.
اما في المجال المسرحي فقد شهدت تلك الحقبة وحتى السبعينيات منها حالة مزدهرة للمسرح العراقي ، تألقت فيه نخبة من المسرحيين كان في طليعتهم الفنان الكبير يوسف العاني والراحل قاسم محمدوعزيز خيون وفاطمة الربيعي وعواطف نعيم واسماء كثيرة شهدت لهم خشبات المسارح العربية والعالمية وكرمتهم المهرجانات خاصة في القاهرة وبيروت وتونس .
هذا المرور السريع لواقعنا الثقافي قبل ان تكتسحنا عنتريات الغباء الصدامي بما جره على العراق من ويلات نتيجة تهوره وحروبه الخاسرة ، حتى اضمحل ذلك الواقع وبات شعرائنا وادبائنا يبحثون عن واحة هادئة لافكارهم بعيدا عن هذا الترف الزائف المخلوط بغشاشة الموقف الذي انحدرت اليه اسماءا كانت بالامس تشكل بعض من ذائقة الثقافة العراقية الاصيلة ، ومع هجرة المثقفين من ادباء وشعراء وفنانين ، اصبحت الارض العراقية مجدبة إلا من بعض الاصوات التي لاتريد ان تفارق المكرمات السخية التي كان القائد الضرورة يفرقها عليهم كما كان يفعل مع الذين شملهم بكوبونات النفط الشهيرة ، فالجواهري الكبير ومظفر النواب ويحيى السماوي ونازك الملائكة وعشرات غيرهم من خيرة شعراء العراق اصبحوا يتوسدون المنافي حتى هلك منهم من هلك بسبب القهر والبعاد عن ارض الاجداد ، يقول شاعرنا المبدع يحيى السماوي عن تلك المأساة متناولا جانبا منها بسخرية ممزوجة بأنة تخفيها الصدورعن حالة نقلت له :
ويقال :
إن كبير مسؤولي الحكومة في ( السماوة )
كان يخطب في اجتماع حاشد
في عيد ميلاد ( ابن صبحة )
ثم صادف أن يمر ( حمادة الحمال )
فاحتفل الحمار
وربما ارتبك الحمار )
فكان
أن غطى النهيق على الخطيب
ولذا
أرجح أن يكون ( حمادة الحمال )
قد قتل الحمار
أو الحكومة أرغمته
بأمر قائدها اللبيب
ف ( حمادة الحمال )متهم
بتأليب الحمار على الحكومة
والمهيب
لي مايبرر وحشتي ..
بغداد تطنب في الحديت عن الربيع
ونشرة الاخبار تنبئ عن خريف
قد يدوم بأرض دجلة ألف عام !
وأنا ورائي جثة تمشي ..
ومقبرة أمامي !
وما ان علت المدافع وبات العراق ينام ويصحو على وقع قذائفها في 2003 ، وهو العام الذي شهد الاحتلال الامريكي للعراق ، تنفس المثقفون الصعداء برحيل آخر الدكتاتوريين وحزم بعضهم الحقائب للعودة الى احضان الوطن بعد ان سمعوا أن حراكا جديدا للثقافة والمثقفين بدأ ينموسريعا كواقع لهذا التغيير ، وان عشرات الصحف والمطبوعات الثقافية اخذت مكانها في هذا الحراك إلا انهم صدموا بما سمعوا وما لمسوه من صراعات سياسية انعكس بمجمله على الواقع الثقافي وظهور خلللا كبيرا في ذلك الواقع كما يعبر عنه الكاتب خالد شويش القطان في مقال له نشرته صحيفة ( الصباح الجديد ) البغدادية عن حالة الاحباط التي شعر بها لدى افتتاح مهرجان المربد الشعري الاخير في البصرة قائلا :
ان هنالك خلللا في البنى الثقافية العراقية وهنالك خلل كبير في الآليات والمتبنيات التي يجب ان تصحح وعلى المعنيين بالثقافة ان يصحوا ويعوا اننا في مرحلة انتقالية ” ديمقراطية ” وان هكذا مهرجانات ثقافية يجب ان تكون تشاركية يشارك فيها جميع الادباء والمثقفيين العراقيين لاسيما الشعراء منهم من دون اقصاء لأحد ومن دون احتكار لفئة أو مجموعة معينة بذاتها ) .
هذا الخلل الذي اشار اليه الكاتب ، اشار اليه كاتب آخر انتقد فيه التقسيمات العرقية التي وردت في استمارة الترشيح لانتخابات اتحاد ادباء العراق وخاصة ان مكونا رئيسيا هم الاكراد لم تشر اليه الاستمارة أو كما يقول الكاتب محمد خضير سلطان في مقال له نشرته صحيفة ( الصباح ) البغدادية مؤخرا يقول فيه بخصوص ما ورد في تلك الاستمارة :
ومن الغريب جدا لدى ذهنية مؤسستنا الادبية العراقية ، ان تستبعد ما هو اقرب لها ، وهو اتحاد ادباء كردستان ، فلا يذكر ان المجلس المركزي قد ناقش طوال فترته الماضية الطويلة ، الوضع الكردستاني للادب العراقي ، وتستقرب ما هو بعيد عنها وهو اتحاد الادباء العرب ، وتستبقي شرعية ارتباطها بالمؤسسة العربية التي لابد من دراستها على النحو التضامني لا التبعية القومية فيما لا تبحث مؤسستنا الادبية عن شرعية مفقودة في انضمام ادباء كردستان الى المؤسسة الادبية العراقية ، ولعل اتحادنا الادبي في كل ما يفكر به ، انه لايعد العامل الجغرافي الوطني اساسيا ويستأثر بالعامل العرقي واللغوي كما اعتاد عليه
ان هذا الواقع المتردي يشي بالنهاية الى ان التغيير الذي كان يأمل منه المثقفون العراقيون ، النهايات التي ناضلوا من اجلها وتحملوا ما تحملوا ، اصبح يدور في فلك اخطر من الدكتاتورية المقيتة السابقة ، وعليه آن ان نعي حجم هذه الاخطار على مجمل العملية الثقافية وان نحاول ان نجتازها بقوة ونجلس معا بكافة اطيافنا لإعادة ذلك الالق الفكري لعراق يخلو من شبح التقسيمات العرقية والطائفية ويعود حاملا لواء الثقافة والشعر والفن كما حملها منذ آلاف السنين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* شاعر وناقد عراقي
خاص الكتابة