمات من تصح ان تسمى معلمة لزم ان اتفقت الجمعية مع السيدة جوليا طعمه لتكون مديرة ومعلمة”.[2] ويضيف الوالد: “وبمعرفتها اختيرت بقية معلمات المدرسة […]”.[3] تؤكّد عنبرة: “وكما كان العرض بادرة جريئة من قبل الجمعية، فقد كان في الوقت ذاته مغامرة من صبية مسيحية أن تقبل العمل في وسط المحيط الإسلامي […]”.[4] بعد هذه الخطوة نقل الوالد ابنته عنبرة، التي كانت تتعلّم في مدرسة مار يوسف، إلى هذه المدرسة. وبخصوص عمل المديرة الجديدة تقول عنبرة: “اقبلت على عملها بقلب مفتوح، ونفس محبة لخير كل من تتصل به من تلميذات ومعلمات وأعضاء جمعية”.[5] وعن علاقتها بتلميذاتها تؤكّد عنبرة: “كان لها تأثير السحر على تلميذاتها، بل وعلى أهالي التلميذات ممن كانت تتصل بهم”.[6] وبخصوص عملها مع تلميذاتها داخل الصّفّ تكتب عنبرة: “كانت تقضي ساعات الدرس معنا، بإعطائنا شتى الصور الاخلاقية السامية، والمواعظ القيمة، وتفتح اعيننا على ما يجري في الكون من محاسن وسيئات وتدفعنا إلى التمسك بالكرامة الذاتية”.[7] وتضيف: “كل ذلك بأسلوبها الجذاب الرائع”.[8] لم تتقيّد المعلّمة جوليا بالمنهاج المدرسيّ كما تؤكّد عنبرة: “ثم وجَّهتنا الى دراسة الشخصيات النسائية العالمية، وارشدتنا الى القراءات المفيدة من خارج المنهاج المدرسي، فكنا نتلقف كل ما يصل الى أيدينا من ذلك”.[9] تعطي عنبرة أمثلة على هذه المطالعات وعلى ما عزّزته من مشاعر لديها ولدى قريناتها قائلةً: “واذكر السرور البالغ الذي كنا نستقبل به مجلتي المقتطف والهلال المصريتين، وكذلك مجلة الزهور المصرية، ثم مجلة الحسناء البيروتية […]”.[10] وتخلص إلى القول: “فكنا نجد في هذه المجلات وسواها كل ما يرضي فضولنا من اخبار نسائية وعالمية وغير ذلك”.[11] تفتخر عنبرة بمدْرَستها قائلة: “وكانت مدرستنا في أوائل مدارس البنات الوطنية التي تدرس مختلف العلوم من جغرافيا، وتاريخ، وفيزيولوجيا، وعلم النبات، […] التاريخ الإسلامي […] ودروس الصرف والنحو […]”.[12] لم تكتفِ السّتّ جوليا بهذا كلّه فقد “جيء لنا بناء على اقتراح الست جوليا بمعلمة افرنسية تعلمنا الرسم”.[13] طمحت الطّالبات إلى المزيد. تروي عنبرة: “ثم انتقلنا من ذلك الى طلب تعلم شيء من الموسيقى واصول الغناء”.[14] وفي هذا الموضوع “رفضت الجمعية ذلك رفضا باتا […]”.[15]

نهضت المديرة جوليا بمستوى المدرسة. تؤكّد عنبرة: “فان نجاح الست جوليا في ادارتها قد اعطى نتائج كانت مجال فخر للجمعية، فلم يكن يمر يوم الا ويزور المدرسة كبار الزائرين من عرب وأجانب ليشاهدوا ما حققته الجمعية من عمل مثمر، فكنا دائما على استعداد لسؤالات تأتينا من الزوار في مختلف المواضيع الدراسية […]”.[16] لم تكن السّتّ جوليا مديرة ومعلّمة فحسب، بل كانت ناشطة اجتماعيّة وسياسيّة أيضًا. تقول عنبرة: “وكانت الست جوليا من ابرع خطيبات عصرها، واذكر اننا كنا نقرأ ما تلقيه من الخطب في المنتديات ونحن اشد ما نكون اعجابا بها […]”.[17]

توطّدت العلاقة بين الطّالبة ومعلّمتها وارتقت، وبكلمات عنبرة: “وتوطدت علاقتي بالست جوليا فكانت حبا عميقا بقيت اكنَّه لها […] بعد ان تحول من حب تلميذة لأستاذتها، الى حب صديقة لصديقتها […]”.[18] وكان لهذه الصّديقة دور هامّ في زواج تلميذتها عنبرة بالمقدسيّ أحمد سامح الخالدي (1895-1951). تردّدت عنبرة عندما تقدّم أحمد طالبًا خطبتها، وكان قد استعان بأكثر من شخص، ومن بينهم السّتّ جوليا. تقول عنبرة: “دعتني الست جوليا الى تمضية النهار معها وفاتحتني بأمر الخطبة”.[19] ثمّ اقترحت على عنبرة: “ماذا يضيرك الاجتماع به. تعرَّفي عليه، وبعد ذلك لك القرار الذي تريدين […]”.[20] اجتمعت الشّابّة بالشّابّ في بيت الأستاذة جوليا، وكانت بعد ذلك الخطوبة فالزواج، ثمّ انتقلت عنبرة للسّكن في القدس.

بعد الزواج اتّخذت لنفسها اسم عنبرة سلام الخالدي، ونشطت في القدس اجتماعيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا. ويروي كمال الصّليبي (1929-2011) في تقديمه لسيرتها أنّها واصلت “العمل الادبي، وانكبت على دراسة ملاحم هوميروس (الالياذة والاوذيسة) وفرجيل (الانياذة)، ثم ترجمتها نثرا في أسلوب عربي سلس”.[21] انقطعت تلك الحياة الهانئة في القدس عام 1948، عام النكبة الفلسطينيّة، فلجأت وعائلتها إلى بيروت، شأن العديد من العائلات الفلسطينيّة. وكان من بين من لجأ إلى بيروت في ذلك العام طفلة في الثالثة عشرة عَشِقَت البرتقال وبيّارات البرتقال الّتي اكتست بها أراضي بلدها…

طالبة من “أرض البرتقال… الحزين”

ولدت تمام الأكحل (1935-) في يافا بلد البرتقال وجارة البحر. تكتب تمام في سيرتها: “لبيّارات البرتقال في يافا الأولية في ذكرياتي المبكرة”.[22] وتضيف: “كان موسم قطاف البرتقال وتصديره من مباهج الطفولة الكبرى في حياتي”.[23] كانت حياتها في يافا مغمورة بالحياة وكان من هواياتها صنع طائرات من الورق. تصف المشهد: “تحلّق الطيارة فلا تسعني الفرحة عندما يأخذها الريح ويذهب بها عالياً فوق سطح المستشفى الفرنساوي […]”.[24] تعلّمت في مدرسة الزهراء وتكتب أنّها كانت: “[…] تعشق الفنون والرسم والموسيقى والرياضة والصداقات”.[25] كانت أعمالها الفنّيّة “تلفت نظر مدرِّسَتَي الرّسم الآنستين ابتهاج صوالح وفريدة صالح، علاوة على مديرة المدرسة الآنسة ليديا حاطوم”.[26] وتؤكّد أنّ ثلاثتهنّ: “كن يعبّرن عن إعجابهن برسوماتي، فأشعر بسعادة غامرة”.[27] هذه الحياة السّعيدة انقطعت كلّها ذات صباح. تكتب: “28 نيسان/أبريل 1948 كان يوماً لا يمكن أن يُنسى. صحونا فجراً على أصوات ضرب مخيف بأكعاب البنادق على الباب الخارجي الذي فتحَته على مصراعيه مجموعة كبيرة من الجنود الصهيونيين وهم يرددون كلمة “برّة… برّة”، ويصوبون أسلحتهم نحونا”.[28] اغتُصب البيت وهُجّر أهله عبر البحر إلى بيروت ليصبحوا بلمح البصر في مرتبة لاجئين. أخذ الوالد معه بعض ما كان في تلك الخزنة الموجودة في البيت الّتي تقول تمام عنها: “عندما كانت تُفتح كنت أرى محتوياتها العديدة: نقوداً مرصوصة، وأوراقاً كثيرة، وعلباً متراصة كانت، على ما أذكر، تحوي حُليّاً لأمي وشقيقاتي. وكنت سمعت يوماً والدي يتحدث إلى أمي قائلاً: “هذه الأوراق هي (الكواشين)… هذا كوشان الأرض في تل الصافي، وهذا كوشان ملكية البيت، وهذا كوشان كل ولد […]””.[29] ما أخذه الوالد من الخزنة كان يكفي الأسرة قضاء ثلاثة أشهر في بيروت، إذ سَمِعَته تمام بعد شهرين من وصولهم إلى بيروت يردّ على أخيها محمود الّذي سأل والده عن سبب عدم إحضاره مبالغ أكبر من الخزنة. أجاب الوالد: “معنا يا ابني ما يكفينا لشهرين آخرين لأن الدول العربية قالت أنها ستحرر فلسطين خلال خمسة عشرة يوماً ثم نعود إلى بلدنا…”.[30] لم تحرّر الجيوش العربية فلسطين! تكتب تمام: “قرر والدي أن يشتغل في أي عمل كان، في الوقت الذي لم يكُن يُسمح لأي فلسطيني بالعمل […]”.[31] اضطرّ الوالد إلى العمل في دمشق وذاق هذا الذي خسر جواز سفره طعم الذّلّ في هذا الخصوص. تكتب تمام: “كان على الفلسطينيين أن يقفوا متراصين في طوابير مذلّة، من شباك إلى شباك، ومن ختم إلى آخر، من أجل الحصول بعد خمسة عشر يوماً على إذن بالعمل لشهر واحد لا غير، ولسفرة واحدة فقط”.[32] وكان على تمام وإخوتها أن يجدوا عملًا من أجل كسب لقمة العيش بعد أن خسرت العائلة كلّ شيء كانت تملكه في يافا. حالف الحظّ هذه الطّفلة الفنّانة ابنة الثالثة عشرة بأن وجدت عملًا في مشغل لتطريز ملابس العرائس، فكانت تمام ترسم وتطرّز ثياب العرائس.

تضيف تمام عن طفولتها اليافاويّة: “كنت في بلدي طفلة كثيرة الحركة، شقية، أتحدى وأعاند، وإذا لم أقتنع بالشيء لا أنفذه […]”.[33] ووصل الأمر أن سمّوها “الكاسرة”![34] قد يكون لبعض هذه الخصال فضل في الحدث المصيريّ التّالي. تكتب: “كنت أركب الترمواي في طريقي من محطة “النويري”، حيث بتنا نسكن، إلى سوق “أبو النصر” المشهور في وسط بيروت التجاري […] لشراء خضروات للعائلة”.[35] وتتابع: “وصل الترمواي إلى محطة الباشورة في مقابل كلية المقاصد للبنات”.[36] ثمّ تضيف: “فجأة، ومن دون سابق تفكير، وجدت نفسي أنزل وأقف أمام مبنى المدرسة الضخم الذي كان قصراً إدارياً أيام الحكم العثماني، ثم حوّلته جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت إلى كلية للبنات”.[37] وقفت تمام أمام المبنى ثمّ دخلته لتشبع فضولها قبل أن تواصل طريقها إلى سوق الخضروات. رآها البوّاب، فسألها عمّا تريد. تقول: “فوجئت بسؤاله فقلت: جئت أتسجّل!”. [38] كان البوّاب أوّل من فتح لها باب الكلّيّة. تقول: “رحّب بي فدخلت […]”.[39] انبهرت تمام ممّا رأته خلال جولتها في المدرسة. تروي: “بينما كنت أجول بنظري وسط صمت مطبق أيقظني صوت نسائي: نعم شو بتريدي؟”.[40] وتضيف: “ترددت للحظات ثم قلت: أريد أن أتسجل في هذه المدرسة… هل يمكن أن أعرف كم هو القسط؟”.[41] مبلغ القسط يشكّل المفتاح الأهمّ في قرار تمام الإقدام على التّسجيل للكلّيّة! قالت لها صاحبة الصّوت: “الدراسة بدأت قبل أسبوعين وأنت متأخرة…”.[42] لو انتهى الحديث هنا لخسرت تمام فرصتها في التّسجيل للكلّيّة! ثمّ أضافت المرأة: “لكن على العموم سأسأل الوكيلة، تعالي معي”.[43] دار حديث بينهما وعرفت المرأة أنّ تمام من فلسطين، ومن يافا بالتّحديد. وصلتا إلى غرفة المديرة وطلبت المرأة من تمام أن تنتظرها خارج الغرفة. تكتب: “عادت لتشير إليّ بالدخول، فلحقت بها وضربات قلبي تتسارع. مشيت بقدمين مترددتين”.[44] كانت الغرفة كبيرة “وفيها مكتبان كبيران، الأول للمديرة العامة الآنسة زاهية دوغان، والآخر للوكيلة الآنسة إحسان المحمصاني التي وقفت أمامها”.[45] بعد ثوانٍ سألت الآنسة إحسان تمام: “أنتِ فلسطينية؟”.[46] أجابتها: “نعم”.[47] سألت الآنسة: “من أين؟”.[48] أجابت تمام: “من يافا”.[49] قالت الآنسة إحسان: “تشرفنا، ثم توالت الأسئلة المعهودة: عمرك؟ وفي أي مدرسة كنت؟ […]”.[50] لم تتطرّق الآنسة إحسان إلى الرّسوم المدرسيّة، وهذا هو السّؤال الوحيد الّذي كان يدور في خلد تمام “ولا شيء غير ذلك”.[51] وأخيرًا قالت الآنسة إحسان لتمام: “طبعاً عندك رغبة في إكمال دراستك… أنت كنت في الثانوي الأول، ثم ضاعت عليك سنة، وليس لديك أي شهادة تثبت ذلك […]”.[52] كيف ستُثبِت تمام صحّة ما روته عن دراستها في يافا؟! لا حاجة للإثبات لأنّها تقف أمام مربّية مثقّفة واسعة الاطّلاع. قالت الآنسة إحسان: “أعرف أن التعليم في فلسطين قوي جداً، وخصوصاً في مدرسة الزهراء للبنات والعامرية للبنين في يافا، إذ إن زوج أختي كان مفتشاً في دائرة المعارف بفلسطين، وهو يحدثني عن التعليم دائماً في بلدكم، وعن مستواه”.[53] تقول تمام: “ارتحت لكلامها […]”.[54] قالت الآنسة: “بما أنك لا تحملين أي شهادة فإننا سنضطر إلى إجراء امتحان قبول لك”.[55] فطلبت من الآنسة زكيّة الّتي استقبلت تمام عند دخولها المبنى أن تأخذها لإجراء امتحانات في اللّغة العربيّة والرّياضيّات. وبخصوص الرّياضيّات، قالت الآنسة إحسان: “صحيح أننا نعلّم الرياضيات بالفرنسية، لكن يمكنك تحويلها إلى العربيّة”.[56] لَفْتَة جميلة. أجرت تمام الامتحانات المطلوبة، ومن ضمنها الإنكليزيّة أيضًا. تقول: “وقفت وحدي خارج القاعة أتوقع القرار بالرفض إمّا لعدم نجاحي، وإمّا لعدم قدرتي على دفع الرّسوم”.[57] تكتب: “أخيراً، دعوني إلى الغرفة إياها حيث وجدت المديرة العامة الآنسة زاهية دوغان، […] وكانت تجلس بهدوء إلى جانب الآنسة إحسان”.[58] كانت تمام متوتّرة في تلك اللّحظات. تكتب أنّ الآنسة إحسان “قالت وقلبي تزداد ضرباته: مبروك يا بنتي، سنقبلك في الصف الثانوي الثالث”.[59] وبخصوص ردّ فعلها فتقول: “كدت أشهق استغراباً، لكنني تماسكت وقلت شكراً، شكراً أكثر من خمس مرات”.[60] أكملت الآنسة إحسان: “من بكرة أنت طالبة نظامية في المدرسة في الفرقة “أ””.[61] إذًا، أخطأت تمام عندما توقّعت عدم النّجاح! ولكن ماذا بشأن الرّسوم المدرسيّة الّتي قد لا يكون بمقدور أسرتها تسديدها؟! تقول: “عندها لم أعد أتمالك نفسي فسألت بلهفة عن الرسوم”.[62] وجاءت الضّربة القاضية! أعني الضّربة القاضية لتوقّع رفضها بسبب الرّسوم المدرسيّة! ردّت الآنسة إحسان على سؤال تمام بقولها: “لن نأخذ منك أي رسم على الإطلاق…”.[63] بل وأكثر من ذلك، أضافت الآنسة إحسان: “غداً تحصلين هنا على الدفاتر والكتب مجاناً، وكذلك “مريول” (زِيّ) المدرسة الرسمي، ونأمل في المقابل بأن تكوني طالبة مجتهدة، ولا تخيّبي لنا أملاً، ولا سيما أنك أول طالبة فلسطينية نستقبلها في كليتنا في هذا العام”.[64] تقول تمام: “لم أصدق ما سمعته. شكراً جزيلاً… لم أعرف سوى تكرار هاتين الكلمتين. كان هذا في بداية العام الدراسي 1950/1951”.[65] بشّرت تمام أهلها وكاد الجميع لا يصدّقونها. كان فرحهم عظيمًا. تصف تمام شعورها في تلك اللحظات بقولها: “أحسست بأن قلبي كبر ولم يعد صدري يتسع له، وشعرت بأن الهواء بات نقياً ومنعشاً”.[66] وبأيّ طريقة ستعبّر عن مشاعرها هذه؟ تقول: “تملكتني رغبة في الرسم، فطلبت نقوداً من أمي اشتريت بها دفتراً للرسم من أرخص نوع”.[67] وماذا رسمَتْ؟! تقول: “رسمت بقلم رصاص ورسمت، ولا أتذكر على الإطلاق ما رسمت. ما أذكره أنني ظللت أرسم حتى ساعة متأخرة من الليل”.[68]

في يومها الأوّل في الكلّيّة استقبلها الجميع بحفاوة وباركوا لها. دَخَلَت تمام الصّفّ وكانت الحصّة قد بدأت، فرحّبت بها مدام يرميان “بينما عيون الطالبات المستغربة تلاحقني وأنا آخذ مكاني في المقعد الخلفي. بعد انتهاء الحصة التفّت الطالبات حولي وانهالت الأسئلة”.[69] وبخصوص أدائها في الدّروس فتقول: “حاولت جهدي أن أكون متفوقة، وهكذا كان، على عكسي في المرحلة الابتدائية حين كنت أنجح من دون تفوق”.[70] أمّا عن علاقتها بالطّالبات فتكتب: “ونشأت بسرعة علاقة طيبة بيني وبين زميلات صفي جميعاً”.[71] إذًا، سارت الرّياح بما تشتهي سفينة هذه الفتاة اليافاويّة مُحَمَّلَة هذه المرّة ببرتقال من نوع آخر، رائحته الصّداقة وطعمه المحبّة. سارت سفينة تمام مطمئنّة حتّى أطلّ الرّبيع. بَدا ربيع العام 1951 خريفيًّا بعض الشيء! فالرّبيع هو موسم الرّحلات المدرسيّة وقد “قررت إدارة الكلية أن تكون الرحلة البعيدة نهار الجمعة في 20 نيسان/أبريل 1951 إلى بحيرة حمص في سورية، بما في ذلك وسط المدينة”.[72] عدنا إلى موضوع الرّسوم وما أشنع وقع هذا الموضوع على قلوب اللّاجئين! تكتب تمام: “كان الرسم خمس ليرات لبنانية، وطبعاً لم أتقدم لتسجيل اسمي، بل حتى لم أطلب إذناً بالمشاركة من عائلتي لأنني كنت أعرف أن هذه الليرات الخمس تُطعم عائلتي يومين”.[73] هل ستقوم المدرسة وطاقمها الكريم من صاحبات اللّفتات الطّيّبة بتسديد الرّسوم؟ ليس هذه المرّة! إذًا، “راحَت عليها”؟! ألن تشارك تمام في الرّحلة؟! ستشارك، ستشارك… فنحن في كلّيّة المقاصد. جاءها الفرج هذه المرّة من طرف قد لا يتوقّعه الكثيرون منّا! تروي تمام: “قبل يومين على موعد الرحلة جاءتني مربية الصف السيدة إحسان منيمنة وقالت لي: ستذهبين معنا لأن زميلاتك في الصف كلهن اشتركن في جمع المبلغ المطلوب، وحتى الغداء سيكون على حسابهن”.[74] وعن ردّ فعلها في تلك اللّحظات تقول تمام: “حاولت أن أشكر وأعتذر والغصة في حلقي، لكنها رفضت أعذاري”.[75] نِعْمَ الزميلات وَنِعْمَ المربّية. أزهر قلب الفتاة سعادةً! تروي تمام: “جاء الصباح الموعود، فنهضت من الفجر مستعدة لإسعاد كل مَن على وجه الأرض. في المدرسة قدمت أوراقي الثبوتية الصادرة عن “الهيئة العربية العليا”، مع الكتاب الرسمي من جمعية المقاصد الذي يفيد بأنني تلميذة”.[76] وبخصوص إسعاد كل من على وجه الأرض تروي: “عندما ركبنا الباصات المدرسية […] غنّيت ورقصت وقلّدت بعض الممثّلين وحكيت النكات وضحكت، وضحك معي الجميع”.[77] حينها سَمِعَت تمام الآنسة زاهية تقهقه وتقول للآنسة سامية زكي، معلّمتها المصريّة: “يي عليها شو مهضومة… لا عجب البنات بحبوها!”.[78] فجأةً، تعكّرت الأجواء! ماذا حدث؟! كنّا مبسوطين! 

“وَقَّفوني عَلِحْدود…”

وَصَلَتْ قافلة باصات كلّيّة المقاصد إلى الحدود السّوريّة في السّاعة السّابعة صباحًا. تروي تمام: “دقق أحد رجال الأمن السوري في الأوراق الثبوتية، وقال: المصريات أهلاً وسهلاً، لكن الفلسطينية لا تستطيع أن تدخل سورية”.[79] ما الخطب؟! هل نَسِيَت تمام هويّتها عند ستّها في يافا؟! لا لم تنسها، فأغلب الظّنّ أنّ هذه الطّفلة الصّغيرة السّنّ لم تستصدر هويّة في يافا… الشّيء الوحيد المخبّأ في يافا هو “كوشان” ولادتها، في تلك الخزنة الّتي تركوها في بيتهم المُغْتَصَب! على كلّ حال ردّت الآنسة زاهية على رجل الأمن قائلة: “كيف ذلك؟ هي طالبة رسمية، وهي الفلسطينية الوحيدة بين مئة وثمانين طالبة، وكل أوراقها رسمية!”.[80] ردّ رجل الأمن: “هذه أوامر… تحتاج إلى تصريح مسبق. إمّا أن تعود، وإمّا تنتظركن هنا حتى ترجعن!”.[81] طال الجدال والمناشدة وانتشر الخبر بين طالبات الباصات الأخرى فسمعت تمام التقريع من بعض الطّالبات وبنات صفّها يدعمنها ويخفّفن عنها. تلخّص تمام: “يومها فهمت لماذا يبصق أبي على الأنظمة العربية، وبقي يفعل ذلك حتى توفاه الله في سنة 1988”.[82] وفي العودة إلى المشهد تؤكّد تمام: “جف حلقي وصمتّ. عيناي تراقبان تعابير وجوه طالبات الصفوف الأُخرى، ونظراتي المنكسرة تتابعان الآنسة زاهية صاحبة الكلمة الأخيرة. هل ستُبقيني على الحدود أم سنعود؟”.[83] ما أصعبه من موقف، على الطّالبة وعلى مديرة الكلّيّة الآنسة زاهية دوغان! ماذا ستفعل الآنسة زاهية التي أكّد لها رجل الأمن: “اليوم الجمعة، والصباح باكر، وجميع المسؤولين المعنيين في إجازات، أو نيام لا يمكن إزعاجهم!”.[84] هل ستترك طالبتها عَلِحْدود؟! أم أنّها ستٌلغي الرّحلة وتظلم مئة وثمانين طالبة؟! يا لها من مُعْضِلة! وقفت مديرة كليّة المقاصد للبنات إلى جانب طالبتها… لن تتركها واقفة عَلِحْدود وحدها… لن تخذلها كما تخذلها الأنظمة العربيّة و”جيوشها”… لن تتحرّك المديرة والمعلّمات وجميع الطّالبات من دون تمام… سَتَقْلِب الدّنيا ولن تقعدها حتّى تجد للمشكلة حلًّا! وقَلَبَتها! ووجدت الحلّ! تروي تمام: “اتصلت الآنسة زاهية بالحاج عمر الداعوق الذي بدوره اتصل بوزير الداخلية اللبناني الذي اتصل بوزير الداخلية السوري… ومنه إلى مسؤول الأمن الحدودي السوري. وأخيراً خُتمت الورقة وسُمح لي بالدخول بعد ثلاث ساعات ونصف ساعة من أصل رحلة طلابية لنهار واحد فقط، لمجرد أني فلسطينية!”.[85] وتضيف: “تحركت الباصات وانهمرت دموعي المكبوتة بغزارة”.[86] كان لهذه الحادثة كبير الأثر على وعي تمام أيضًا، فتقول: “كبرت التساؤلات في ذهني، وأخذ وعي القضية الفلسطينية في نفسي موقعا أعمق […]”.[87] 

وتنطلق تمام في كُلّيّتها ومنها…

تكتب تمام: “تابعت دراستي، وعمقت علاقتي بزميلاتي في الصف، وبتلميذات أعلى وأكبر سناً مني، فضلاً عن صداقاتي القوية مع المدرّسات، وحتى مع المديرة السيدة زاهية”.[88] وتضيف: “كنت مواظبة على المشاركة في جميع النشاطات المدرسية من تمثيليات ومسرحيات وغناء ورقص ومسابقات رياضية، وكنت أشعر بأنني أحقق وجودي بنجاح. وكنت أرسم زميلاتي، […] وكنت أشترك في المسابقة الأدبية […]”.[89] ولم تبْقَ تمام الطّالبة الفلسطينيّة الوحيدة في الكلّيّة، فقد قبلت المديرة السّيّدة زاهية أختها باكزة لتتعلّم هي الأخرى مجّانًّا. تقول تمام: “وانضمت طالبتان فلسطينيّتان إلى صفي: حكمت من اللد وخديجة من حيفا، وهكذا بدأت صداقة جديدة لا تنسى. كنا “الثلاثي المرح”، وقيل فينا: لو كانت كل الفلسطينيات خُلُقاً وعلماً مثلكن فسنقبل كل طالبة فلسطينية!”.[90]

كانت تمام وهي في بداية طريقها في الكلّيّة تخجل من وضع منزل أُسْرَتِها المتواضع، ولكن مع الوقت لم يعد الأمر كذلك، فكانت الطّالبات وعضوات الهيئة التّدريسيّة يزرنها في بيتها، وتؤكّد: “صرت أتندر على وضعي أمام أعز صديقاتي من عائلات ثرية، كسلمى وأمل وجهاد”.[91] وتضيف: “هؤلاء كنّ يقدمن لي ملابسهن الفاخرة بحجة أنها لم تعد على قياساتهن، فأتقبلها دون مشكلة”.[92] وتؤكّد في هذا الشّأن: “وأضحك قائلة: أقبل هذه الثياب شاكرة، لكنني أعدكن أنني سأكبر وسأكون فنانة مشهورة، وسأدعوكنّ إلى معارضي، وستكنّ فخورات بي وبصداقتي، وسأكتب مذكّراتي وأذكركنّ فيها… وستحدّثن أولادكن وأحفادكن عني باعتزاز: هذه الفنانة كانت زميلتنا!”.[93]

لكلّيّة المقاصد للبنات، بمديرتها وهيئتها التّدريسيّة-التّربويّة وطالباتها وبوّابها، ولجمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة فضلٌ، وأيّ فضلٍ، في نجاح طالبتهنّ-ابنتهنّ تمام ودفعها نحو العالميّة. إنّ مشاركتها بلوحتين في المعرض الّذي أقامته الكلّيّة نهاية العام الدّراسيّ 1952/1953 “جعل رائد الفن التشكيلي اللبناني الأستاذ مصطفى فروخ يوعز إلى الإدارة بضرورة مساعدتي على التخصص في هذا المجال: إذا لم تدرس هذه الفتاة الرسم فخطيئتها برقبتكم!”.[94] لم ترتكب الإدارة الخطيئة المذكورة، وتؤكّد الطّالبة تمام: “فكانت جائزة العمر الكبرى هي أنني حصلت على منحة دراسية من إدارة المقاصد لدراسة الفنون في القاهرة”.[95] وتضيف أنّها بعد تلقّيها الخبر: “عدت إلى المنزل والأمل يغمرني. سعادتي كانت أكبر ممّا يحتمله قلبي، والأحلام أوسع من الخيال”.[96] وتروي: “أخبرت أفراد العائلة فكان محمود أشدهم فرحاً […]”.[97] وكان من عارض الفكرة من داخل الأسرة ومن خارجها ووالدها في عمله في دمشق! تكتب تمام أنّ محمود “كتب إلى والدي يخبره عن المنحة، فوافق فوراً وبارك لي، وردّ على اعتراض البعض من إخوتي والمعارف: لو أرادت تمام أن تتعلم الفن في الصين لأرسلتها…”.[98] تؤكّد تمام في هذا السّياق: “زاد كلام والدي في ثقتي بنفسي، فقد كان رحمه الله منفتح الذهن، محباً للعلم، مع أنه بقي أُمّياً […] لا يقرأ ولا يكتب، كحال والدتي”.[99] بعد مباركة الوالد وإتمام إجراءات التّسجيل والقبول للمعهد العالي للفنون الجميلة، بمساعدة معلّمتها المصريّة المخلصة الآنسة سامية زكي الّتي ستساندها لاحقًا في مشوارها القاهريّ، تمّ “حجز مقعد على رحلة الطائرة الأسبوعية إلى مصر أم الدنيا […].”[100]

جناحٌ يافاويّ وجناحٌ لِدّاوِيّ للطّائر

تألّقت تمام في “أمّ الدّنيا” والتقت بمن أصبح مع مرور الأيّام “توأم روحي وجناحي الآخر”[101] الشّابّ الفنّان التّشكيليّ إسماعيل شمّوط ابن اللّد جارة يافا. ما أجمل هذا الطّائر ذا الجناح اليافاويّ والجناح اللّداويّ. رفرف طائر توأمي الرّوح وحلّقَ بحبّهما وبفنّهما الرّاقي وبإنسانيّتهما وبقضيّة فلسطين عاليًا فوق الدّنيا…

حقّقت الطّالبة تمام أحلامها الّتي شاركت بها أعزّ صديقاتها في كلّيّة المقاصد للبنات وأوفت بوعودها لهنّ. كتبت تمام الأكحل هذه السّيرة وهي في الحادية والثّمانين من عمرها، وتؤكّد بخصوص صديقاتها: “ما زالت صداقتي معهن قائمة حتى اليوم”.[102]

أتمنّى لفنّانتنا التّشكيليّة الكبيرة تمام الأكحل العمر المديد. وكأنّي بها تردّد اليوم: ” شكراً، شكراً أكثر من خمس مرات”.[103]  

 

أمّا بعد،

هذه إطلالتنا الأخيرة من شبابيك الوطن الواسع الأطراف. كانوا يقولون لنا ونحن صغار بعد انتهاء الرّاوي/ة من سرد قصّة: “هاي حْكايْتي حَكيتْها وْعَليكو رَميتْها”، وأقول: “هاي حْكايات الأديبات والأدباء من أهلنا في الوطن الكبير حَكيتْها وْعَليكو رَميتْها”.

يسعدني تلقّي تعقيباتكم/نّ على الإطلالات من خلال البريد الإلكترونيّ: [email protected]

دمتم/نّ بخير.

…………………..………..

[1] . سلام الخالدي، عنبرة. (1978). جولة في الذكريات بين لبنان وفلسطين. بيروت: دار النهار للنشر. ص 66.

[2] . سلام، سليم علي.، وحلّاق، حسّان علي. (1982). مذكّرات سَليم عَلي سَلَام (1868-1938). بيروت: الدار الجامعية للطباعة والنشر. ص 122-123

[3] . المصدر السابق. ص 123.

[4] . سلام الخالدي، عنبرة. (1978). جولة في الذكريات بين لبنان وفلسطين. بيروت: دار النهار للنشر. ص 67.

[5] . المصدر السابق. ص 67.

[6] . المصدر السابق. ص 68.

[7] . المصدر السابق. ص 68.

[8] . المصدر السابق. ص 68.

[9] . المصدر السابق. ص 68.

[10] . المصدر السابق. ص 68.

[11] . المصدر السابق. ص 68.

[12] . المصدر السابق. ص 73.

[13] . المصدر السابق. ص 72.

[14] . المصدر السابق. ص 72.

[15] . المصدر السابق. ص 72.

[16] . المصدر السابق. ص 71.

[17] . المصدر السابق. ص 68.

[18] . المصدر السابق. ص 71.

[19] . المصدر السابق. ص 172.

[20] . المصدر السابق. ص 173.

[21] . المصدر السابق. ص 6.

[22] . الأكْحَل، تَمَام. (2016). اليَدُ ترى وَالقلبُ يرسُم: سيرة تَمَام الأكحل وإسماعيل شمّوط. تحرير: بيبي، غانم. تقديم: إلياس خوري. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية. ص 8.

[23] . المصدر السابق. ص 11.

[24] . المصدر السابق. ص 12.

[25] . المصدر السابق. ص 12.

[26] . المصدر السابق. ص 12.

[27] . المصدر السابق. ص 12-13.

[28] . المصدر السابق. ص 26.

[29] . المصدر السابق. ص 32.

[30] . المصدر السابق. ص 32.

[31] . المصدر السابق. ص 33.

[32] . المصدر السابق. ص 33.

[33] . المصدر السابق. ص 34.

[34] . المصدر السابق. ص 12.

[35] . المصدر السابق. ص 39.

[36] . المصدر السابق. ص 39.

[37] . المصدر السابق. ص 39.

[38] . المصدر السابق. ص 39.

[39] . المصدر السابق. ص 39.

[40] . المصدر السابق. ص 39.

[41] . المصدر السابق. ص 39.

[42] . المصدر السابق. ص 39.

[43] . المصدر السابق. ص 39.

[44] . المصدر السابق. ص 39.

[45] . المصدر السابق. ص 39.

[46] . المصدر السابق. ص 40.

[47] . المصدر السابق. ص 40.

[48] . المصدر السابق. ص 40.

[49] . المصدر السابق. ص 40.

[50] . المصدر السابق. ص 40.

[51] . المصدر السابق. ص 40.

[52] . المصدر السابق. ص 40.

[53] . المصدر السابق. ص 40.

[54] . المصدر السابق. ص 40.

[55] . المصدر السابق. ص 40.

[56] . المصدر السابق. ص 40.

[57] . المصدر السابق. ص 43.

[58] . المصدر السابق. ص 43.

[59] . المصدر السابق. ص 43.

[60] . المصدر السابق. ص 43.

[61] . المصدر السابق. ص 43.

[62] . المصدر السابق. ص 43.

[63] . المصدر السابق. ص 43.

[64] . المصدر السابق. ص 43.

[65] . المصدر السابق. ص 43.

[66] . المصدر السابق. ص 44.

[67] . المصدر السابق. ص 44.

[68] . المصدر السابق. ص 44.

[69] . المصدر السابق. ص 45.

[70] . المصدر السابق. ص 45.

[71] . المصدر السابق. ص 45.

[72] . المصدر السابق. ص 45.

[73] . المصدر السابق. ص 45.

[74] . المصدر السابق. ص 45-46.

[75] . المصدر السابق. ص 46.

[76] . المصدر السابق. ص 46.

[77] . المصدر السابق. ص 46.

[78] . المصدر السابق. ص 46.

[79] . المصدر السابق. ص 46.

[80] . المصدر السابق. ص 46.

[81] . المصدر السابق. ص 46.

[82] . المصدر السابق. ص 47.

[83] . المصدر السابق. ص 46.

[84] . المصدر السابق. ص 46.

[85] . المصدر السابق. ص 46-47.

[86] . المصدر السابق. ص 47.

[87] . المصدر السابق. ص 47.

[88] . المصدر السابق. ص 47.

[89] . المصدر السابق. ص 49.

[90] . المصدر السابق. ص 49.

[91] . المصدر السابق. ص 47.

[92] . المصدر السابق. ص 47.

[93] . المصدر السابق. ص 47.

[94] . المصدر السابق. ص 59.

[95] . المصدر السابق. ص 59.

[96] . المصدر السابق. ص 60.

[97] . المصدر السابق. ص 60.

[98] . المصدر السابق. ص 60.

[99] . المصدر السابق. ص 60.

[100] . المصدر السابق. ص 61.

[101] . المصدر السابق. ص 245.

[102] . المصدر السابق. ص 47.

[103] . المصدر السابق. ص 43.

مقالات من نفس القسم

أسامة كمال أبوزيد
مقالات
أسامة كمال أبو زيد

المعدية