آية الله الحسيني
منذ بدأت تولي مهمة غسيل الأطباق في بيت أمي، لم أدع طبقا متسخاً يبيت في حوض الغسيل أبدا، كانت المهمة الثقيلة على قلبي تخفّ بمرور الوقت لكونها واحدة من أهم معايير التحكم في مدى الرضا عني في آخر اليوم، وعدم فعلها يعني العصيان الذي ينتهي بالشجار، تطور الأمر من مجرد غسل الأطباق والأواني إلى تنظيف الموقد ومسح الأرضية، العملية التي تسمى تشطيب المطبخ.
يأكل منظر الأطباق المتسخة في الحوض قلبي، ماذا إن انقطعت المياه؟
ما أن تزوجت وقد قررت أن أنهي هذا القلق نهائيا، طورت عادة أن انتهي من الطعام لأتوجه إلى غسل الأطباق بلا تفكير، أنهي العملية برمتها في ثلث ساعة على الأكثر، ألتزم بالغسيل بالماء الساخن من أجل تيسير العملية، أقوم بتسخين أواني الطعام المعدنية من أجل إذابة الدهون، أشترى أي منتج من شأنه التسهيل عليّ، وتلازمني أغانيّ المفضلة في الخلفية، تقول صديقتي “إذا ما أخبرونا أن نهاية العالم غدا، ستذهب آية لتغسل المواعين”.
في أي وقت تدخل إلى مطبخي تجده نظيفا، حتى إن لم تكن بقية الشقة كذلك.
اليوم كنت متعبة بعد إنهاء العمل، نظرت إلى الحوض المتسخ وقلت لا بأس إن نمت الآن، ولا بأس إن ظلت الأطباق حتى الصباح، وذهبت للنوم، ونمت.
وهي المرة الأولى منذ عشرين عاما أن أفعل.
ولدت بورم غريب في ركبتي، ينمو فيها كلما أنمو حتى أتخذ شكلاً غريباً، عندما تم استئصاله بالجراحة قرر الطبيب تحليله لأنه قد يكون خبيثاً، تقول أمي أنها في يوم انتظار نتيجة العينة، جرجرت الغسالة إلى الحمام وانهمكت في غسيل الملابس، وكانت تطفئها لتبكي قليلا ثم تواصل ما تفعله.
“بنتك في خطر وتغسلي؟ يا بالك!” أقول متندرة كلما حكت لي الحكاية، تقول لي “الغسيل هيروح يغسل نفسه؟ تتمنين الجوع والراحة!” كناية عن أني لا أحب أعمال المنزل، “إن كان لابد من الموت فلنمت وحتتنا نضيفة”.
تقول لي صديقتي أني أواجه العالم باسفنجة الأواني، يفرغ غسيل الصحون قلقي، أسرف في تنظيف البيت لكن دائما نظرة أمي في الركن تقول لي ” هذا لا يكفي.”
يفرغ صغيري ما في أمعائه فيأكلني القلق أكثر، ليصيح بس صوت بعد أن يتحسن وينام، “هاتي سلكة وقومي نضفي تلاجتك!”.
ماء ساخن ومنظف جميل الرائحة، ومسلسل إذاعي ظريف في الخلفية، أفرغ الثلاجة وأغسل الرفوف، أزيحها وأدعك الحائط والأرض، وما في الدواليب، مذيب الدهون يؤلم أصابعي ويكسر أظافري، أحك الارض أكثر فأكثر.
أمي كانت قلقة عليّ، أمي كانت تحبني، لكنها ارادت تعليمي أسلوبا لتفريغ القلق، و يضفي عليّ تقديراّ في بلاد لا تعرف قيمة السيدة غير أن بيتها يشفّ ويرفّ، تأتي صغيرتي لتجلس معي وتقول لي أنت بخير يا ماما؟
أنا فقط سيدة قلقة، مطبخها الآن نظيف.