1- صدر لك مؤخراً روايتك (خيال ساخن) أي خيال ساخن هذا الذي يتسم بالسخونة والتوهج ولماذا اخترت هذا العنوان؟
– الخيال الذي يقودك إلى اكتشاف لذة الحب، ويضيء لك دهاليز العشق، ويعرفك على فنونه، من أجل الوصول إلى جوهر السلوك الإنساني، في تلقيه وتشكيله لماهية الإحساس، والشعور بالآخر، هو بالتأكيد “خيال ساخن”. ربما ينصرف الذهن عند غالب المتلقين أن هذه الرواية حتماً ستحوي دلالات “إيروتيكية” أي جسدية أو جنسية، بما تحمله هذه الدلالات من انطباعات معيبة في ثقافتنا العربية، لكن الحكي هنا قائم على سخونة من نوع مختلف، وجاء اختيار هذا العنوان المراوغ كنوع من جذب انتباه القارىء المعني بالبحث عن الإثارة “الجنسية” ربما، آملاً في أن تقوده الرواية إلى أنه ما زالت هناك روايات تخاطب الإحساس، وتتعامل مع الروح والجسد بشكل راق، في ظل ما يُطرح الآن روايات.
2- الرواية تدور في جو رومانسى في حين يرى كثير من النقاد أن زمن الرومانسية قد انتهى ما قولك؟
– سيبقى الإنسان في حنان دائم لتلك اللحظات الرومانسية، التي تعطي لإنسانيته هدوءها، وتأملها، وسكونها المريح، في ظل ما يعيشه الإنسان من صراع يومي من أجل أشياء كثيرة، يبدو معها أشبه بالمحارب، من أجل إثبات ذاته، والمحافظة على توازنها. أعتقد أنه لا مفر من العودة إلى تلك الحياة الرومانسية بما تتركه من أثر عميق، يُشعر الإنسان بآدميته في تلك الحياة الحديثة، التي تسعى إلى طحنه في تروسها المتسارعة، مهما قال النقاد من كلام يعتمد على النظرية في قراءة الواقع، دون لمس ما يحتاجه، ويشعر به الإنسان.
3- الأسطورة لها حضور قوى في الرواية برأيك هل الاسطورة تثرى العمل الأدبي أم تكون عبئاً عليه؟
– الأسطورة سحر، يُفعّل به الروائي الواقع في روايته، فما بالك لو لديه القدرة على خلق أسطورة جديدة، بالتأكيد ستكون كتابة فاتنة، تُمسك بالقارىء وتغويه بمفاتنها الأسطورية، هكذا أحاول أن أكتب، وهذا ما طرقته بقوة في “خيال ساخن”، وهو ثراء للكتابة غير محدود، يلمسه القارىء والناقد.
4- المكان جزء من الرواية هل بيئة الراوى هى ما يطغى على المكان فى رواياتك أم أن بيئة الرواية مستقلة عن الراوى؟
– دائماً ما أسعى في كتاباتي إلى أنسنة الأشياء، والأماكن، والتعامل معها بحضورها الذاتي، وتأثيرها فيما حولها من كائنات، أي أتعامل معها كأشخاص وأناس، ذوات أرواح وحيوات، وهذا جزء من روايتي الكونية، ومعالجة لمفهومي عن الحياة، وتشعبها. في “خيال ساخن” هناك أماكن عديدة يتحرك ويعيش فيها أبطال الرواية، وهناك أماكن جديدة، يفد عليها بطل الرواية، لذا سيجد القارىء أن بيئة الرواية طاغية على الحكي في مناطق كثيرة، وتشد إليها الأشخاص ليذوبوا في تفاصيلها، حتى لو كانت بيئة الرواية مستقلة عن الراوي، إلا أن رائحتها تُشكل لديه مجسات وآثار أقدام تدله على الطريق. وهذا معناه أنني أكتب وفق منطق البيئة التي أتصدى لها، وليس وفق تصور مسبق منفصل عن العالم الذي أتناوله بالكتابة.
5- في روايتك (تفاحة الصحراء) حذرت من خطورة حقول الألغام في منطقة العلمين فهل هذه مهمة الأدب أم أنه يسعى إلى علاج مشكلة مباديء وأخلاق من خلال فضح ممارسات لا أخلاقية؟
– قبل كتابة رواية “تفاحة الصحراء” عكفت على تاريخ منطقة العلمين، خاصة فترة الحرب العالمية الثانية، وما دار منها في المنطقة، وخلصت إلى أنها لُغمت بشكل خطير، لم يسبق له مثيل، والمدهش أنني اكتشفت أنه لا توجد خرائط لحقول الألغام المنتشرة في الصحراء الغربية، لسبب بسيط، وهو أن “منتجمري” زرعها، أو بدرها وراءه وهو في حال فرار من “روميل”، فكيف يتأنى لقائد مهزوم، يفر أمام قائد منتصر أن يهندس ويرسم ويضع خرائطاً لحواجز يضعها وراءه لتسد الطريق على مهاجمه. أردت من خلال هذه الخلاصة أن نكف عن المطالبة بتلك الخرائط من أناس ودول لن تماطل في الرد، لأنها لا تملكها، ولا تعلن ذلك صراحة، ونعمل على نزع تلك الألغام بشركات خاصة، كالتي تستأجرها شركات البترول، لتنظيف مناطق البحث عن البترول. لأن تلك التفاحات القاتلة النائمة تحت الرمل متأهبة للانفجار بمجرد لمسها تمنع خيراً وفيراً، وثروة طائلة من الممكن جنيها من تلك الصحراء، في مجال التعدين والزراعة أيضاً.
6- دائما ما تربط بين عملك كمهندس بترول وكتاباتك ما العلاقة بين الجيولوجيا والأدب؟
– العلاقة هي “أنا”. ولأنني بدأت حياتي الأدبية، قبل بداية عملي الجيولوجي في مجال البحث والتنقيب عن البترول، فقد وقفت وقفة مع نفسي، وتصالحت معها، على ألا يعوق أحد الاتجاهين الآخر، وبالفعل كان لهذا التصالح ثماره، وفوائده. إضافة إلى أنني على قناعة أن التفكير العلمي، مهم جداً حتى بالنسبة لكتابة الأدب. واعتبر نفسي أحد الكتاب المحظوظين، لأن العمل في الصحراء وفي تلك الأجواء الجديدة، المتغيرة، وسع آفاقي، وأضاء لي دهاليز كثيرة، كلما دخلت في أحدها يقودني إلى طريق جديد، ذلك الفضاء الثري أتاح لي مجالاً جديداً، لم يتطرق إليه كثيرون في مجال الراوية. إضافة إلى أن علم الجيولوجيا، والتنقيب في طبقات الأرض يحتاج إلى مهارة، وبناء حكائي محكم، جزء منه قائم على العلم، وجزء أكبر قائم على التخيل، والمهارة في نسج بناء حكائي وتاريخ، للتوصل إلى تفسيرات محتملة وقابلة للتحقق، للوصول إلى الطبقات المنتجة للبترول. وهذا معناه أن ذلك العمل معني بتشريح الطبقات وتحليلها لفهم أشمل، كما هو الأدب تحليل وتشريح في الذات الإنسانية لسبر أغوارها، وفهم سلوكها. ألا ترى أن العلاقة بين الجيولوجيا والأدب علاقة وثيقة جداً.
7- هل تنتمى الرواية إلى ما يسمى بأدب الصحراء؟
– كتبت ثلاث روايات في عالم الصحراء قبل هذه الرواية، ارتبطت بدهشة اكتشافي لهذا العالم الساحر، وتناولها بعض النقاد المرموقين، باعتبارها إضافة وطرق جديدة في كتابة الرواية العربية، تضاف إلى السرد العربي. وفي رواية “خيال ساخن” أردت أن أُضفر الحكي الواقعي، مع العجائبي، مع العلم، مع الأسطورة الجديدة، مع الخيال، مع الصحراء، مع السماء، مع الأرض، مع كل شيء تلسمه بيدك وتحسه بروحك في خلطة واحدة، ويبقى الرأي للقارىء وللناقد للوقوف على تفاصيل ما كتبت، وتصنفيه حسبما يتراءى لكل مستقبل للرواية. ويكمن اقتطاف جزء من كلمة الغلاف للناقد عادل ضرغام، للتدليل على ذلك المحتوى: (إن تجربة الحب في هذه الرواية شائكة، ترتبط بالمجهول، وجرح للعالم بأسراره، فمن خلال بناء خاص، جاءت رواية “خيال ساخن” بشكل يستعصي على التصنيف، فهي مشدودة إلي الواقع بخيوط قوية، ومشدودة إلى العجائبي والسحري بخيوط أقوى، وتقترب من التوجه العلمي في أحيان ليست قليلة. فهي رواية بحث الذات عن تحققها الجسدي والروحي، ووجودها، وعن شغف اقتناص أسطورتها الذاتية الخاصة التي تخلّدها، وذلك من خلال الخيال، الذي يلمس جسد الحقيقة العاري).
8- إلى أي مدى يشغلك الانسان؟
– الإنسان هو محور كتاباتي، وتفاعله مع المكان، ومع الآخرين، الحياة ومحاولة فهمها هي هاجسي وحلمي في الكتابة، أن ألمس روحي، وأفهم طبيعة تكوينها، ما يدخل في تشكيلها لتكون نواة حرة، تستخلص كيانها وذاتها من تجاربها في الحياة. لتكون شجرة مثمرة في الفضاء الكوني الفسيح. هذا ليس كلاماً مرسلاً لكنه وعي بما يمكن أن تحققه الذات الإنسانية في سعيها المحموم نحو الحرية، والخلاص من أثر الواقع وجموده. وتأقلمها مع المتغيرات التي تمر بها. أذكر في رواية “تفاحة الصحراء” أن وقفت على مهنة جديدة، ظهرت وانتشرت بين البدو في منطقة العلمين، حين توقفت الحرب فيها، وهي مهنة “جامع الجثث”. بانتهاء الحرب وتلغيم الأرض بكاملها، كان على الدول المتحاربة أن تجمع جثث جنودها المتناثرة في الصحراء، فما كان منها إلا أنها رصدت مبلغاً زهيداً “خمسون قرشا” لكل بدوي يتأتي بجثة جندي، ويسلمها لمقابر الكومنولث الشهيرة في المنطقة، ولك أن تتخيل حاجة البدوي إلى مبلغ ذهيد كهذا، يخاطر بنفسه وسط الألغام والموت من أجله. عبث وسلوك إنساني محير، بدافع الحاجة والفقر.
9- ما الذى يجعل الحوار مع النص أمراً ممكناً؟
– كلما اقترب النص من لمس أشياء في روح وحياة القارىء، كان النص قابلاً للحوار والتفاعل الحي، وهي معادلة صعبة، أن تخرج من الخاص للعام، وأن تعمم الخاص ليصب في وجدان الآخرين. أظن أنها ملكة، ربما لا يعي تشكيلها الكاتب، أو ربما تتشكل وحدها دون وعي في متن الحكي، لا يوجد تفسير محدد بالضبط.
10- تمارس النقد في حالاته الانطباعية الأولى كيف تشكل الهاجس النقدى لديك؟
– كلما قرأت كتاباً، وأشعرني كاتبه بروحه أجد نفسي في حاجة للكتابة عنه، بدأ ذلك الهاجس تجاه كتب متعددة الاتجاهات، وليست قاصرة على الشكل الإبداعي، من قصة ورواية وشعر نثر، وحين أتاح لي الصحفي محمد حربي نافذة في جريدة الشرق الأوسط “اللندنية”، في عام 1993، وجدتها فرصة للإشارة إلى كتابات ذات قيمة، من وجهة نظري على الأقل. وفي نهاية عام 2005 أتاحت لي الشاعرة والصحافية جمانة حداد نافذة أكثر رحابة، وإيغالاً في التفاصيل الإبداعية في جريدة النهار “اللبنانية”، وهو ما حمسني للكتابة عن كتب إبداعية تلمس وجداني، فأجدني في حاجة أكثر للتعبير عن ذلك اللمس بالكتابة عنه، وخاصة أن هناك الكثير من الكتابات الجادة، والتي تُطرح يومياً دون أن تجد ناقداً أو صحافياً يهتم بها. ربما كان ذلك هو دافعي الأكبر الآن للكتابة عما أكتب عنه من كُتب. تستطيع أن تقول إن مساحة الإبداع في ازدياد، وعين النقد في آفول.
11- ماذا تقول عن المرأة في النص الابداعى؟
– المرأة كيان كامل في الوجود، ولا يمكن حصرها في نص روائي، أو عدة نصوص. فالمرأة هي الربة التي تصنع الأحلام وتحققها في رواية “غادة الأساطير الحالمة”، هي التي تقود الأرواح الضالة في الحياة إلى نبعها وكيانها في “نبع الذهب”، هي الديناميت، الذي ينفجر في القلب، ويشعلها بنار الحب، تلك “دونا ماكسويل” الانجليزية في “تفاحة الصحراء”، هي الضوء الهارب من سجن الروتين، وتقييد الخيال والابتكار لتنير العقل في “هالة النور”، وهي البنت الصغيرة، التي تتوق إلى تجربة الحب، وتجابه بالوجوه المتعددة، التي نرتديها، ولا نحفل بالمشاعر الإنسانية المرهفة، وتصر على أن تنتصر للحب بخيالها الساخن، وتلك هي جمانة في رواية “خيال ساخن”. المرأة هي حيوات كثيرة مليئة بالأسرار، تمنحنا منها وتكشف بقدر ما تشاء.
12- كتبت أربع روايات ولم تكتب القصة القصيرة لماذا هذا الاصرار والدأب على كتابة الرواية؟
– روايتي الجديدة “خيال ساخن” ومن قبلها أربع روايات، ذلك يجعلني أطمئن إلى النوع الحكائي الذي أردت أن أقدم نفسي به، واستمر فيه كمشروع ينمو يوماً بعد يوم، ولا أنسى أنني كتبت الكثير من القصص القصيرة، ونشرت بعضها في جرائد ودوريات مختلفة، لكنني لم أفكر في نشر مجموعات قصصية حتى الآن، لأمر بسيط وهو أنني وقعت في غواية الرواية، وسحرها، وانتشيت بذلك الغرق العميق في شكل إبداعي يتيح لي أن أقدم تجربة لها أعين كثيرة، أطل منها على براح الكون، وعلى التفاصيل الإنسانية بكل ما يحركها من انفعالات. الرواية امرأة آسرة، نداهة، إن أغوتك وطارت روحك في فلكها، فلن يغويك عشق غيرها.
13- ألا ترى أن ازدهار الرواية جنى على فن القصة القصيرة؟
– هذا أمر طبيعي، وأتوقعه منذ فترة بعيدة، لذا كان إصراري على المضي بعمق في كتابة الرواية. لأن الرواية هي منتج عربي خالص، تعود جذورها إلى العربي القديم، في حكاياته، وأساطيره، وكتبه الدينية، حتى كُتبت ألف ليلة وليلة، لتؤكد على ذلك. ورأيي أن القصة القصة كتابة وافدة على مجتماعتنا العربية، جاءت من الغرب، تحديداً من روسيا مع موجة المد الشيوعي والاشتراكي، وتراجع ذلك التوجه السياسي على مستوى العالم أدى إلى تراجع وتخاذل فن القصة القصيرة أمام الرواية، التي يجدها القراء مناسبة أكثر وهو معها، إلى أن ينأى بروحه في لحظات هدوء وتأمل، تأخذه من العالم المتسارع، ودواماته الاخطبوطية التي تلتف حوله، وتكاد تحيله إلى إنسان آلي، بلا روح يعيش اللحظة في لهاث بعد لهاث. ألا يحق لمثل ذلك الإنسان أن يستريح ولو قليلاً بين دفتي رواية، ليتها تكون “خيال ساخن”، حتى يكتشف روحه الفارة منه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن جريدة الخليج الإماراتية