ماهر البطوطي.. ترجمان الأدب المصري من نيويورك

maher albattouty
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د.سارة حامد حواس

من المصادفات الجميلة في الحياة أن تلتقي بكاتبٍ أو مترجمٍ، من خلال كتاباته أو ترجماته، وتشعر من داخلك أن أفكاره كثيرًا ما تطابق أفكارك، أو أن مدرسته في الترجمة تتسق مع ما تعلمته طوال سنوات حياتك، أو ما تتبناه من أساسياتٍ وأصولٍ وجدت نفسك فيها وآمنت بها.
وهذا حدث مع قليلين بالنسبة لي.
الترجمان الكبير، الأستاذ ماهر البطوطي، واحد ممن أثروا فيَّ كثيرًا، من خلال قراءتي للكثير من كتبه ومتابعتي لحسابه الشخصي على الفيسبوك، حيث يغمرنا دائمًا بترجماته الفاتنة التي تحمل حس شاعر كبير له ذائقة خاصة، حتى في اختياراته النصوص الشعرية التي يترجمها،ولا أنسى أبدا ترجمته لديوان “إسبانيا في القلب”للشاعر التشيلي بابلو نيرودا.

ماهر البطوطي واحد من أبرز المترجمين والكتّاب المصريين المعاصرين، استطاع أن يجمع بين الإبداع الأدبي والعمل الترجمي على مدى عقود، بخاصة وهو يعيش في مدينة نيويورك منذ عام 1978 تقريبًا، ويسعى من خلال ترجماته ومؤلفاته إلى جَسْر الهوة بين الثقافات، وإيصال الأصوات الأدبية العالمية إلى القارئ العربي، وإثراء المشهد الأدبي العربي بما لم يعرفه من ترجمات راقية وتقريب الأجناس الأدبية المختلفة من بعضها البعض.
وقد وُلد ماهر البطوطي في محافظة طنطا، ثم عاش في الإسكندرية ثم القاهرة، والتحق بكلية الآداب – جامعة القاهرة — قسم اللغة الإنجليزية وتخرج عام 1961.
وعمل في وزارة التعليم العالي، ثم انتُدِب ليكون ملحقًا ثقافيًا في مدريد بإسبانيا لمدة تقترب من خمس سنوات، وقد أعطاه هذا العمل فرصة للتعرّف مباشرة بالأدب والثقافة في إسبانيا، وهو ما انعكس لاحقًا في ترجماته، وفي مارس 1978 انتقل البطوطي إلى نيويورك، حيث بدأ العمل مترجما مع الأمانة العامة للأمم المتحدة.
بعد ذلك بسنوات، تحديدًا عام 1981، انتقل للعمل في قسم التحرير لإنشاء الوحدة العربية هناك. وعمل فيها حتى تقاعده في يونيو 2001، وحصل على الجنسية الأمريكية عام 2007،وقد ترجَمَ البطوطي من الإنجليزية والإسبانية
إلى العربية.
من الأعمال البارزة التي ترجمها:
“شاعر في نيويورك “للشاعر الإسباني فيديريكو جارثيا لوركا.
“مواويل الغجر” أيضًا للوركا.
أعمال أدبية عالمية أخرى مثل ترجمات من بابلو نيرودا، ميجيل أنخيل أستورياس، جيمس جويس، كما أصدر البطوطي عدة مؤلفات باللغة العربية، بعضها يعكس خبرته الطويلة بين الكتب والثقافات، ومن ذلك:
“الجيل الرائع: وقائع حياة بين الكتب والفن”، مذكرات تجمع فيه بين سيرة حياة ثقافية وأدبية تعايش فيها مع أدب عالمي وبيئة ثقافية عربية.
“قاموس الأدب الأمريكي” يُظهر فيه درايته بالثقافة الأمريكية والأدب المرتبط بها.
و” الرواية الأم” حيث تناول في هذا الكتاب موضوعًا أدبيًا عميقًا، من ضمنه نقاشاته حول تأثير أدب “ألف ليلة وليلة” على الآداب العالمية، ولا يترجم البطوطي أي نص فقط، بل يختار ما يحبه ويراه ذا قيمة أدبية وثقافية. هذا ما جعله ينقل نصوصًا ليست مشهورة فقط، بل ذات لغة عالية، وتصورات ثقافية مختلِفة، وبريق فني، وقد منحت خبرته بالعيش في بيئات لغوية وثقافية متعددة — من مصر إلى إسبانيا إلى الولايات المتحدة — ترجماته عمقًا وفهمًا للتباينات الثقافية، مما يجعل الترجمة ليست مجرد نقل اللغة، بل نقل الروح، وليس أثره فقط في الترجمة الحرفية، بل في إثراء الذائقة الأدبية العربية، وتعريف القارئ العربي بأدب العالم، بطريقة تجمع بين الأصالة والحداثة.
وعلى الرغم من بقائه في نيويورك عشرات السنين ما يعني الابتعاد عن الوسط الثقافي العربي، لكنه مع ذلك قد حافظ على صلته بالأدب العربي والعالم العربي، من خلال الترجمات والمؤلفات التي تلامس القارئ العربي.
ماهر البطوطي يمثل حالة فريدة من النوع فهو مترجمٌ وكاتب يعيش الغربة، لكنه ليس مُنفصِلا عن جذوره الثقافية.

مقالات من نفس القسم