محمد فتحي: الواقع أشد سخرية مما يكتبه الساخرون

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

إبراهيم محمد حمزة

خلال عدة أسابيع صدرت الطبعة الثالثة من كتاب 'مصر من البلكونة' للكاتب الساخر محمد فتحي، وظل واحدا من اكثر الكتب مبيعا، ومحمد مدرس مساعد بكلية الإعلام، حصل العام الماضى على الماجيستير في الكاريكاتير في الصحافة ، كما كتب عدة أعمال أدبية، وشارك في تأليف بعض مسلسلات 'السيت كوم'، ورغم أنه لم يتعد الثلاثين إلا أنه أحد أبرز الكتاب الساخرين الذين يكتبون بعمق وجمال وفكر .. حاورناه، وفتح قلبه لنا:

في مسألة الساخرين

قلت في حوار معك ان الساخرين عملة نادرة .. لدينا كتاب ساخرون ليسو مشاهير مثل جلال عامر، ناجى جورج، إبراهيم السايح ،.. هل الكاتب الساخر يستطيع ان يكتب كتابة عادية بدون الخشية على مجده لدى قارئه ؟

أختلف معك مبدئياً في عدم شهرة (عمنا) جلال عامر، فهو ساخر جميل من طراز خاص، وإن كانت الشهرة أتته متأخرة ربما لخوفها من ركوب قطر اسكندرية حيث يعيش عم جلال كما سمعت. أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال ففي رأيي أن الكاتب الساخر يظل مهتماً بالبحث عن رضا قرائه في المقام الأول، فالكتابة من وجهة نظري جميلة وممتعة ومرضية (أو مشبعة للقارئ) أو العكس. ما يحدث عندنا في مصر أن الناس للأسف مولعة بالتصنيف ولذلك يظل الكاتب الساخر حبيس تصنيفه كساخر، ويظل الناس ينتظرون منه دائماً أن يضحكهم ما يكتبه أو يثير في داخلهم الرغبة في الابتسام على أقل تقدير.حالياً توجد رغبة ملحة لدى كثيرين في الخروج من عباءة التصنيف ككاتب ساخر، ولتنظر مثلاً إلى بلال فضل أو أسامة غريب أو حتى عمر طاهر في كتابه الأخير جر ناعم الذي قدم من خلاله (كوكتيل) كتابة جميلة لم يكن فيها أي سخرية.

كتبت عدة روايات ومجموعات قصصية مثل ‘شيء من الحب’ ‘بجوار رجل أعرفه’ هل تصلح السخرية في العمل الإبداعى ؟

تماماً مثل موضوع’ البوسة الهادفة’ في العمل الفني وهل هي موظفة درامياً أم لا .أشعر من سؤالك أن السخرية في العمل الإبداعي سُبّة أو عيب، لكن دعني أرد عليك مباشرة وأقول لك أن المعيار الوحيد هو : هل تشعر بأن السخرية في العمل الإبداعي نغمة نشاذ أم أنها في سياقها.الواقع ـ يا عزيزي ـ يحتمل أي شيء وكذلك الأدب والإبداع.

أنت خريج مدرسة ‘الدستور’ التى أنتجت أيضا بلال فضل ومحمد هشام عبية وخالد كسّاب، كما أنتجت بعضا من الظرفاء الذين لم ترتفع بهم ثقافتهم ليكونوا ساخرين .. هل الانفتاح الحالى في ممارسة الحرية القولية، يجعل النقاش العقلانى محدود القيمة ؟ بتعبير آخر : هل الحرية القائمة تجعل الجدية في النقاش بلا طائل، لأن الجميع يدرك آلام الواقع المعاش ؟

السخرية التي يمارسها الشعب المصري بأكمله هي البديل المثالي للانتحار، والمنفذ الرئيسي للكبت والشعور بالذل أو المهانة أو الفساد الذي يعيش فيه معظمهم أو يعانون بسببه، لذلك لا تقتطع حالة السخرية العامة الموجودة لدى الشعب المصري من سياقها أبداً، فحتى النقاش العقلاني الذي تتحدث عنه يحمل داخله سخريته الخاصة به.على سبيل المثال من العقلاني جداً ومن الحرية كذلك أن يكون للمصريين حق في الرعاية الصحية وفي الحياة الكريمة لكنك ما إن تبدأ في مناقشة هذا الأمر بعقلانية حتى تكتشف أن الموضوع مضحك لكنه ضحك كالبكاء، فمن يصدق أن القطط في المستشفيات أكثر من المرضى وأن أحد مديري المستشفيات قال في حوار تليفزيوني انه لا سلطة له على القطط، ومن يصدق أن أساتذة الجامعات يتظاهرون لرفع مرتباتهم وأن نقابة المحامين تحت الحراسة وأن الحل الوحيد لتقدم مصر هو أن تعود إلى الوراء..صدقني هذا الواقع أكثر سخرية مما يكتبه الساخرون.

تلميذ الكتابة الجميلة

اختيار عناوين الكتب لديك يتكىء على بلاغة شعبية، بها خبث فنى واضح مثل ‘لك شوق في حاجة’ أو عملك الحالي ‘نامت عليك حيطة’ والذي صدرت طبعته الثانية منذ أيام، إن كنت في أكاديمية كبيرة للساخرين .. إلى أى عمود تلجأ للتلمذة ( من أساتذتك )؟

أنا تلميذ الكتابة الجميلة القادرة على إبهارك و إدهاشك وجعلك تشعر بالمتعة.أنا تلميذ عمنا احمد رجب أطال الله في عمره والراحل الجميل يوسف عوف والساخر العبقري محمد عفيفي وتلميذ إبراهيم عيسى وتلميذ بلال فضل وحمدي عبد الرحيم وأكرم القصاص و عمر طاهر.أنا تلميذ كل من يمتعني في كتابته وأتعلم منه شيئاً.

لك تجارب في ‘السيت كوم’ هل ستتجه إلى السيناريو، خاصة مع تجارب اولية جميلة في الصحافة، التى تميزت بها للكبار وللطفل ؟ وما سبب اختيار ‘السيت كوم’ ؟ هل لأنها عمل جماعى؟

ربما يكون السيناريو هو الخطوة القادمة بالفعل إن شاء الله، أما كتابة الست كوم فقد بدأتها مع أستاذي بلال فضل عندما كان مسؤولاً عن ورشة للكوميديا بإحدى القنوات الفضائية، لكنها انهارت سريعاً قبل أن يتفرغ لها في فترة من الفترات مبدع جميل اسمه عمرو سمير عاطف أفادني جداً العمل معه مع ما تعلمته منه في كتابة الست كوم الذي أصبح الآن البيضة التي تبيض ذهباً لعدد كبير من المنتجين و المحطات الفضائية، ولم أختر الست كوم بالمناسبة في البداية بل اختارني بلال ثم عمرو للكتابة، وحالياً أحاول التركيز مرة أخرى في هذا المجال لأنه تمرين يومي تقريباً على الكتابة والتقاط السخرية من تفاصيل الحياة اليومية.

كتابات التسلية

يصف متابعون لكتابات محمد فتحي وخالد الخميسي وبلال فضل وخالد توفيق وعمر طاهر محمد كمال حسن ومصطفى الحسيني، وآخرين بأنها مسلية، وممتعة للقارىء، ويعللون بذلك تكرار طباعتها .. ما رأيك في هذا التصنيف ؟

التسلية ليست عيباً بالمناسبة وإنما درجات، فمن الناس من يتسلى بقزقزة اللب ومنهم من يتسلى بالعبث في أظافر قدمه اليسرى ومنهم من يقرأ مثل هذه الكتب. لكن السؤال الحقيقي هل تقتصر كتابات الزملاء والأساتذة الأفاضل الذين ذكرت أسماءهم على مجرد التسلية. في واقع الأمر كتابات هؤلاء تحتاج إلى عالم اجتماع محنك ومؤرخ عتويل للاستفادة منها في رسم ملامح تاريخ حياة الذاكرة الوطنية والاجتماعية والعاطفية للمصريين في عصر الرئيس مبارك وحقبة الثمانينات وما بعدها، ولازلت أرى بأن التصنيف الحقيقي يجب أن يكون على أساس الكتابة الجيدة والممتعة في مقابل الكتابة الرديئة والمملة.

تكتب سيرة شبه ذاتية في كتابك المشترك ‘نامت عليك حيطة’ وعمرك لم يصل الثلاثين .. هل أنت مطمئن لثبات الرؤية لديك بعد سنوات ؟ أم من الممكن إكمال هذه السيرة في وقت تال ؟

بالطبع تنقصني حكمة التجربة وبكارة الخطايا التي لم أرتكبها بعد، في الواقع ينقصني الكثير، ربما لذلك كانت تجربة (نامت عليك حيطة) ـ وهو اسم الكتاب الذي كتبته مع الروائية نهى محمودـ تقوم على كونها سيرة (شبه) ذاتية تقوم في الأساس على اجترار الذكريات التي ذهبت ولم تعد وتبقت منها بعض الحلاوة التي أبينا أن ننساها فكتبنا هذه التجربة. وارد جداً طبعاً أن تكتب السيرة نفسها من جديد وبرؤية أخرى، لكن دعنا نعترف أن أدب السيرة الذاتية في مصر لا يزال يفتقد صراحة الحكي، ويقع في فخ مجاملات الذات و تصفية الحسابات مع الموتى.

شيوخ الكتابة للطفل

ما الجديد الذى قدمته للطفل، وقد رُشحت لجائزة الصحافة العربية للأطفال عامي 2007 و 2008 ؟ وكيف قمت بحل معضلة الفن والتعليم والتلقين والترميز ؟ وماذا أضاف كونك كاتبا ساخرا لكتابتك للطفل ؟

في الواقع الجديد هو أن يكون هناك شاب لم يتعد الثلاثين بعد يكتب لأطفال ربما دون السادسة من عمرهم، فللأسف الشديد حين تنظر لكتاب الأطفال في مصر تجدهم تعدوا الستين ـ وربما السبعين ـ ولازال بعضهم يكتب لطفل الستينات في الحقبة الناصرية، وهو شيء مدهش.الآن هناك ثورة اتصالات ومعلومات كبيرة وابني الذي يبلغ ثلاث سنوات له مفرداته المختلفة ومعرفته التي تفوقني في كثير من المجالات، كما أنه يلجأ للجدل والنقاش في كل شيء ويرفض إملاء الأوامر عليه في بعض الأمور.تخيل إذن إشكالية أن تكتب لأطفال مثل عمر ابني هذا فلا تجدهم يقرأوك.

يا عزيزي يكفي أن أقول لك ان ابني هو الذي يحكي لي حدوتة قبل النوم وليس العكس، وبالتالي يجب أن تخاطبه بما يتوافق مع تفكيره الأكثر تطوراً من تفكير طفل الستينات، وبالمناسبة ..الكاتبان الوحيدان اللذان يحاولان مواكبة كل جديد لدى الأطفال رغم سنهما الكبير هما الأستاذان عبد التواب يوسف ويعقوب الشاروني.

ككاتب ساخر أدرك كذلك أن الطفل يحب المعلومة الظريفة خفيفة الظل والمغلفة بإطار قصصي أكثر بكثير من فكرة افعل ولا تفعل أو قل ولا تقل، فالطريقة المتبعة الآن في الكتابة للأطفال هو ما يطلق عليها التعليم الترفيهي edutainment وهو أسلوب تعلمته من عملي مع وائل حمدي في عالم سمسم، ووائل بالمناسبة من أهم كتاب الأطفال في مصر رغم قلة إنتاجه فيه، ورغم اتجاهه مؤخراً لكتابة السيناريو.

هل تشعر بتشظٍ ما وأنت تعمل بسلك التعليم الجامعى، وبالصحافة، وبالإبداع بكافة ألوانه، ولك اهتمامات عميقة بالنت وعالمه وبالتدوين، حتى الشعر تكتب بعضا منه، ألا تؤمن بالتخصص كوسيلة للتميز ؟ وهل لذلك علاقة بـ ‘أكل العيش’؟

ليس تشظيا بالمعنى الذي قصدته أنت في سؤالك وإنما كما قلت لك سابقاً الكتابة إما جيدة أو رديئة بغض النظر عن النوع الأدبي الذي تكتبه كما أنه لا يوجد كاتب في مصر ينام بدون عشاء أو غطاء (إلا لو كان معتقلاً) فدعك إذن من موضوع أكل العيش هذا.إذن فتخصصي هو الكتابة الجميلة والممتعة وإخلاصي الكامل للقارئ وفكرة التخصص أراها تصلح في العلوم النظرية وليس في الكتابة أو الإبداع.

هل ترى العامية المصرية أسرع وأسلس في التوصيل لأفكارك ؟ ولماذا تتكىء عليها رغم قدرتك الواضحة على استخدام الفصحى بسلاسة مطلقة؟

في الكتابة الساخرة اللغة وسيلة أكثر منها غاية، والقارئ المصري الحالي للأدب الساخر أظن وبعض الظن إثم أنه يبحث عمن يتحدث بلسانه وبمفرداته الحياتية الثرية بعيداً عن التعالي على هذه المفردات واعتبارها نوعاً من الابتذال في اللغة، لكن هذا لا يمنع بالمناسبة من استخدام الفصحى والاتكاء عليها إذا تطلب المقال ذلك

مقالات من نفس القسم