مختارات .. من ديوان “القاهرة” لهدى عمران

القاهرة هدى عمران
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

1ـ 

قال المسيح: من يضربك على خدك فأدر له الآخر

 من أكل من صِحنك، اعطِ له كل طعامك حتى يشبع

من شرب نبيذك، امنحه الكأس وامشِ فارغًا

من كرهكم أحبوه

 أحبوا أعداءكم في الأرض وفي السماء

لكن عندما يصلبني الجميع كلوا من لحمي وصلوا لله

لم أكن المسيح، وأحببتكم

وأخرجت الصعلوك من يدي كساحر الشارع الذي يلبس الأسمال في البرد

وتنبأت لكم بحياة مديدة في حديقة الحب المزهرة

طبطبت على شياطينكم في الليل

 وألقيت لها العذوبة حتى تلبس وجوها حلوة

هذه الوحوش كانت تلبس وجهي

تفر في سيارة، تتناثر مع الريح

يخدرها الهوس والجنون   

وأنا، كانت تعجبني اللعبة

كأنني أحرك خيوط الحياة بين يدي

سأجعل السماء برتقالية وأنثر النجوم بساطا في الصحراء

وهذه العقول سأجعلها زرقاء متعرجة تصعد جبالًا وتهبط وقت أشاء

هذا الليل مجنون ومبهج

وهذه الذكرى لن يمحوها إلا الدماء

وهذا الجوع يأكل أي شيء في طريقه

قلت سأخلق طريقًا محمومًا، ساخنًا كما يليق بالحب

وهناك في الطرق الواسعة التي بلا نهاية

حيث التقى العشاق وتعاهدوا على المشي معًا

على تكسير العالم، على السُكر والقتل إذا اقتضى الأمر

قالوا  سنبحث عن جثة

قلت الحياة هي قتيلنا

القاهرة والشِعر والزمن

قتلاي

لكنكم أردتم قلبي الحار لتفتدوا به الموت التافه

الناعس في عظامكم

قال المسيح: امنحيهم عظامك

غن لهم أغنيتك الحبيبة لوجه الأبد، لوجه النسيان

لوجه الحياة

وقال  أبي: من ضربك على خدكِ فاطعنيه بسِكين

من أكل من صحنك وشرب نبيذك، اتركي له البيت بأشباحه

أنتِ ابنة الدم الحار، ابنة جذور تقطعك هي متى تشاء

اقتلي بكل قوتك، ارم لهم لحمك المُرّ.

نحن لا نملك رفاهية أولاد البحر والمدن.

 

2ـ 

لو كان العالم قاسيًا فالشعراء جبناء ومديوكر.

لو أنني عادلة، وأنا لست كذلك، 

كنت سأقول إن العالم خباز،

يحمل على ظهره أكل الإنسانية 

هذا الرجل الهائل عنده كل شيء  

خبز للعنف والجمال، 

خبز للانحطاط والكبرياء،

 خبز للحب والخوف

خبز للامبالاة والتطرف

يسير الرجل في طريق ممتد، 

إلى الله؟

نقول الكليشيه: “السعادة في الرحلة”

ثم تأتي امرأة مجروحة تقول

 الجُرح كلمة الله التي وضعها داخلي

سأمضي إلى الحياة، سأشقها نصفين 

سأتوه فيها باحثةً عن رُوحي 

تقول: أنا  “شاعر” 

 والشاعر يصاحب العالم 

المجروح يقاتل العالم

ثم تقول لصاحبها:

 اطعمني يا حبيبي 

طوحيني يا خمرة حبيبي

امنحني جسدك يا حبيبي 

لكن العالم يسير في طريقه 

وعندما يجوع 

تقفز الشاعرة على كتفيه 

تقول سأعطيك خبزًا مقابل عين 

وعندما يجوع مرة أخرى 

تقول الشاعرة: سأمنحك خبزًا مقابل العين الأخرى 

ثم يسير العالم في عماء أبدي 

وعندما تفر المجروحة ضائعة بين الدناءة والأحراش والرداءة، 

تستمر حياتها بين بين 

” كمد اليأسِ وذل الطمعِ”.

 

3

مات الولد وحده في الغابة
في برد الليل
لحظة انكسار القمر
كأن الكون يودعه
صاحب الجنازات الوحيد
ومغني العَديد الأصيل
غنى له حتى ينام للأبد.

الحياة قايضت روحك بشطيرة ساخنة
بقسوة ونزق عاشقين صغيرين
متى اقتلع العالم قلبيهما
ولون روحيهما بالأسود؟
قتلاك كأنهما ذاهبان إلى الملاهي
إلى مشاهدة فيلم مشوق في سينما
القتل أصبح حقيقيا وموجعا

ضباب العالم يلف ثوبًا طويلًا حول جسدك الذي يئن
يمنحك  الراحة
يعدك بالدفء بعد قليل في حِضن الأُم والرفاقة 

لقد عدت من رحلتك وفي قلبك ألم.

لن ترى النهار مرة أخرى يا وَلدي
سيسكنك الليل للنهاية
تظل ترمح فيه
ترمح فيه
بين البشاعة والجمال
بين الخوف والفرح الهائل
بين الأحلام والأحلام.
لن تأكل الطير من رأسك
ولن تصبح وجبة للكائنات.

“أنت وليمة حياتك”
وذكرياتنا
والجراح في جسدك ستسكننا جميعا
ونحن، قد يمنحنا الموت الحب
لكننا مع كل هذا الأسى نريد شفقة كل الناس. 

والآن لن نستطيع تجنب العالم
والحقيقة المُرة
 ليس موتا أجمل من آخر
إنه وحيد وضارٍ

إنه الحق في كل يوم
أيها الموت
يا سيد الحياة
كن كالنوم الرحيم في قلبِ نيء
اكسِ العظام العارية في مواجهة الريح والتراب
املأ البيت بك
وكن أبيض
 في وجوه القتلى
اقتلعهم من الأرض كلها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الديوان الحاصل على جائزة الشاعر حلمي سالم لعام 2022 ـ صدر مؤخرًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

بستاني