سارة عابدين
نتشابه جميعاً في الليالي المظلمة
(2)
محرومة من الغضب
Is this the real life? Is this just fantasy?
Bohemian Rhapsody
Queen
الآن أريد أن أصرخ في وجه الجميع، أحرر غضبي، ليلتهم العالم والعلاقات والأقارب والأصدقاء، أصرخ بكل قوة الغضب الذي أجبرت على كتمانه في طفولتي. لماذا أجبرت على كتمان الغضب وكيف؟
“ممنوع”
“غلط”
“عيب”
“قولي حاضر”
“قولي نعم”
“الصغيرين يسكتوا لما الكبار يتكلموا”
غضب أكبر من احتمال طفلة صغيرة على الكتمان. غضب وغضب فوق غضب فوق غضب، يتنامى ويشتعل دون قدرة على التعبير عنه. أجبرت على أن أخفض صوتي، طوال الوقت وفي كل المواقف، لا أدافع عن نفسي أبدا أمام الإهانة، السخرية، التحرش، إنكار المشاعر، الإساءات، الفقد، ثقل الوحدة، العقاب المستمر، والعزلة القسرية التي كانت أقسى من احتمالي، تحالفات الأصدقاء والجيران ضدي، السخرية من شكلي ومن وحدتي ومن خجلي. الفتاة الصغيرة التي لا يهتم أحد لقربها، ويرفضها الجميع، أصبحت مراهقة وشابة وزوجة وأم ترفض الجميع وتطلق الغضب في وجه كل شخص، بلا أسباب.
أثأر لنفسي من كل المرات التي حرمت فيها من تحرير غضبي في الماضي، لتتحول إلى شعور راسخ وعميق بالغضب من العالم، ورغبة مستمرة في الرفض من أجل التاكيد على القدرة عليه. ثورة مؤججة داخلي لا تخمد، بركان لا يجد طريقه للانفجار، وفقدان تام للشعور بالانتماء، ورغبة دائمة في الثورة على كل المفروضات كطريقة وحيدة لتقديري لنفسي.
اعتياد الإهانة والقهر في الطفولة، دفعني للغضب والعنف المستمر، حتى في أبسط الأشياء، كأنني في وضع تحفز دائم للعالم والحياة والبشر، سواء كانوا أصدقاء أو أقارب أو أحباء أو أبناء. أدفع الآخرين بعيدا بلا رحمة ولا شعور بالافتقاد لأثبت لنفسي دائما أنني لا أقبل الإهانة، لأقول: أنا لست بحاجة لأحد، يمكنني الاستمرار بمفردي، أنتقم من الماضي بتخريب الحاضر. كل هذا الظلم الذي وقع علي في طفولتي، تحول إلى رفض لكل شيء، العادات والتقاليد، والعلاقات الاجتماعية، والصداقة.
بقيت لعقود الطفلة رفيعة الساقين التي أجبرت على ارتداء فستان أصفر واسع، لأشبه عصا مقشة تقف أسفل خيمة متهدلة على جسد ضئيل. طفلة صغيرة مثيرة للضحك والاستهزاء والسخرية. الذكرى وحدها تثير غضبي حتى الآن، خاصة مع الضفيرتين الواقفتين على جانبي رأسي واللتين أكملتا صورة الطفلة التي كما لو كانت تدعو الجميع للسخرية منها.
اقرأ أيضاً:
نتشابه جميعاً في الليالي المظلمة (1)