محمد الفخرانى.. الكتابة كتجريب دائم

الجن..الدراجة.. والمراجيح.مقطع من "ألف جناح للعالم"..رواية تصدر قريبا
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حوار: عزة حسين

تقريباً قبل أربعة أعوام صدرت الطبعة الأولى من رواية الكاتب محمد الفخرانى “فاصل للدهشة” مصحوبةً بجدل كبير، ورفض، وانحياز، وارتباك تجاه النص الذى كان له من عنوانه النصيب الأكبر “الدهشة”، لأنه لم يكتف بافتضاض التابوهات الثلاثة المعروفة: الدين والجنس والسياسة، فقرنهم بتابو اللغة، التى استعمل منها “الفخرانى” الأكثر فظاظةً، بذاءةً، حقيقيةً، وشاعريةً أيضاً، وتابوا العالم المهمل بشخصياته التى تقضى نهارها فى قلب الوطن وتبيت على التخوم، وفى الحالتين لا يراها أو يشعر بها أحد.

هناك من قلب عشش الصفيح، على هامش القاهرة، والحكومة، والعالم التقط الفخرانى بضع شخصياتٍ يتعارك فى محيطها، وتتعارك فى محيط: القذارة والزحام والجريمة والرقة والتعاسة والضحك، مشيداً بهم معماراً إنسانياً غير مستهلك، صاحباً القارئ فى فاصلٍ من الدهشة والمتعة والألم، يشبه فى تلقيه الصدمات الكهربية التي قصد بها الكاتب الاحتكاك بوعى العالم والإشارة له على كل هذا الثراء وهذه القساوة.

بعد هذه السنوات الأربع، وبعد ثلاث طبعات للرواية ونص آخر جديد فى كل عناصره بعنوان: ” قبل أن يعرف البحر اسمه”، يقول محمد الفخرانى فى الحوار التالى عن روايته وعالمها وشخصياتها ما قاله ضمنيًا بين سطورها منذ الطبعة الأولى ولم يغير موقفه تجاهه إلى الآن.

 ·       ما رأيك في مسمى الواقعية القذرة الذي تصنف تحته روايتك؟

أثناء كتابتى “فاصل للدهشة” لم أفكر كيف يمكن أن تصنف، لم أهتم، مثلما لم أهتم بأىّ شىء وقتها غير كتابتها بالطريقة التى ظهرت بها، وبعد أن صنفت تحت مصطلحات عدة تنتمى فى مجملها للواقعية، ومن بينها الواقعية القذرة، لم يمثّل لى هذا شيئًا، فتلك واحدة من عادات العالم: “أن يتم تصنيف أىّ شىء يظهر للوجود”، فنيًا يمكن قبول “فاصل للدهشة” فى أحد مستوياتها، تحت هذا التصنيف، وفى مستوى آخر تحت تصنيف آخر، أما أنا فلا أفضل تصنيف كتابتى تحت مصطلح بعينه، فكلها كتابة عن العالم، فقط تختلف الطريقة والأسلوب الفنى، وتطور رؤيتى للعالم وعلاقتى معه من كتاب لآخر، وحينها كان دور “فاصل للدهشة“.

       طبقاً للنقاد فإن كتاب هذا النوع من الروايات هم شباب رافض للقيم الاجتماعية المثالية السائدة وناقم عليها، وهو ما ظهر صراحةً في روايتك التي وصفت الأشخاص الناجحين، نظيفي الملابس، مرتاحي البال بأنهم يستحقون الشفقة، فهل تمثلت هذا المعنى قبيل كتابة الرواية  أم وقع مصادفةً؟

  أنا مع التجربة الإنسانية بكل ما فيها، الأمر هنا فى رأيى لا يخص “قيمة اجتماعية”، لكنه يخص مجتمعًا يخطئ فى  تحديد القيمة، ويمنح نفسه سلطة تحديد قيمة ما، وعلى أىّ أساس يحددها، وما هو الشىء الذى له قيمة بالفعل، ثم ما هو المجتمع؟ ليس إلا عدداً كبيراً من الأفراد: فرد بجوار الآخر يصنعون هذا العملاق المزيف ويرهبون به بعضهم بعضًا، “القيمة” هى التجربة، بشرط ألا تؤذى بها العالم، وبشكل شخصى أثق ألا شىء مثالى، ولا أميل إلى الأشياء التى تبدو مثالية، ربما لا يمكنك أن تكون خاليًا من الشر طوال الوقت، فقط هناك إنسان قادر على ترويض هذا الشر، يتعامل معه، لا يؤذى به العالم، ويستطيع تشكيله في  هيئة أخرى، أو التخلص منه، وهناك شخص آخر لا يستطيع ترويض شروره أو أنه حتى لا يحب ترويضها، ويطلقها على العالم

طوال الرواية هناك تقافز للضمائر وإن غلب ضمير المتكلم العائد على “حسين” ما الذي قصدته من لعبة الضمائر هذه؟ ولماذا اخترت حسين بالذات مروياً له وعنه دون الجميع؟

تنوع الضمائر فى  “فاصل للدهشة” كان لعبة فنية، ضمن ألعاب أخرى قصدت من ورائها زيادة حيوية الرواية، وتنويع إيقاعها، فيما يخص “حسين”، فعلى المستوى الفنى كنت أبحث داخل الرواية عن شخص له علاقة بكل أماكن وشخصيات الرواية، وكان “حسين”، فأردت أن أسرد له، وعنه، ولى، وللقارئ، ولشخص متخيل، وللعالم، كطريقة للعب الفني، ولإحساسى بأنه -حسين- لم يكن يمثّل نفسه وفقط داخل الرواية، وإنما كان كل الضمائر التى يمكن السرد عنها ومنها ولها، وعلى مستوى آخر بينى وبين “حسين” الموجود فى  “فاصل للدهشة”، كنت أراه الأكثر خفة، هو الطيف الموجود في  كل المشاهد حتى ولو لم يقل أو يفعل شيئًا، كنت أربت كتفه وأنا أكتبه، وأهمس له: “أنا أتفهمك”، “تأكّد أنى لن أعاتبك أو أحاكمك”، وقد فعلت ذلك مع الجميع في  الرواية، لكن يبدو أن “حسين” كان يحتاج منى أن أهمس له بذلك بشكل شخصى حتى يطمئن، فحدث ذلك بتنويع السرد حوله.

       ماذا عن مصطلح المهمشين الذي يصف النقاد به أمثال أبطالك؟ أنت نفسك وصفتهم به على لسان البطلة سماح

عندما وصفتهم بالمهمشين على لسان “سماح”، كنت أصفهم كما تراهم هى، وكما يراهم العالم، أو معظم العالم، لأننى واثق أن هناك الكثيرون يرونهم غير ذلك، أو يفضل تسمية أو رؤية أخرى، المصطلح/ التسمية هى طبيعة العالم فى  تصنيف الأشياء، لكننى كتبتهم فى “فاصل للدهشة” بطريقة لا تعنى أنهم “مهمشى العالم”، لم أرهم على الحافة، أو معدومى الحيلة، لم أقدمهم كأنهم “فرجة”، أو فى  مكانة أدنى، أو بشرًا ضعافًا يستحقون الشفقة أو المساعدة، كنت منتبهًا جدًا لهذه الفكرة وحريصًا عليها لأنى أصدقها، أراهم أكثر حيلة مع العالم، وقادرين على أن يمدوا أيديهم وينتزعوا لأنفسهم حياة ما، وقد فعلوا ذلك فى  “فاصل للدهشة” بطريقتهم.

  

اختيارك لمجتمع غامض وثري ومغري مثل ساكني العشش يضرب مقولة “اكتب عما تعرف” ويستلزم جهداً استقصائياً ومعرفياً يؤطر الكتابة، ألم تخش مرة من عراك المعلوماتية والفن داخل النص؟

أكتب عما تعرف” مثلها مثل مصطلحات كثيرة فى  الحياة والفن تم تداولها وتوارثها حتى صارت فيما يشبه قاعدة يعتمدها الكثيرون، لكننى دومًا أبحث عن رؤيتى وتجربتى الشخصية، فيما يخص عالم “فاصل للدهشة”، فأنا طوال الوقت على علاقة بهذا العالم، لا أقصد عالم “عشش الصفيح” تحديدًا، وإنما العالم المزدحم بالبشر، إنسانيًا وطوال الوقت، كنت أحمله داخلى، وفى الوقت نفسه ألملمه من الشوارع، تصطاده عيناى حتى لو كان لقطة صغيرة فى مشهد كبير، كأنه مرآة مكسورة ومفتتة لآلاف القطع الصغيرة، أجمعها من الشوارع والبشر، ثم أعيد تشكيلها وترميمها من نفس روحها وجسدها، وفى حياتى العملية تنقلت لأعيش فى أماكن كثيرة، كلها كانت مزدحمة بالبشر، وبعضها كان على تخوم “عشش الصفيح”، وفى فترة من حياتى عملت جيولوجيا وقمت بأعمال وسط العشش، تنقلت فى كل مكان من “مصر” تقريبًا، عرفت أكثر أماكنها فقرًا وأكثرها غنى، رأيت وتعاملت مع ألوان عديدة من البشر، إلا أن هذا غير كاف ولن يكون كافيًا أبدًا للكتابة، ما يهم هو أن تحب وتصدق ما تكتبه، تصدقه إنسانيًا بقلبك فتحبه، وإبداعيًا بأن تصدق أنه لا يمكن كتابته إلا بالطريقة التى تكتبه بها.

على فترات متباينة صدرت ثلاث طبعات للرواية هل قمت بتعديل أية أشياء ولو غير ملحوظة بها؟

فى هذه الطبعات الثلاث لم أغير أىّ شىء إلا بعض الأخطاء النحوية التى كانت موجودة فى الطبعة الأولى، وهى أخطاء لم أتعمدها، فعادة بعد أن أنتهى من أىّ عمل، أدفع به لمصحح لغوى قبل أن أنشره، وقد فعلت ذلك في  الطبعة الأولى من “فاصل للدهشة”، لكن كان هناك الكثير من التعجل، وأنا لست غاضباً الآن لوجود تلك الأخطاء فى الطبعة الأولى، فقد أحببت وقتها ارتباك التلقى التى تسببت فيه.

المكان بوصفه الشاعري والدقيق كان له من الحضور والفعل ما يجعل “فاصل للدهشة” رواية مكان بامتياز، ماذا يعني لك المكان في النص وهل خططت لمنحه كل هذا الحضور؟

حضور المكان فى “فاصل للدهشة” استمد قوته من حضور الشخصيات، فى  رأيى أن المكان، أىّ مكان فى العالم، هو ما ينتمى إلى الإنسان، الإنسان هو الذى يصنع روح المكان وشكله ويمنحه شخصيته، بالتأكيد هناك تأثير من المكان على الإنسان، لكننى أعتبر التأثير الأول والأكبر يكون للإنسان، وأحب أن أرى المكان منتميًا إليه، لا العكس، فى  “فاصل للدهشة” لم يكن الأمر بحاجةٍ للتخطيط لأىّ شىء، أحببت عالمها وصدقته، كتبت عن الإنسان، وحضر المكان قويًا بالتبعية لقوة حضور الإنسان.

ولماذا لم نلمس حضوراً موازياً للزمان كعنصر فني آخر، بحيث لم يظهر أي زمن محدد باستثناء واقعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية عام 2005؟

لنفس السبب، وهو اهتمامى المطلق بالإنسان، الزمان والمكان يصبحان بلا قيمة دون وجود إنسان يعيشهما، وحتى هذا التاريخ الوحيد بالرواية والذى كشف زمانها، أحيانًا أفكر أنه كان من الأفضل لو أنى لم أحدده ، فلم أكن مهتمًا على الإطلاق بدلالته السياسية، فقط فى  خلفيته كانت هناك مشاهد إنسانية لأجلها احتجت وجوده، فكرت كثيرًا أن أتخلص من هذا التاريخ، وغالبًا سأفعل فى  طبعة جديدة من الرواية.

       هناك إجماع على الأثر الصادم لروايتك على متلقيها، على الأقل للوهلة الأولى قبل أن يتفتت هذا الأثر إلى رفض أو إعجاب، إلى أي مدى قصدت ذلك أعني الصدام؟ وإلى أي مدى تعتقد أنه أثر على تلقي الرواية سلباً أو إيجاباً؟

كنت أعرف أثناء الكتابة أنها ستكون رواية صادمة، لكنى لم أتعمد أن تكون كذلك، كنت أفكر أنها لا يمكن أن تكتب بطريقة أخرى، وأننى سأكون كاذبًا مع نفسى ومع شخصيات الرواية لو كتبتهم بطريقة أخرى، فأنا أعتبر كل شخصيات الرواية أشخاصًا لهم وجود حقيقى في العالم، وأنهم حتى هذه اللحظة ما زالوا يكملون حياتهم التى كتبت أنا جزءًا منها فى “فاصل للدهشة”، أحببت الصدمة التى أحدثتها الرواية، وأراها شىء إيجابى جدًا، أعجبنى أن شخصًا ما يلعنها، لكنه فى  نفس الوقت يحبها، وآخر غير قادر على أن يحبها أو يكرهها، حالة الارتباك التى سببتها لكثيرين، وأن هناك من كرهها من أول نظرة، وهناك من أحبها من أول نظرة.

-انصبت لغة الرواية في مسارين أولهما شديد القسوة، المباشرة، والسوقية أحياناً، والثاني شديد الشاعرية والصفاء، وأحياناً يتقاطع المسارين، ماذا كانت حدود اشتغالك على اللغة؟ ولو منحت فرصة إعادة الكتابة هل كنت ستختار نفس المسارات؟

فى  “فاصل للدهشة”، مثل كل كتابة لى، انشغلت باللغة و”اشتغلت عليها” كثيرًا، وفى أدق تفاصيلها، كل جملة كتبتها كانت بما يشبه مشاركة مع شخصيات الرواية، تعمدت أن أختار تلك المفردات الفصيحة التى تبدو لفرط استعمالنا لها عامية: مثل “شاف، قعد، يبص”، كنت أعيد كتابة جملة أو مقطعًا لأنى أحتاج مفردة معينة، فأبدّل الجملة كلها لأن إيقاعها لا يناسب المفردة التي أريدها، اهتممت بإيقاع السطر الواحد، والجملة، والكلمة بجوار صاحبتها، كنت حريصًا على ما أسميه “فلسفة اللغة”، يحدث هذا فى  جزء منه عن طريق ترتيب الكلمات، واستخدام حروف العطف أو حذفها، وعلامات الترقيم، والقبض على الإيقاع الخاص لكل كلمة، وإيقاعها الجديد عند مجاورتها لكلمة أخرى، ثم الإيقاع الجديد مرة أخرى عن وضعها فى  جملة، كنت حريصًا على الوصول للطاقة الحقيقية لكل كلمة، وشحن فضاء الرواية بطاقة الكلمة وألوانها، فطاقة أىّ كلمة وقوتها تختلف حسب ترتيبها فى جملة ما، والكلمات الموجودة معها فى الجملة نفسها، ومع التدقيق فى لغة “فاصل للدهشة” لا توجد الكثير من الكلمات العنيفة، لكنها طاقة الكلمات وترتيبها ومشاعرها هو ما يملأ فضاء الرواية بكل ما يُعتقد أنه نابع من المفردة المكتوبة، لكنه بالدرجة الأولى نابع من مجموع اللغة وطريقة التعامل معها، ولو أعدت كتابة “فاصل للدهشة” أىّ عدد من المرات سأكتبها بنفس الطريقة.

     قفلت الرواية  على أحلام معظم الأبطال مجهضة أو مبتورة خصوصاً نساء الرواية ذوات الحياة الدرامية، لماذا كل هؤلاء النساء؟ ولماذا كل هذه المآسي؟

لماذا كل هؤلاء النساء؟ لأنه لا بد أن يكون كل هؤلاء النساء فى  أىّ عالم، أما المآسى، فلم أفكر فيها على أنها كذلك أو أنها نهايات سعيدة فى مواقف أخرى، مثلما لم أنظر لأفعالهم على أنها رذيلة أو فضيلة، كنت أنظر للأمر كتجربة إنسانية، ودائمًا التجربة الإنسانية تستحق، أما الأحلام فلم تنته مبتورة وإنما مفتوحة، مثلاً: عندما ذهبت “فراولة” لمولد “الحسين” مع “محروس بركة” لم تذهب لتكون “درويشة”، ما حدث أنها داخل الرواية رغبت فى ذلك، مثلما يحدث مع أىّ شخص في  الحياة أن يرغب فىّ  الانفراد بنفسه لبعض الوقت، أنا لا أعرف ما ستفعله “فراولة” فى  حياتها بعد ذلك، ما أنا واثق منه أنها لن تكمل فى “الحسين”، وأنها لن تكون “درويشة”، فقط ستبقى هناك ليلة أو ليلتين ثم تكمل حياتها، كذلك بقية الأشخاص لم تغلق الرواية حياتهم.

– طوال الرواية ظهرت محبتك وانحيازك لجميع الشخوص بمن فيهم المنبوذين اجتماعياً أو حتى المجرمين هل ذلك من قبيل الرفض الاجتماعي للكمال الزائف الذي يدعيه المجتمع أم اكتشاف لإنسانية ما لا يعرفها المسالمون؟

الكتابة بالنسبة لى انحياز، عندما أختار عالمًا وشخصيات للكتابة، فإنهم يصيرون جزءًا منى، أو لأنهم بالأساس جزء منى، مثلاً شخصيات “فاصل للدهشة” هى أنا بشكل ما، وكل ما أكتبه سيكون أنا، حتى لو كانت كتابتى عن كائنات مثل شارع أو بحر أو قارب، فسأكتبها بالطريقة التى سأكون عليها لو أنى بحر أو شارع أو أىّ كائن آخر، ولو أنى فى  عشش الصفيح كنت سأختار بنتًا تحبنى على طريقة “وجنات”، ولها شهامة “نعيمة”، سأذهب لعشش “الوحايد” مثلما فعل “حسين”، لو كنت صحفيًا سأؤمن بفكرة الإنسان كما فعلت “سماح”، كنت سأفكر بطريقة والد “هلال” عندما يقول “نفسى أشوف نفسى وأنا ميت”،أنا أكتبنى، الفكرة هى كيف أجعل كل شخصية تمثل نفسها وفرادتها وفى  نفس الوقت تكون أنا، كيف أجعل نفسى كل هذه الشخصيات والكائنات المختلفة، وفى  الوقت نفسه تحتفظ هى بفرادتها.

       لماذا لم نر من بين سكان العشش شخصيةً واحدة إيجابية أو أدركت آمالها، والوحيدة السوية كانت الصحفية سماح من طبقة المثقفين؟   و هل معنى ذلك أنك لاترى إمكانية التغيير إلا من خلال هذه الطبقة؟

  الإيجابى الذي كنت أريده وأبحث عنه هو التجربة الإنسانية، لا يهمنى رأى المجتمع فيها، وضمنيًا لم أهتم بكون تلك التجربة ستحصل على آمالها أو أحلامها أم لا، وإن كنت قد تمنيت ذلك فى “فاصل للدهشة”، وهو ما حدث بشكل ما من وجهة نظر الشخصيات وعلى طريقتها وبما يرضيها، ليس على طريقة المجتمع.

أما “سماح” فإذا كانت قد بدت كشخصية مختلفة من طبقة المثقفين، فليس معناه أن التغيير لن يأتى إلا من خلال طبقة المثقفين، فالتغيير بالأساس لن يأتى من هذه الطبقة، وإنما من مكان آخر، مكان على مستوى الفرد العادى، مكان لا يمكن تسميته طبقة، أو تجمع له خصوصية ما.

       في أكثر من موضع تدخل الكاتب أو الراوي في السرد بشكلٍ مفاجئ ومباشر أحياناً لماذا تعمدت كسر إيهام القارئ؟

تدخلت لأننى اعتبرت نفسى جزءًا من الرواية، داخلها، ويمكننى أن أكشف عن نفسى، كنت أفعل ذلك وأعى أن الكاتب سيظهر، لكنى لم أعتبره تدخلاً، وفنيًا فقد فعلته من روح وجسد اللحظة التى يظهر فيها، فى  “فاصل للدهشة” كان مسموح لأىّ أحد أن يتكلم ويكون له حضوره، بشرط ألا تتهم أحدًا، ألا تتعالى أو تحاكم غيرك، لا شىء غير أن تكون منغمسًا في  الحالة والتجربة الإنسانية.

         

– في عملك التالي لـ”فاصل للدهشة” اخترت عالماً شديد المغايرة في مجمل عناصره الفنية من مكان وزمان ولغة وأحداث وشخصيات هل كان المقصود بهذا التحدي هو القارئ أم إمكانياتك ككاتب؟

في  العمل التالى “لفاصل للدهشة”، اخترت عالمًا فنيًا مغايرًا، لكنى كنت في  نفس العالم، وأقصد هنا الكون، “فاصل للدهشة” هى جزء من العالم/ الكون، وهذا الجزء يتواصل مع الجزء من العالم الذى قدمته فى  العمل التالى، أطمح لكتابتى أن تكون عن العالم والكون كله، وأقصد هنا العالم الذى نراه، وعوالم لا نراها، وعوالم تُخترع بالكتابة، أحرص على ألا أكون متوقعًا، فى  رأيى أن الكتابة تموت عندما تكون متوقعة، ومقتل الكاتب أن يكون متوقعًا.

– “إيه حرام أكتر: السرقة و لا الجوع؟؟ ” واحد من أسئلة وجودية كثيرة قذفها أبطالك فى وجه المجتمع والقارئ، هل شغلت نفسك بمشاركتهم البحث عن أجوبة؟

كل تلك الأسئلة هى بالأساس أسئلتى، كل ما شعروا به وفكروا فيه هى مشاعرى وأفكارى، اللعبة كانت كيف أكونهم جميعًا وكيف يكونونى وفى  نفس الوقت يكون كل منا متفردًا فى  نفسه.

أخيراً هل من الممكن أن تخبرنا عما فعلته بك -ككاتب وإنسان- رواية “فاصل للدهشة” التي فعلت الكثير بالمشهد الأدبي كتابةً وتلقياً ونقداً..

ما فعلته بى ككاتب أنها قدمتنى بشكل قوى للقارئ، فيما يخص الكتابة عمومًا، فأنا أنظر لنقطة بعيدة، المسافة إليها ما زالت طويلة، ما فعلته بى “فاصل للدهشة” كإنسان، أنى بها قدمت تجربة إنسانية تمثل جزءًا من عالم أحمله بداخلى، وقد كتبته بحب وصدق، فى جزء هام ويخصنى وحدى من تجربة “فاصل للدهشة”، أنى كنت أريد أن أقف إلى جوار هذا العالم، وفعلت ذلك بكتابتى عنه.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم