مريم السمان
لوحة “رجل وسط الحقول” معلقة على الحائط الأصفر.
مد الرجل عنقه من البرواز، عيناه في عيني العجوز، تأهب لقول شيء حزين لكنه لم يقله.
فتح العجوز النافذة من أجل بعض الدفء ولكن أشعة النور بدت منكسرة وهزيلة وذكرته الأشعة برغم كبر سنه بجدته على نحو غريب، بدأت الزهور المنقوشة على الستائر تتلاشى.
رن التليفون.. كانت حفيدته، تمنت له صباحا جيدا وسألت عن صحته وأنهت المكالمة القصيرة، العجوز كان مسرورًا، منذ فترة طويلة لم يمسك فيها سماعة التليفون، ثم وضع إناء أكواز الذرة لسلقها على النار، من أجل تمضية الوقت؛ أحضر ألبوم الصور وظل يدقق في صورة زفافه التي برائحة المشمش، انزعج قليلًا من أن زوجته تبدو أطول منه واندهش من عدم ملاحظته لذلك من قبل، تسللت إلى أذنه أغنية “على قد الشوق” آتية من الشارع، وذلك ذكره بدوره بقهوة التجارية بالمنشية حيث كان يجلس مع أصدقائه مع صديقه المرحوم سليم الهلال بالخصوص أن شيئًا في الشتم كان يرضيه لم يكن موجود في كوب الشاي الذي يدعي مرارًا على أنه مغرمًا به، اتخذ العجوز طريقه نحو باب الشارع و قد قرر إلا ينظر للقطة مقطوعة الذيل تلك النظرة هي لا تخاف عمومًا وأن يوفر بعضًا من حبه الشديد للكلاب ويدخره للقطط، وقد منع نفسه عن اقتناء كلب لأن شيرين لم تسمح طوال حياتها بأن يدخل بيتها كلب وهو لا يحب أن يستغل وفاتها بهذه الطريقة.
وصل محطة الترام واتخذ مقعدًا وظل يشاكس طفلة بجانبه ولكنها أظهرت فتورها وذلك أحبطه قليلاً بدل عن ذلك ظل يحصي النوافذ على طول الطريق، حينما وصل العجوز للمقهى الذي يحب، تذكر حكاياته المختزنة في جدران المقهى حيث بدت أغمق، وانتبه لموسيقى تحاول أن تثبت وجودها على سطح الصخب الشبابي موسيقى تعرفه و يعرفها تواسيه.
من أجل المزح ومن أجل المزح فحسب، ضرب العجوز رقم صديقه على الهاتف المنزلي مثل زمان، وصوت يشبه صوت سليم قال: آلو..
أغلق العجوز الخط من الفزع عائدًا للمنزل بغبطة وفرح وشيء من الحزن و يقين تام من أنه سيغادر اليوم.